< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک / الفرع الرابع من المسألة الاولی

قد فرغنا في مباحثنا الماضية عن ثلاث فروع من المسألة الأولى من مبحث الشكوك واخيراً كان البحث عمن علم بأداء العصر وشك في أداء الظهر فقوى وجوب اداء الظهر واليوم نتناول الفرع الرابع فقال المصنف: (بل وكذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر وعلم أنّه أتى بها وشكّ في أنّه أتى بالظهر أيضاً أم لا، فإنّ الأحوط الإتيان بها وإن كان احتمال البناء على الإتيان بها وإجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت هنا أقوى من السابق)

ان المصنف فی الفرع الماضی عند ما تيقن المصلي بإتيان العصر وشك في إتيان الظهر في سعة الوقت، احتمل اجراء قاعدة التجاوز ثم احتاط في إتيان الظهر ثم ترقى الى الفتوى بقوله: (بل هو قوي).

اما في هذا الفرع الذي تذكر في ضيق الوقت بحيث لم يبق له الا بمقدار أربع ركعات احتاط في إتيان صلاة الظهر أولا ثم قوي اجراء قاعدة الشك بعد انقضاء الوقت. بناء على ان وقت الظهر ممتد الى ان لا يبقى الى المغرب الا بمقدار اداء اربع ركعات. والباقي خاص بالعصر فليس عليه صلاة الظهر بل يبني على انه صلاها.

ولكن على القول بان الوقتان مشتركان في ذلك من صلى العصر ثم شك في إتيان صلاة الظهر والمفروض ان وقت الظهرين ممتدة من الزوال الى الغروب ففي حال التزاحم اول الوقت مختص بصلاة الظهر وآخر الوقت مختص بصلاة العصر ولكن من تيقّن انه صلى العصر فلا مزاحم له لصلاة الظهر قبل الغروب.

ومفتاح هذه الفروع موقفنا في وقت صلاة الظهرين هل هو مشترك بين الصلاتين من الزوال الى الغروب الا ان في اول الوقت لا يجوز تزاحم صلاة العصر لصلاة الظهر وعدم تزاحم صلاة الظهر لصلاة العصر في آخر الوقت. هذا أولاً،

وثانياً: هل لصلاة الظهر والمغرب أيضا محل خاص او انما محل الخاص لصلاة العصر والعشاء؟

فان قلنا بالأول: فمن صلى العصر ثم شك في اتيانه لصلاة الظهر تجري قاعدة التجاوز ففي ظرف الشك يبني على انه اتى بها ان شاء الله، ومن خصص المحل بالعصر والعشاء فلا مجال له لإجراء قاعدة التجاوز عند الشك في اتيانه بعد اليقين بإتيان العصر والعشاء. لان صلاة الظهر على هذه الرؤية لا محل لها حتى تجاوزها.

فلنراجع الى نصوص الواردة من اهل الشريعة وهم المعصومون عليهم السلام. واليك عدد منها:

منها: صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: "إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ دَخَلَ الْوَقْتَانِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ- فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ- دَخَلَ الْوَقْتَانِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ". [1]

ومنها: صحيحة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ- فَقَالَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ- دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعاً إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ- ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعاً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ". [2]

ومنها: رواية الصَّبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاتَيْنِ"[3] . وخمس روايات أخرى بنفس التعبير.

ومنها: صحيحة الحلبي: عَنِ الْحَلَبِيِّ فِي حَدِيثٍ قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْأُولَى وَالْعَصْرَ جَمِيعاً- ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ- فَقَالَ إِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَا يَخَافُ فَوْتَ إِحْدَاهُمَا- فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ ثُمَّ لْيُصَلِّ الْعَصْرَ- وَ إِنْ هُوَ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ فَلْيَبْدَأْ بِالْعَصْرِ- وَ لَا يُؤَخِّرْهَا فَتَفُوتَهُ فَتَكُونَ قَدْ فَاتَتَاهُ جَمِيعاً- وَلَكِنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِيمَا قَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا- ثُمَّ لْيُصَلِّ الْأُولَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَثَرِهَا".[4]

هذه الصحيحة تفيد الاشراك في الوقت بين الصلاتين الا ان في آخر الوقت لا يجوز مزاحمة صلاة العصر.

ومنها: صحيحة إسماعيل بن همام: عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع أَنَّهُ قَالَ: فِي الرَّجُلِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ- إِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْعَصْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ.[5]

منها: مكاتبة إسماعيل بن مهران سندها جيد الا ان فيه سهل بن زياد، قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى الرِّضَا ع ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ- إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ- وَإِذَا غَرَبَتْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ- إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ- وَأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ إِلَى رُبُعِ اللَّيْلِ- فَكَتَبَ كَذَلِكَ الْوَقْتُ غَيْرَ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ" الْحَدِيثَ. [6]

ومنها: صحيحة رواها الكليني بسند صحيح عن عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاتَيْنِ- إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ" [7] .

منها: مرسلة دَاوُدُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ- حَتَّى يَمْضِيَ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي الْمُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ- فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ- حَتَّى يَبْقَى مِنَ الشَّمْسِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ- فَإِذَا بَقِيَ مِقْدَارُ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ- وَبَقِيَ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ".[8]

هذه الروايات الكثيرة فوق الاستفاضة كانت صريحة في ان وقت الصلاتين مشتركة بينها من زوال الشمس الى الغروب وانما يجب رعاية الترتيب بينهما وبطبعة الحال لا يمكن إتيان صلاة العصر اول وقت الظهر اختيارا الا ان يكون ساهيا او غافلا او أخطأ و اتى بصلاة الظهر قبل الوقت بزعم دخول الوقت وتابعها بصلاة العصر فوقعت العصر في اول الوقت ولا اشكال فيها فان الترتيب شرط ذكري في الصلاتين، وفي صحيحة عبيد بن زرارة وردت الا ان هذه قبل هذه فبين فيها الترتيب مع اشتراك الوقت. نعم مرسلة داوود ابن فرقد ظاهرة في تخصيص اول الوقت بالظهر واخره بالعصر وما بينهما مشترك بينهما. ولكن هذه مرسلة وفي سندها من لم ير له توثيق فلا عبرة بها وعلى فرض صحتها هي لا تقاوم تلك الروايات الكثيرة وفيها صحاح وموثقات فلابد من تأويل رواية داوود بما يوافق تلك الروايات وهو حملها على بيان الترتيب أي من أراد ان يصليهما ففي اول الوقت يصلي الظهر ومن تأخر الصلاة حتي وصلت الى اخر الوقت فلابد من ان يأتي بالعصر.

ثم ان للسيد الخوئي رأي مبتني على عدم وجود محل لصلاة الظهر والمغرب فلا يشملهم قاعدة التجاوز عن المحل لفقد الموضوع واليك ملخص كلامه: (التجاوز عن محلّه المقرّر له شرعاً بالدخول في الجزء المترتّب عليه،..و هذا المعنى غير متحقّق في المترتّبتين كالظهرين و العشاءين، ضرورة أنّ ما له المحلّ منهما إنّما هي الصلاة المترتّبة كالعصر و العشاء، فهي التي اعتبر فيها التأخّر و كان محلّها الشرعي بعد الظهر و المغرب، و أمّا السابقة فلا محلّ لها أصلًا و لم يعتبر فيها القبلية أبداً..

واستدل على رأيه بامور:

اولاً: (اتصاف الظهر أو المغرب بالقبلية غير معتبر في صحّتهما قطعاً).

ثانياً: ثم أتى بشواهد على ذلك فقال: (فلو صلّى الظهر بانياً على ترك العصر عمداً وعصياناً ولم يأت بها بعدها أبداً صحّ الظهر بلا إشكال، وإن كان آثماً في ترك العصر).

ثالثاً: (لو قدّمها نسياناً فتذكّر بعد الفراغ عدم الإتيان بالظهر أتى بها، ولا حاجة إلى إعادة العصر رعاية للقبلية)،

رابعاً: (الترتيب المعتبر في العصر ذكرى لا يلزم تداركه، بمقتضى حديث لا تعاد. أو لو فرضنا أنّه أتى بالظهر ونسي العصر رأساً لم يفت منه من وظيفة الظهر شي‌ء، وحصل الامتثال بالنسبة إليه بلا إشكال).

خامساً: (لو كان له محلّ شرعي كان اللّازم جريان قاعدة التجاوز لو عرض له الشكّ أثناء صلاة العصر أيضاً، إذ بمجرّد الدخول فيها يتجاوز المحلّ، ولا يناط ذلك بالفراغ عنها قطعاً)

سادسا: يجيب عما ورد في كلام امام الصادق عليه السلام من قوله: («فَقَالَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ- دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعاً إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ» [9] إشارة إلى ما هو المتعارف بحسب الوجود الخارجي، ويشتمل على نوع مسامحة في التعبير، أو أنّه تفنّن في العبارة. والمراد أنّ هذه بعد هذه؟

ثم يقول: (يستكشف من جميع ذلك أنّه لا يشترط في الظهر تقدّمه على العصر، بل العصر مشروط بتقدّم الظهر عليه. إذن فليس للظهر محلّ شرعي كي تجري فيه قاعدة التجاوز بلحاظ الخروج عن محلّه).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo