< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /المسألة 15 من الخلل في الصلاة

قال المصنف رضوان الله عليه: (مسألة 15): لو نسي السجدتين ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته، ولو تذكّر قبل ذلك رجع وأتى بهما وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مرتّب عليهما بعدهما، وكذا تبطل الصلاة لو نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم وأتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً، كالحدث والاستدبار، وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضاً البطلان لكن الأحوط التدارك ثمّ الإتيان بما هو‌ مرتّب عليهما، ثمّ إعادة الصلاة، وإن تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم وصحّت صلاته، وعليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه، وللتسليم المستحبّ).

قد انتهي بحثنا في الفرع الثالث من هذه المسألة واليوم نريد ان نتحدث معكم في الفرع الرابع:

قال المصنف: (وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضاً البطلان لكن الأحوط التدارك ثمّ الإتيان بما هو‌ مرتّب عليهما، ثمّ إعادة الصلاة)

وافق السيد جمع من الفقهاء في القول بالبطلان، بل نسب ذلك إلى المشهور. ولكن الواقع ان القول بالصحة أيضا مشهور فنسبة البطلان الى المشهور مبالغة في الكلام بل القول بالبطلان مشهور كما ان القول بالصحة أيضا مشهور وليس بينهما شاذ متروك.

والوجه في البطلان اولاً: نقصان الركن و تداركه غير ميسور لخروجه عن الصلاة بالسلام، فإنّ الشارع جعل التسليم الثاني او الثالث مخرج من الصلاة فلا يمكن ضم السجدتين المنسيتين الى صلاته فالقول بالبطلان هو المقتضى للقاعدة.

ثانياً: تشهد بذلك جملة من النصوص:

منها: صحيحة الحلبي واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ: "قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كُلُّ مَا ذَكَرْتَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ- وَالنَّبِيَّ ص فَهُوَ مِنَ الصَّلَاةِ- وَ إِنْ قُلْتَ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ- فَقَدِ انْصَرَفْتَ".[1] في السند الحسين بن عثمان وهو الأحمسي البجلي قال فيه النجاشي: (كوفي ثقة) فالسند صحيح والدلالة هي جعل الشهادة الثانية انصرافاً من الصلاة.

ومنها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام‌ قَالَ: إِذَا نَسِيَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَلِّمَ- فَإِذَا وَلَّى وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَقَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ" [2] سندها موثق وجعل الامام عليه السلام التسليم الثاني فراغاً من الصلاة هو معناه عدم امكان انضمام شيء اليها. وغيرهما من الروايات التي بهذا المضمون تصلح للتأييد.

ولكن جماعة اخرى يرون صحة الصلاة إذا سلم ولم يأت بمبطل للصلاة منهم أكثر المعاصرين كما رأيتم في عرض التعليقات على هذه المسألة قبل أيام قليلة.

مستدلين: بانّ المستفاد من الروايات هو أنّ السلام لا يخلوا من وجهين:

إحداهما: انه الجزء الواجب الأخير من الصلاة، وبه يتحقّق التحليل عن‌ المنافيات فيها. كما نطقت به الروايات المتضمّنة أنّ افتتاحها التكبير وآخرها التسليم، أو تحريمها التكبير وتحليلها التسليم [3] .

وثانيتهما: ان السلام هو القاطع والمخرج عن الصلاة، فتحققه زوال للهيئة الاتصالية، بحيث يمنع عن انضمام باقي الأجزاء بسابقتها، إمّا لكونه من كلام الآدمي أو لأنّه بنفسه مخرج تعبّدي.

ودل على هذه الحقيقة أحاديث تفيد ان السلام الثاني مفسد للصلاة إذا اُتي به في اثناء الصلاة.

منها: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُيَسِّرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: شَيْئَانِ يُفْسِدُ النَّاسُ بِهِمَا صَلَاتَهُمْ قَوْلُ الرَّجُلِ- تَبَارَكَ اسْمُكَ وَ تَعَالَى جَدُّكَ وَ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ- وَ إِنَّمَا هُوَ شَيْ‌ءٌ قَالَتْهُ الْجِنُّ بِجَهَالَةٍ فَحَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ- وَ قَوْلُ الرَّجُلِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ" [4] .

في السند ثعلبة بن ميمون قال فيه الكشي: (مولى محمد بن قيس الانصاري هو خير فاضل مفدم معلوم في العلماء والفقهاء الأجلة من هذه العصابة وتقدم في تسمية الفقهاء من أصحاب ابي عبد الله عليه السلام). وقال فيه النجاشي: (مولى بني اسد ثم مولى بنو سلامة منهم ابو إسحاق النحوي، كان وجها في اصحابنا قاريا فقيها نحويا لغويا راوية وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد) وفي السند ميسّر، قال فيه الكشي: (بن عبد العزيز كان كوفيا وكان ثقة) ثم قصّ له قصّة عن ابن مسعود تدلّ على جلالة قدره عند الامام الباقر عليه السلام. فالسند صحيح وتدل على ان السلام الثاني مفسد للصلاة إذا اُتي به في غير محله.

ومنها: ما رواه الصدوق مرسلاً واليك نصه: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: "قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: أَفْسَدَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى النَّاسِ صَلَاتَهُمْ بِشَيْئَيْنِ- بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ- وَهَذَا شَيْ‌ءٌ قَالَتْهُ الْجِنُّ بِجَهَالَةٍ فَحَكَى اللَّهُ عَنْهَا، وَبِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. يَعْنِي فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ" [5] .

ومنها: ما رواه الصدوق فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا ع فِي كِتَابِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، لِأَنَّ تَحْلِيلَ الصَّلَاةِ التَّسْلِيمُ، فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ سَلَّمْتَ" [6] . سند الصدوق الى فضل صحيح وتدلّ الحديث على خروج المصلي عن الصلاة بالشهادة الثانية.

ولكن هذه الروايات جعلت التسليم مفسدا للصلاة اذا اتي به في اثناء الصلاة ومخرجا عن الصلاة اذا اتي به في نهاية الصلاة فمعناه من اتى به عمدا قبل اكمال جميع أجزاء الصلاة فقد افسد صلاته ولكن اذا اتى به سهوا فحديث لا تعاد وهو حاكم على هذه الروايات يدل على عدم وجوب إعادة الصلاة أي صحتها فمن سلّم غفلة وسهوا عن عدم اكمال صلاته بسجدتين ثم تذكر فيجوز له بل يجب عليه ان يكمل صلاته بتدارك النقص. نعم إذا ولّى وجهه عن القبلة او ابطل وضوئه فلا يمكن له اكمال صلاته لان القبلة والطهور من الخمسة التي يجب إعادة الصلاة اذا اخل بهما سواء عمدا او سهواً، ففي مفروض مسألتنا وهو عدم إتيان مخل بعد السلام يجب عليه تدارك السجدتين المنسيتين ثم الاتيان بالتشهد والسلام فيصبح صلاته كاملة من حيث الأجزاء والترتيب وانما زاد فيها تشهد وسلام فيأتي بسجدتي السهو على حسب ما يوجبها من الأسباب. فمانعية السلام له كغيره من الموانع، مقيّد بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد.

ومما يشهد على صحة هذا الموقف ما ورد فيمن نسي الركعة الأخيرة من صلاته فسلّم على الناقص ثمّ تذكّر يجب ان يقوم ويأتي بها ثمّ يأتي بسجدتي السهو للسلام الزائد، فإنّه يظهر منه بوضوح أنّ زيادة السلام‌ ووقوعه في غير محلّه لا يستوجب البطلان، بل أقصاه الإتيان بسجدتي السهو وهذا منطبق على المقام بعينه كما هو ظاهر جدّاً.

فما ذهب اليه المصنف في قوة القول ببطلان الصلاة في مفروض المسألة لا يمكن الانسجام معه بل القول بالصحة هو الأقوى، ولكن لا بأس بإعادة الصلاة بعد تدارك السجدتين واكمال الصلاة بالتشهد والسلام بل ينبغي الالتزام بهذا الاحتياط رعاية للقول المقابل الذي عليه جمع من الفقهاء رضوان الله عليهم اجمعين حياً وميتاً والاحتياط حسن على كل حال.بقي علينا الفرع الأخير من هذه المسألة فنتركها ليوم القابل ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo