< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /مسألة 18قضاء التشهد

 

كان بحثنا في المقطع الأول من المسألة 18 من أبواب الخلل وقد تحدثنا حول قول المصنف: (لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته، وحينئذٍ فإن لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة، وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة قبل سجدتي السهو، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك، ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً، وسجدتا السهو لكلّ زيادة).

ذكرنا فيما مضى قول المشهور للسجدة المنسية التي تذكّرها المصلى بعد الدخول في الركوع من الركعة التي بعدها، من قضائها بعد التسليم مع سجدتي السهو، كما ناقشنا القول ببطلان الصلاة بنسيان سجدة واحدة كما في نسيان سجدتين، وناقشنا استدلالهم بحديث لا تعاد وحديث معلى بن خنيس، كذلك ناقشنا القول بإتيانها من الركعة الأولى في الثالثة ومن الثانية في الرابعة ومن الرابعة بعد التسليم وكان المستند الفريد لها فقه الرضوي وهو لم تثبت حجيتها.

ثمّ هناك قول آخر وهو: ما نسبه العلامة في المختلف الى الشيخ المفيد (قدس سره) من أنّ (السجدة المنسية من الركعة الأُولى يؤتى بها في الركعة الثانية لو تذكّرها بعد الركوع، فيسجد فيها‌ ثلاث سجدات، والمنسية من الركعة الثانية يؤتى بها في الثالثة، ومن الثالثة في الرابعة، ومن الرابعة خارج الصلاة)

وهذا القول لم يرد له دليل كما اعترف به غير واحد، ومقتضى القاعدة بطلان الصلاة بهذا الأسلوب لأنه زيادة في الفريضة، فان إتيان ثلاث سجدات عامدا زيادة في الفريضة وما ذكرناه مرارا من النصوص التي تدل على ان كل زيادة او نقيصة في الفريضة توجب بطلانها الا ما ورد نص من الشارع المقدس فيكون مخصصاً لتلك الاطلاقات وهو معدوم في هذا المورد حسب ما بأيدينا من الروايات.

واليوم نريد ان ندخل الى البحث فيمن نسي التشهد ولم يتذكرها الا بعد فقد امكان التدارك قال المصنف:

(وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما (1) أيضاً بعد الصلاة قبل سجدتي السهو (2)، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك (3)، ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً، وسجدتا السهو لكلّ زيادة)،

تعليقات:

(1) قال السيد عبد الهادي الشيرازي: (على الأحوط في التشهّد).

وقال السيد الخوئي: (وجوب قضاء التشهّد مبنيّ على الاحتياط الوجوبي).

(2) قال الشيخ كاشف الغطاء: (الأقوى التخيير بين الإتيان بهما قبلهما أو بعدهما).

(3) قال الشيخ كاشف الغطاء: (لا فرق بين الأركان وغيرها في وجوب التدارك عند بقاء محلّه كما لا فرق بينهما فيما يوجب بقاء المحلّ أو فواته وإنّما الفرق في أنّه إذا فات المحلّ ففي الأركان يحكم بالبطلان وفي غيرها بالصحّة مع التدارك وبدونه مع سجدتي السهو وبدونها).

بالنسبة الى قضاء التشهد المنسي ثلاثة اقوال: الأول: وجوب قضاء التشهد بعد التسليم وسجدتي السهو، والثاني: عدم وجوب قضاء التشهد والاكتفاء بتشهد الذي يأتي بعد سجدتي السهو والثالث: بطلان الصلاة بنسيان التشهد.

اما القول الأول: فهو المشهور بين الفقهاء.

ويستدل على وجوب قضاء التشهد بعد السلام بصحيحة حكم بن حكيم واليك نصها: محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَكَمِ بْنِ حُكَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ يَنْسَى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً- أَوْ سَجْدَةً أَوِ الشَّيْ‌ءَ مِنْهَا ثُمَّ يَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ- فَقَالَ يَقْضِي ذَلِكَ بِعَيْنِهِ- فَقُلْتُ أَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا".[1]

في السند محمد بن الحسين وهو ابي الخطاب وثقه الكشي والنجاشي والشيخ وقال النجاشي فيه:

(محمد بن الحسين ابن ابي الخطاب أبو جعفر الزيات الهمداني واسم ابي الخطاب زيد، جليل من اصحابنا عظيم القدر كثير الرواية عين حسن التصانيف مسكون الى روايته) ثم ذكر عدة من مؤلفاته. وفي السند جعفر بن بشير وهو كان من أصحاب الرضا عليه السلام فال فيه الشيخ: (جعفر بن بشير البجلي ثقة جليل القدر)، وقال فيه النجاشي: (أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة) وفي السند حكم بن حُكَيْم وهو أبو خلاد الصيرفي الاسدي مولاهم كوفي وثقه النجاشي. فالسند صحيح لا نقاش فيه.

اما الدلالة فقوله: "او الشيء منها" إطلاق الشيء يشمل التشهد وقوله "يقضي ذلك بعينه" امر بقضاء المنسي، خرج منه بقيّة الأجزاء المنسية كالقراءة والذكر ونحوهما بالإجماع على نفي القضاء فيها، فيبقى التشهّد مشمولًا للإطلاق.

واشكل السيد الخوئي رضوان الله عليه في هذا الاستدلال بقوله: (أنّ الإطلاق المزبور معارض بإطلاق آخر، وهو قوله (عليه السلام): «يقضي ذلك بعينه» فانّ المراد بالقضاء ليس هو المعنى الاصطلاحي الدارج على ألسنة الفقهاء من الإتيان خارج الصلاة، بل هو في الآيات والروايات يطلق على ما هو عليه من المعنى اللغوي أعني مطلق الإتيان، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذٰا قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ﴾ أي أتيتم بها.

على أنّ ذلك المعنى غير مراد في خصوص المقام قطعاً، فإنّ الركعة الواقعة في قبال السجود يراد بها الركوع، لا الركعة التامّة المصطلحة، كما يساعده المعنى اللّغوي، فإنّ الركعة والركوع كلاهما مصدر ل‌ (ركع) كما أنّ السجدة والسجود مصدر ل‌ (سجد)، ولا شكّ أنّ الركوع المنسي لا يقضى بعد الصلاة، بل تبطل بنسيانه. فالمراد بالقضاء مطلق الإتيان بالمنسي، سواء كان في المحلّ بأن تذكّر ومحلّ التدارك باقٍ، أم في خارجه. و لا ريب في عدم إمكان التحفّظ على كلا الإطلاقين، بأن يحكم بوجوب تدارك المنسي كيف ما كان و متى تذكّر، لانتقاض ذلك بمثل القراءة و نحوها فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق الأوّل باختصاصه بالتشهّد مع المحافظة على الإطلاق الثاني، فيكون المعنى أنّ التشهّد المنسيّ يتدارك مطلقاً إمّا في الصلاة مع بقاء المحلّ أو خارجها مع عدم البقاء، وبين العكس بأن يتحفّظ على الإطلاق الأوّل و يقيّد التدارك بالمحلّ، فيحكم بأنّ كلّ جزء منسيّ من التشهّد و غيره يجب تداركه و الإتيان به بعينه مع بقاء محلّه، ولا يجب التدارك خارج المحل. والاستدلال مبنيّ على ترجيح الاحتمال الأوّل، وهو غير ظاهر، كيف ونسيان الركوع المعطوف عليه الشي‌ء موجب للإعادة ولا قضاء له، فكيف حكم (عليه السلام) بالقضاء ونفي الإعادة، بل الأظهر هو الاحتمال الثاني. فيكون مفاد الصحيحة أنّ نسيان أيّ جزء محكوم بتداركه في محلّه، من غير تعرّض للقضاء، كما تؤيّده صحيحة ابن سنان: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» [2] حيث أمر (عليه السلام) بصنع المنسي وإتيانه لدى التذكّر، الذي لا يراد إلّا إتيانه في محلّه كما‌ لا يخفى، فيطابق مضمون إحداهما الأُخرى. وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه، ولا أقل من تساوي الاحتمالين وعدم ظهور لها في الاحتمال الأوّل الذي هو مبنى الاستدلال، فغايته الإجمال المسقط لها عن صلاحية الاستدلال)[3] .

ونحن معكم ان شاء الله في دراسة هذه المناقشة يوم السبت.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo