< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/احکام الشکوک / البحث حول الفروع فی المسألة الاولی

کان بحثنا في الفرع الثالث من المسألة الاولي وهو قوله الفرع الثالث: (ولو علم أنّه صلّى العصر ولم يدر أنّه‌ صلّى الظهر أم لا؟ فيحتمل جواز البناء على أنّه صلّاها، لكن الأحوط الإتيان بها، بل لا يخلو عن قوّة)،

قلنا: يمكن ان يكون الاستدلال للاحتمال الذي ذكره المصنف رضوان الله عليه من البناء على انه صلى الظهر ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر عن حريز بن عبد الله. وقلنا: ان دلالتها لا بأس بها وانما الحديث مرسلة ابن ادريس وليس له سند ولا الشهرة الروائية فالاستدلال به مردود.

ويمكن ان يكون مستند هذا الاحتمال قاعدة التجاوز عن المحل أي بما ان صلاة الظهر محلها قبل صلاة العصر والمفروض انه متيقن بإتيان صلاة العصر فقد مضى محل صلاة الظهر فلابد ان لا يعتني بشكه لقاعدة التجاوز فإنّها تشمل الأجزاء وغيرها من الأعمال المستقلّة التي لها محلّ معيّن، وان السيد الخوئي يستشهد لهذه التوسعة في قاعدة التجاوز بتطبيقها في صحيح زرارة على الأذان والإقامة. [1]

وأود ان أقف هنا وقفة عند قاعدتي التجاوز والفراغ:

بعض فقهائنا اعتبروهما قاعدة واحدة كالشيخ الأنصاري رضوان الله عليه.

ولكن الأكثر يفصلون بينها بفوارق كما يكون الخلاف بينهم في مؤدى القاعدتين على قولين: أحدهما: ان قاعدة التجاوز هي لأجزاء الصلاة اذا تجاوزت عن محلها سواء في صحة العمل او في اتيانه كمن شك في سجوده انه اتى بالركوع او لا؟ او شك في انه هل الانحناء في ركوعه كان بمقدار ان يصل يديه الى ركبتيه أولا؟ وعلى كلا التقديرين يبني على صحته، ولكن قاعدة الفراغ انما تكون بعد الفراغ من الصلاة في صحتها لأي سبب؟ سواء كان الشك في صحة ما أتى به من الأجزاء او كان الشك في اصل الاتيان ببعض الأجزاء؟ ففي هذا التعبير قاعدة التجاوز محل جريانها في اثناء الصلاة وقاعدة الفراغ يكون مجراها اذا طرء الشك بعد الفراغ من الصلاة.

وهناك من يقول: بان قاعدة التجاوز انما تجري فيما إذا كان الشك في الوجود لا صحة الموجود ولكن قاعدة الفراغ تجري للشك في صحة الموجود وكلاهما جاريان في أجزاء الصلاة أيضاً فاذا دخلت في السورة فشككت أنك هل قرأت الحمد أولا: فقاعدة التجاوز تقول لك قد قرأت. واما إذا دخلت في السورة فشككت في صحة قراءتك للحمد فقاعدة الفراغ تقول لك اديت صحيحاً. وهكذا في كل جزء من أجزاء الصلاة اما يكون الشك في اتيانه فيتكفل لك قاعدة التجاوز واما يكون الشك في صحة ما اتيت فيتكفل لك قاعدة الفراغ ومجراهما يشتمل للشكوك في اثناء الصلاة بالنسبة الى الأفعال السابق وجودا وصحة كما يشتمل للشك الطارئ بعد انتهاء الصلاة في تلك الأفعال وجودا وصحةً.

فخلاصة الكلام في هذه النظرية: ان كل عمل فرغ منه المصلي فشك في صحته تجري فيه قاعدة الفراغ. وكل عمل فرغ منه المصلي وشك في وجوده فتجري فيه قاعدة التجاو

من أدلة قاعدة الفراغ ما رواه الشيخ بإسناده عن حسين بن سعيد عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ‌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: قَالَ: "كل شيء شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو"[2] أي لا تعتن بشكك وداوم على عملك، واعتبر ما فعلته صحيحاً

في سنده ابن بكير وهو عبد الله بن بكير بن أعين هو الذي عده الكشي من جلة الفطحية الذين هم من أجلة فقهاء اصحابنا ووثقه الشيخ والنجاشي ايضاً فالسند موثق لا بأس به ايضاً.

اما ما ورد من الروايات في قاعدة التجاوز:

منها: صحيحة زرارة واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ- وَ قَدْ دَخَلَ فِي الْإِقَامَةِ قَالَ يَمْضِي- قُلْتُ رَجُلٌ شَكَّ فِي الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ- وَ قَدْ كَبَّرَ قَالَ يَمْضِي- قُلْتُ رَجُلٌ شَكَّ فِي التَّكْبِيرِ وَ قَدْ قَرَأَ قَالَ يَمْضِي- قُلْتُ شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَ قَدْ رَكَعَ قَالَ يَمْضِي- قُلْتُ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ وَ قَدْ سَجَدَ- قَالَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ- ثُمَّ قَالَ يَا زُرَارَةُ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ شَيْ‌ءٍ- ثُمَّ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ فَشَكُّكَ لَيْسَ بِشَيْ‌ءٍ.[3]

السند صحيح، واما الدلالة ففيها بركات أولاً: يستفاد القاعدة في الاذان والإقامة فيتوسع مجالها في غير الصلاة ايضاً. ثانياً: ان السائل يذكر جميع أفعال الصلاة والامام يقول يمضي ثم يجدد الامام خطابه الى زرارة ويلقنه كبرى كل ما وجد لها مصداق ينطبق عليها.

ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر واليك نصها: الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ‌ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ (قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع) «1في المصدر عن أبو عبد الله» إِنْ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ مَا سَجَدَ فَلْيَمْضِ- وَإِنْ شَكَّ فِي السُّجُودِ بَعْدَ مَا قَامَ فَلْيَمْضِ- كُلُّ شَيْ‌ءٍ شَكَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ جَاوَزَهُ- وَ دَخَلَ فِي غَيْرِهِ فَلْيَمْضِ عَلَيْهِ." سندها صحيح والدلالة بيان صغريات ثم بيان كبرى مباركة تفيد في كل ما وجد لها مصداق.

ان السيد الخوئي أشار الى نقطة جميلة وهي: (أنّ قاعدة التجاوز المتقوّمة بالشكّ في الوجود لا في صحّة الموجود سواء أ كانت جارية في الأجزاء أم في غيرها يعتبر فيها التجاوز عن المشكوك، وبما أنّ التجاوز عن نفسه غير معقول، لفرض الشكّ في أصل وجوده، فلا جرم يراد به التجاوز عن محلّه المقرّر له شرعاً بالدخول في الجزء المترتّب عليه).

وبعد بيان هذه الحقيقة اشكل في جريان قاعدة التجاوز في الشك في إتيان صلاة الظهر بعد ما تيقن بإتيانه بصلاة العصر بقوله:

(هذا المعنى غير متحقّق في المترتّبتين كالظهرين والعشاءين، ضرورة أنّ ما له المحلّ منهما إنّما هي الصلاة المترتّبة كالعصر والعشاء، فهي التي اعتبر فيها التأخّر وكان محلّها الشرعي بعد الظهر والمغرب، وأمّا السابقة فلا محلّ لها أصلًا ولم يعتبر فيها القبلية أبداً. وأنّ قوله (عليه السلام): «إلّا أنّ هذه قبل هذه» إشارة إلى ما هو المتعارف بحسب الوجود الخارجي، ويشتمل على نوع مسامحة في التعبير، أو أنّه تفنّن في العبارة. والمراد أنّ هذه بعد هذه، وإلّا فاتصاف الظهر أو المغرب بالقبلية غير معتبر في صحّتها قطعاً. فلو صلّى الظهر بانياً على ترك العصر عمداً وعصياناً ولم يأت بها بعدها أبداً صحّ الظهر بلا إشكال، وإن كان آثماً في ترك العصر. أو لو قدّمها نسياناً فتذكّر بعد الفراغ عدم الإتيان بالظهر أتى بها، ولا حاجة إلى إعادة العصر رعاية للقبلية، والترتيب المعتبر في العصر ذُكرىّ لا يلزم تداركه، بمقتضى حديث لا تعاد. أو لو فرضنا أنّه أتى بالظهر ونسي العصر رأساً لم يفت منه من وظيفة الظهر شي‌ء، وحصل الامتثال بالنسبة إليه بلا إشكال. فيستكشف من جميع ذلك أنّه لا يشترط في الظهر تقدّمه على العصر، بل العصر مشروط بتقدّم الظهر عليه. إذن فليس للظهر محلّ شرعي كي تجري فيه قاعدة التجاوز بلحاظ الخروج عن محلّه. والذي يكشف عمّا ذكرناه أنّه لو كان له محلّ شرعي كان اللّازم جريان قاعدة التجاوز لو عرض له الشكّ أثناء صلاة العصر أيضاً، إذ بمجرّد الدخول فيها يتجاوز المحلّ، ولا يناط ذلك بالفراغ عنها قطعاً فلا ينبغي التأمّل في عدم جريان القاعدة في المترتّبتين، بل لا بدّ من الاعتناء والإتيان بالسابقة من الظهر أو المغرب، للاستصحاب أو لا‌ أقلّ من قاعدة الاشتغال كما مرّ. نعم، في الظهرين حيث يحتمل احتساب العصر المقدّم بدلًا عن الظهر ولزوم الإتيان بالعصر بعد ذلك، لقوله (عليه السلام) في النصّ الصحيح: لعُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ- فَقَالَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ- دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعاً إِلَّا أَنَّ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ- ثُمَّ أَنْتَ فِي وَقْتٍ مِنْهُمَا جَمِيعاً حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ. «إنّما هي أربع مكان أربع»[4] كان الأولى الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة من دون نيّة الظهر أو العصر) [5]

أقول: "أربع مكان اربع" في الحديث إشارة الى اختصاص صلاة العصر بآخر الوقت لمن لم يصلها فلا منافات لإتيان صلاة الظهر في هذا الوقت اذا لم تكن على ذمته صلاة العصر فلا وجه لهذا الاحتياط الذي ذهب اليه سماحته.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo