< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک فی الصلاة /الشک في اتيان الصلاة آخر الوقت

 

كان بحثنا في: (مسألة 2): إذا شكّ في فعل الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار ركعة فهل ينزل منزلة تمام الوقت أو لا؟ وجهان: أقواهما الأوّل أمّا لو بقي أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج). وقد عرضنا بعض التعليقات على هذه المسألة مع توضيح في بعض النقاط وقلنا ان الأصل في هذه المسألة صحيحة الفاضلين ولكن لم نوفق لبيانها والكلام في مدى دلالتها:

وهي ما رواه الشيخ بإسناده عَنْ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: فِي حَدِيثٍ قَالَ: "مَتَى اسْتَيْقَنْتَ أَوْ شَكَكْتَ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا- أَوْ فِي وَقْتِ فَوْتِهَا أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا صَلَّيْتَهَا- وَ إِنْ شَكَكْتَ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَوْتِ وَ قَدْ دَخَلَ حَائِلٌ- فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ مِنْ شَكٍّ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ- فَإِنِ اسْتَيْقَنْتَ فَعَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي أَيِّ حَالَةٍ كُنْتَ".[1] واليوم نريد ان ندخل في تفصيل المسألة:

هنا خلاف في ان المراد من الوقت المذكور في هذه الصحيحة هل هو الوقت الحقيقي او اعم من الحقيقي والتنزيلي والمراد من الحقيقي في صلاة الظهرين من الزوال الى المغرب والمراد من التنزيلي هو ما يستفاد من الروايات التي توسع في الوقت بقولها: "من أدرك ركعة "

استفاد بعض المعاصرين ان الأظهر هو الاحتمال الأوّل أي ينزل من أدرك ركعة بمنزلة من أدراك تمام الوقت، مستدلاً بعدم قصور في شمول الإطلاق له بعد ملاحظة التوسعة المزبورة، فكان الأقوى ما اختاره الماتن (قدس سره) من التنزيل.

ثم قال: (ومع الإغماض عن ذلك والتشكيك في المراد من النصّ لتكافؤ الاحتمالين، فغايته الإجمال المسقط عن الاستدلال، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة. ولا ريب أنّ مقتضاها الاعتناء أيضاً، إذ بعد جريان استصحاب عدم الإتيان بالمشكوك فيه ولا أقلّ من قاعدة الاشتغال فهو بمثابة العالم بعدم الإتيان فيشمله حديث من أدرك المتكفّل لتوسعة الوقت بالإضافة إلى من لم يدرك منه إلّا ركعة، فإنّ هذا ممّن لم يدرك إلّا ركعة بمقتضى الاستصحاب أو القاعدة. فالنتيجة إلحاق هذا الشكّ بالشكّ في تمام الوقت، المحكوم بالاعتناء والالتفات إليه.

هذا كلّه فيما إذا بقي من الوقت مقدار ركعة أو أكثر، وأمّا إذا بقي أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج كما ذكره في المتن، لعدم بقاء الوقت الحقيقي ولا التنزيلي، فيصدق الشكّ بعد خروج الوقت، المحكوم بعدم الاعتناء في النصّ المتقدّم).[2]

والاحتمال الثاني: ان يكون المراد من الوقت هو الوقت الحقيقي الذي يكون في الظهرين من الزوال الى المغرب وفي المغرب من الغروب الى منتصف الليل وفي العشاء من الغروب الى طلوع الفجر وفي الصبح من طلوع الفجر الى طلوع الشمس

فلابد ان نراجع الی لسان الروایات التی تفید توسعة الوقت کی نتخذ موقفنا منها:

من الروایات هی ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: "فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الْغَدَاةِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ- فَلْيُتِمَّ وَ قَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ".[3]

سندها موثق لان رجالها کلهم جیدون ولو الاربعة منهم من الفطحیة ولکنهم ثقاة.

ذكروا هذه الموثقة لبيان توسعة وقت الصلاة والحق انها تفيد توسعة جواز الصلاة لا سعة الوقت بعبارة أخرى من جعل ركعة من صلاته في الوقت والباقي بعد انقضاء الوقت فصلاته مقبولة. فالتوسعة ليست في وقت الصلاة بل التوسعة في قبول الصلاة.

ومنها ما رواه الشیخَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ «فی المصدر محمد» بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: "فَإِنْ صَلَّى مِنَ الْغَدَاةِ رَكْعَةً ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ- فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ وَ قَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ- وَإِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَلْيَقْطَعِ الصَّلَاةَ- وَلَا يُصَلِّ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا". [4] سندها كسابقتها ودلالتها كذلك ويستفاد منها أيضا النهي عن جعل الصلاة متزامنا مع طلوع الشمس الا إذا أدرك ركعة قبل الطلوع.

هناك روايات كثيرة وردت من طريق العامة تمنع من الصلاة في أوقات و كذلك في روايات الخاصة اقل منها ونذكر هنا نماذج منها عن المنتهى من دون تفصيل وبيان لأن لا تخرج عن طور البحث:

قال العلامة فی المنتهی: (مسألة: يكره ابتداء النوافل في خمسة أوقات:

ثلاثة للوقت عند طلوع الشمس، و غروبها، و قيامها نصف النهار إلا يوم الجمعة، و اثنان للفعل بعد الصبح، و بعد العصر إلا النوافل المرتبة، و ما له سبب، كصلاة الزيارة، و تحية المسجد، و الإحرام. ذهب إليه أكثر أهل العلم).[5]

وقال: (لنا: ما رواه الجمهور، عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون ان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس و بعد العصر حتى تغرب الشمس. وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا‌ صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)[6] وردت هذه الرواية في صحيح البخاري والمسلم وغيرها ن المسندات

ومن طريق الخاصة: ما رواه الشيخ، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان و تغرب بين قرني الشيطان، و قال: لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب».

و عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لا صلاة بعد العصر‌حتى تصلي المغرب، و لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس"[7]

كذلك وردت روايات في الجواز وهي كثيرة ايضاً منها ما رواه العلامة بسنده عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي رضي الله عنه انه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه «وأما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع‌ الشمس وعند غروبها [فلئن كان كما] يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان، وتغرب بين قرني الشيطان فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة فصل وأرغم أنف الشيطان»[8] وقد ورد في الوسائل 3: 172 الباب 38 من أبواب المواقيت، حديث 8.

وغيرها من الروايات المجوزة حملها العلامة على: (أنها صلاة كان لها سبب، او بفعل لا عموم له، فربما كان ما فعله من النوافل التي ‌لها سبب، أو قضاء لنافلة سالفة)[9] على كل حال هذا البحث خارج عمما نحن بصدده.

نعود الى أصل المسألة فأقول: لا يخفى ان موضوع إقامة الصلاة لمن يذكر انه لم يصل فان أدرك ركعة فصلاته ادائية وان لم يدرك ركعة فصلاته قضائية ببركة هاتين الروايتين.

اما من طرء اليه الشك في انه هل اتى بصلاته او لا؟ فان كان في وقت الصلاة، يجب عليه الأداء في الوقت والقضاء في خارج الوقت. فالوقت الذي موضوع لهذا الحكم و ظرف لطروا الشك يبدأ من الزوال الى الغروب في الظهرين، ومن طلوع الفجر الى طلوع الشمس في صلاة الصبح ومن المغرب الى منتصف الليل لصلاة المغرب ومن الغرب الى طلوع الفجر لصلاة العشاء ففي كل لحظة من طول وقت الصلاة طرء عليك الشك يجب البناء على عدم الاتيان.

فهناك مسألتان: أحدهما متى يجوز البدء بالصلاة أداء؟ الجواب من اول الوقت الى ان يبقى بمقدار إتيان ركعة في أخر الوقت وهذه التوسعة يستفاد من موثقتي عمار بن موسى الساباطي.

المسألة الثانية: متى يجب الاعتناء بالشك في إتيان الصلاة اذا كان الشك في داخل الوقت؟ من اول الوقت في كل فريضة الى آخر وقتها أي من الزوال الى المغرب في الظهرين وهكذا سائر الفرائض ويدل على هذا المعنى صحيحة الفاضلين "مَتَى اسْتَيْقَنْتَ أَوْ شَكَكْتَ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا- أَوْ فِي وَقْتِ فَوْتِهَا أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّهَا صَلَّيْتَهَا- وَإِنْ شَكَكْتَ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَوْتِ وَ قَدْ دَخَلَ حَائِلٌ- فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ مِنْ شَكٍّ حَتَّى تَسْتَيْقِنَ" فجعل ظرف الشك "في وقت الفريضة و في وقت فوتها" والمراد من وقت الفوت أوان الفوت بقرينة قوله: "وَإِنْ شَكَكْتَ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَوْتِ وَ قَدْ دَخَلَ حَائِلٌ- فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْكَ"

فقضية الشك منحاز عن قضية جواز إتيان الصلاة في الوقت فالموردين المذكورين في مسألتنا سواء كان المتبقي من الوقت بمقدار ركعة او اقل يجب عليه الاعتناء بالشك واتيان الصلاة المشكوكة اتيانها لأنه شكَّ والوقت لم ينقض بعد.

فنحن خلافا للمصنف نرى ان المكلف اذا شك في أداء فريضة والوقت لم ينقض عليه ان يصليها ولو قضاءً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo