< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

45/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /في نسيان غير الاركان

 

قد عطل البحث يوم أمس لوفاة آية الله سيد مهدي خرسان رضوان الله عليه واليوم نتابع بحثنا في هذه المحاضرة حول المقطع الأول من مسألة (مسألة 18): لو نسي ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة لم تبطل صلاته، وحينئذٍ فإن لم يبق محلّ التدارك وجب عليه سجدتا السهو للنقيصة، وفي نسيان السجدة الواحدة والتشهّد يجب قضاؤهما أيضاً بعد الصلاة قبل سجدتي السهو، وإن بقي محلّ التدارك وجب العود للتدارك، ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليه ممّا فعله سابقاً، وسجدتا السهو لكلّ زيادة.

قد ذكرنا في المحاضرة السابقة تعليقات من فقهائنا العظام حول هذا المقطع من المسألة واليوم نريد دراستها دراسة فقهية فنقول:

ذكر السيد في هذا المقطع من المسألة فروع:

الأول: عدم بطلان الصلاة بنسيان أجزاء الصلاة ما عدا الأركان فان تذكر قبل فوات المحل يأتي بالفائت وما وقع بعده، وان لم يتذكر الا بعد التجاوز عن المحل فليس عليه شيء الا سجدتي السهو.

الثاني: إذا كان المنسي سجدة واحدة او التشهد فان بقي فرصة التدارك فيجب عليه ان يتدارك الفائت وما وقع بعده، وان تذكر بعد التجاوز يقضيهما بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو للنقيصة في اثناء الصلاة. ولا يخفى ان الفرع الثاني استثناء عن إطلاق فرع الأول.

اما عدم بطلان الصلاة بنسيان اجزائها غير الأركان فعمدة الدليل هو حديث لا تعاد فأدلة وجوب هذه الأجزاء او فقل جزئيتها تدل على أن الاخلال بها عمداً مبطل للصلاة، لان الكل يختل بفقد جزء منه في التكوينيات ولكن بما ان تركيب الصلاة بأجزائه امر اعتباري فللمعتبر ان يتنازل عن جزئية شيء في ظروف معينة، وحديث لا تعاد دلّ على عدم جزئية ما نسيه المصلي لصلاته من غير الأركان، فاكتفى المولى تعالى عن الناسي بما اتاه من الصلاة إذا اكتمل أركانها.

نعم بالنسبة الى الإخلال بالنية سهواً ليس من باب الاستثناء كما عبّر عنه بعض اعلام العصر رضوان الله عليه بل نقول: بما ان الصلاة عبادة خاصة فلا تتحقق الا بالنيّة فمن نسي النية وبدء بأقوال الصلاة وأذكارها، لم يدخل في الصلاة. كذلك بالنسبة الى تكبيرة الاحرام فهي الافتتاح للصلاة فمن ترك التكبير لم يفتتح صلاته، فالفاقد لأحد هذين الامرين لم يدخل في الصلاة حتى يصدق عليه ابطال الصلاة او صحتها. الا إذا اعتبرناهما من الاستثناء المنفصل كقولك جاءني القوم الا حماراَ.

اما الفرع الثاني الذي ورد في هذا المقطع هو نسيان سجدة واحدة او التشهد إذا نسيهما ولم يتذكّر الا بعد ما لم يبق له امكان التدارك، فقال المصنف يجب عليه القضاء مع سجدتي السهو للنقيصة فيتوقف صحة الصلاة فيهما بالقضاء وسجدتي السهو اما موارد وجوب سجدتي السهو ففيها الخلاف وسوف يأتي البحث عنها مفصلاً فلنتركها لمكانها على ترتيب ما ورد في العروة.

اما وجوب قضاء السجدة المنسية ففيه خلاف بين الفقهاء وذهب المشهور الى وجوب قضائها عند الفراغ من الصلاة بعد التسليم وهو الذي اختاره المصنف وتدل عليه عدة من الروايات:

منها: صحيحة إسماعيل بن جابر رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "فِي رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى قَامَ- فَذَكَرَ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ- قَالَ فَلْيَسْجُدْ مَا لَمْ يَرْكَعْ- فَإِذَا رَكَعَ فَذَكَرَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ- فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْجُدُهَا فَإِنَّهَا قَضَاءٌ-" الْحَدِيث". [1] سندها صحيحة ودلالتها على رأي المشهور ظاهرة.

ومنها: موثقة عمار التي رواها الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ سَجْدَةً- فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا قَامَ وَرَكَعَ- قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَسْجُدُ حَتَّى يُسَلِّمَ- فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ مِثْلَ مَا فَاتَهُ- قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ- قَالَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ إِذَا ذَكَرَهُ" [2] .

ورد في سندها مصدق بن صدقة قال فيه الكشي: (محمد بن الوليد ومعاوية بن حكيم ومصدق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد هؤلاء كلهم فتحية وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول وبعضهم أدرك الرضا عليه السلام وكلهم كوفيون) وعمار هو الساباطي وهو كان فطحياً ثقة. فالسند لا بأس به في الحجية، والدلالة على المراد واضحة.

ومنها: صحيحة ابي بصير الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَمَّنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَذَكَرَهَا‌ وَهُوَ قَائِمٌ- قَالَ يَسْجُدُهَا إِذَا ذَكَرَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ- فَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ- فَإِذَا انْصَرَفَ قَضَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ".[3]

هذا السند فيه محمد بن سنان وهو ضعيف مجروح متهم بالغلو وبعض الأمور الأخرى ولكن للسند تعويض في طريق الصدوق فانه رواه بسنده عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير وسنده اليه صحيح.

ومنها: ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَذْكُرُ أَنَّ عَلَيْهِ السَّجْدَةَ- يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَهَا وَهُوَ رَاكِعٌ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ- قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَهَا".[4]

مثل هذا السند يسمونه حسنة لعدم ورود التوثيق لعبد الله بن الحسن ولكن كما قلنا مرارا ان رفع اليد عن عبد الله وهو حفيد الامام والحميري يروي جل رواياته منه صعب جداً ومع ذلك روى الحميري نفس المضمون عن علي بن جعفر مباشرة واليك نصها:

وَمنها: ما رواه الحميري عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: "وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ سَهَا وَهُوَ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الْفَرِيضَةِ- قَالَ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُهَا وَفِي النَّافِلَةِ مِثْلُ ذَلِكَ".[5] سنده لا بأس به ودلالته على المراد واضحة. نعم ان السائل قيد كلامه بالسجدة الأخيرة وهذا لا يضر بدلالة الحديث على جعل القضاء بعد التسليم وانهاء الصلاة.

وَبِإِسْنَادِهِ – الشيخ في التهذيب- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ "عَنِ الَّذِي يَنْسَى السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ- مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا- فَقَالَ إِذَا خِفْتَ أَنْ لَا تَكُونَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً- فَإِذَا سَلَّمْتَ سَجَدْتَ سَجْدَةً وَاحِدَةً- وَتَضَعُ وَجْهَكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ عَلَيْكَ سَهْوٌ". في سنده موسى بن عمر وهو بن بزيع وثقه النجاشي بقوله: (مولى المنصور ثقة كوفي) الخ وفي السند محمد بن المنصور وهو مردد بين موثق ومجهول ومرمي بالغلو فلا تتم له الوثاقة والاشكل الآخر ان الرواية مضمرة لا ندري من المسؤول عنه.

واما الدلالة فهي تدل على وقوع قضاء السجدة بعد التسليم. ونفي السهو فيها ظاهر في نفي وجوب سجدتي السهو قد حمل صاحب الوسائل على مورد كان المصلي شاكا في نقص السجدة في الصلاة فلا ينافي ما ورد بوجوب سجدتي السهو لمن تيقن بنسيان السجد اثناء الصلاة.

هذه الروايات عمدتها صحيحة او موثقة السند فدلالتها على قول المشهور لا شبهة فيها ولكن هناك روايات أخرى تدل على بعض الآراء الأخرى في المسألة نطرحها في محاضراتنا الآتية ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo