< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة / المسألة 18 من الخلل قضاء التشهد

 

كان بحثنا في المقطع الأول من المسألة 18 من أبواب الخلل وقد تحدثنا حول قول المصنف: (لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته، وحينئذٍ فإن لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة، وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة قبل سجدتي السهو، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك، ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً، وسجدتا السهو لكلّ زيادة).

قد أنهينا البحث في الأيام الماضية في وجوب قضاء السجدة المنسية والاحتياط بالقضاء عن التشهد المنسي وهو قول المشهور، ومن يرى عدم وجوب قضاء التشهد المنسي من القدماء المفيد والصدوقين ومن المتأخرين صاحب الحدائق ومن المعاصرين السيد الخوئي وغيرهم وهم يرون كفاية سجدتي السهو بتشهدها عن التشهد المنسي.

ولكن هناك قول ببطلان الصلاة إذا نسي المصلي تشهدها وهو قول ابن الجنيد الكاتب- المشتهر بالاسكافي من فقهاء الامامية ومتكلميهم في القرن الرابع الهجري فهو كان يرى بطلان الصلاة بمجرد نسيان التشهّد على ما حكى المجلسي عنه في البحار. [1] .

ولعل مستند هذا القول ما ورد في روايتين إحداهما: موثقة عمار واليك نصها: بِإِسْنَادِهِ في الاستبصار عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِنْ نَسِيَ الرَّجُلُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ- فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ- وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً مِنَ التَّشَهُّدِ أَعَادَ الصَّلَاةَ". [2]

قَالَ الشَّيْخُ بعد ذكر الحديث: (الْمُرَادُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يُعِيدُهَا وَيَقْضِي التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً أَعَادَ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَ تَرَكَهُ عَمْداً). فهو رضوان الله عليه حمل مضمون الحديث على ما عليه سائر الفقهاء. ولكن ما قال تفسير لكلام الغير بما لا يفيده الملفوظ.

والأُخرى رواية علي بن جعفر: واليك نصها: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ التَّشَهُّدَ حَتَّى سَلَّمَ- كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ إِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَلْيَتَشَهَّدْ- وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ- وَ إِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- أَوْ بِسْمِ اللَّهِ أَجْزَأَهُ فِي صَلَاتِهِ- وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ حَتَّى يُسَلِّمَ أَعَادَ الصَّلَاةَ.[3] .

صاحب الوسائل بعد ذكر لحديث قال: (أَقُولُ: تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِي مِثْلِهِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِجْزَاءِ عَلَى صُورَةِ الشَّكِّ دُونَ تَيَقُّنِ التَّرْكِ وَحَمْلُ الْإِعَادَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ تَعَمُّدِ التَّرْكِ كَمَا مَرّ).

قال السيد الخوئي رضوان الله عليه بعد ذكر الروايتين: (لكن الأخيرة ضعيفة بعبد اللّٰه بن الحسن، والعمدة هي الموثّقة. إلّا أنّها معارضة بالأخبار المستفيضة المعتبرة إن لم تكن متواترة، المصرّحة بعدم البطلان كما ستعرف، التي منها صحيحة لا تعاد، وقد ذكر في ذيلها أنّ التشهّد سنّة، وهي لا تنقض الفريضة. ولا شكّ أنّ الترجيح مع تلك النصوص، لكثرتها بل كونها من المجمع عليه بين الأصحاب، إذ لا عامل بالموثّقة غير الكاتب كما عرفت فلا تنهض لمقاومتها، بل يردّ علمها إلى أهله).[4]

أقول: ويمكن ان يستفاد من الحديث أن يكون المراد في موثقة عمار من "نسي" نسيان ما فعله من انه هل تشهد أو لا؟ وقوله فذكر انه قال بسم الله فهو شرع في التشهد ولا يدري هل كمله ام لا؟ فالمورد حينئذ الشك في صحة التشهد، فيبني على الصحة واما َ"إِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً مِنَ التَّشَهُّدِ أَعَادَ الصَّلَاةَ" والفرق بين الحالة الأولى والثانية ان في الأولى يعرف انه بدء بالتشهد وشك في الاكمال فأصالة الصحة تقتضي البناء عليه وفي الحالة الثانية لم يتذكر شيئا فالشك في اصل الامتثال والاشتغال اليقيني يستدعي براءة يقينية. وفي حسنة علي بن جعفر أيضا قريب من موثقة عمار حيث ورد فيها: "إِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- أَوْ بِسْمِ اللَّهِ أَجْزَأَهُ فِي صَلَاتِهِ- وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ حَتَّى يُسَلِّمَ أَعَادَ الصَّلَاةَ" وطبعا بهذا التبرير تخرج المسألة من محل النزاع لام محل النزاء هو مورد اليقين بعدم إتيان التشهد وفي هذا المعنى الروايتين موضوعهما الشك في إتيان التشهد ومع ذلك هذا التبرير لا يلائم مع ما عليه فقهائنا من الاخذ بقاعدة التجاوز اذا كان الشك بعد تجاوز المحل، فتامّل جيداً.

ثم ان السيد المصنف رضوان الله عليه مضافا على الفتوى بلزوم القضاء في كلا الموردين أي نسيان السجود ونسيان التشهد افتي بوجوب قضاء السجدة والتشهد، افتى بوجوب رعاية الترتيب بتقديم قضاء السجدة والتشهد على سجدتي السهو:

اما أصل وجوب سجدتي السهو فجلّ الروايات الصحيحة والموثقة كان مشتملا على الامر بسجدتين من دون ركوع بعد التسليم فلا حاجة لصرف الوقت والمراجعة الجديدة بهذا اللحاظ.

اما وجه تقديم القضاء على سجدتي السهو أولا فلأنّها جزءان من الصلاة، وسجدتي السهو أجنبي عن الصلاة ومعاقبة للناسي والجزء أولى بالكل من غيره الأجنبي.

ثانياً: جل الروايات التي أمرت بسجدتي السهو قدّمت القضاء عليهما، هذا بالنسبة الى قضاء السجدة واضح واما بالنسبة الى قضاء التشهد فان قلنا بعدم وجوبه ووقوع سجدتي السهو مقام القضاء فلا يبقى موضوع للترتيب وان قلنا بوجوب قضاء التشهد مستقلا عن سجدتي السهو فلابد من تقديمه عليهما بنفس الملاك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo