< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /المسألة 14من الخلل في الصلاة

قال السيد المصنف رضوان الله عليه: (مسألة 14): إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته، وإن تذكّر قبل الدخول فيها رجع وأتى به وصحّت صلاته، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ولكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى).

قد انتهينا من البحث حول الفقرة الأولى من المسألة واليوم نريد ان نتناول المقطع الأخير من هذه المسألة وهو قوله: (وإن تذكّر قبل الدخول فيها - في السجدة الثانية - رجع وأتى به وصحّت صلاته، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ولكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى).

في القسم الأخير من المسألة ورد امران: وهما تذكر نسيان الركوع قبل الوصول الى السجدة الأولى، وتذكرها بعد الوصول الى سجدة الأولى وفي كلا الفرضين ذهب المصنف الى صحة الصلاة. اما قبل الدخول في السجدة فلا شك في صحة الصلاة، فيقوم ثم يركع ثم يسجد ويتابع صلاته من دون اشكال، الا انه هوي الى السجود ثم قام، وهو زيادة في الصلاة فمن يرى وجوب سجدتي السهو لكل زيادة او نقيصة كالمصنف، فيرى وجوب سجدتي السهو للهوي والقيام مجددا. فقوله لكل زيادة جامع لمن لم يصل الى السجدة ومن وصل اليها.

الشيء الذي يطلب منا الوقوف عندها هو ما إذا تذكر عدم إتيان الركوع بعد الوصول الى السجدة الأولى سواء قام من سجوده او لا؟ المهم عدم الدخول في السجدة الثانية.

وقد ذهب جماعة كثيرة إلى البطلان هنا أيضاً، بل نسب ذلك إلى المشهور، واختار جمع آخرون منهم السيِّد الماتن (قدس سره) الصحّة، فيرجع ويتدارك الركوع لبقاء المحلّ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً، الّتي هي ليست قادحة للصلاة كما ورد في النص وغليه الفتوى فقهائنا.

واُستدلّ للبطلان بإطلاق رواية أبي بصير واليك نصها: وَعَنْهُ -الشيخ بسنده عن الحسين بن سعيد- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَرْكَعَ- قَالَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.[1] فإنّها تشمل ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية، فلأجلها يحكم بالبطلان، وإن كان مقتضى القاعدة الصحّة كما عرفت.

وفيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان كما مرّ، ولا يجبر ضعف سندها حتى على القول بجابرية عمل المشهور برواية، فانّ الجبر موقوف على كون الرأي المخالف شاذا وليس فيما نحن فيه قول المقابل شاذا بل هو أيضا مشهور فلا جابر لضعف السند ولو سلّمنا لكبرى الإنجبار.

وثانياً: أنّها قاصرة الدلالة، لعدم إطلاق لها بحيث يشمل المقام، لوضوح أنّ المراد من نسيان الركوع التجاوز عنه والخروج عن المحلّ بمثابة لا يمكن‌ تداركه بوضع كلّ شي‌ء في موضعه، وإلّا فمجرّد النسيان كيف ما كان ولو آناً ما غير مستوجب للبطلان قطعاً، ولذا لو تذكّر عند الهُوي إلى السجود وقبل أن يسجد رجع وأتى به وصحّت صلاته بلا إشكال.

فالمراد منه ما إذا لم يمكن معه الرجوع والتدارك وذلك لا يوجد الى بعد الدخول في السجدة الثانية، للزوم زيادة الركن حينئذ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً، ولا ضير فيها، فلو تركه ولم يرجع استند الترك إلى العمد دون النسيان، فيخرج عن موضوع الرواية بطبيعة الحال.

وثالثاً: لو سلّمنا صحة سندها ودلالتها لكنّه معارض بإطلاق صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) واليك نصها: وَعَنْهُ -الحسين بن سعيد-عَنْ فَضَالَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ِإذَا نَسِيتَ شَيْئاً مِنَ الصَّلَاةِ رُكُوعاً أَوْ سُجُوداً أَوْ تَكْبِيراً ثُمَّ ذَكَرْتَ فَاصْنَعِ الَّذِي فَاتَكَ سَوَاءً" [2] سندها صحيح ودلالتها واضحة ففيها الامر بصناعة ما فات كما فات.

فدلّت على وجوب تدارك كل منسي ومن جملته الركوع، والإتيان به مساوياً لما فات، وبذلك تصحّ الصلاة. ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية أم بعده، فهي معارضة لرواية أبي بصير الدالّة على البطلان مطلقاً بالتباين، لكن هذه الصحيحة مخصّصة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على البطلان فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية، فهي محمولة بعد التخصيص على ما لو كان التذكّر قبل الدخول فيها.

وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الرواية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق، فيقيد بها إطلاق الرواية، ويسمى ذلك انقلاب النسبة، فتكون النتيجة اختصاص البطلان بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية.

ورابعاً: رواية ابي بصير التي دلت على وجوب الإعادة لمن نسي الركوع بإطلاقها مخصصة بمفهوم صحيحة أُخرى لأبي بصير واليك نصها: وَعَنْهُ -شيخ عن الحسين بن سعيد- عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا أَيْقَنَ الرَّجُلُ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ- وَقَدْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَرَكَ الرُّكُوعَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ"[3] . فانّ المراد بالركعة فيها هو الركوع الذي صرّح به فيما بعد، دون الركعة التامّة، وهي جملة شرطية مشروطة بشرطين فشرط فيها استئناف الصلاة بشرطين اليقين بترك الركوع وحصول السجدتين منه. والشرطية المعلقة على امرين او اكثر ينتفي جزاءه بفقدان احد الشروط كمن نذر فقال: لله علي إن رزقت زيارة الحسين عليه السلام ليلة الجمعة ان اتصدق بألف دينار، فاذا توفق للزيارة ولكن في غير ليلة الجمعة لا يجب عليه شيء لأنه انتفى في منذوره احد الشرطين. كذلك في الصحيحة المبحوث عنها اشترط وجوب الاستئناف بأمرين الايقان بنسيان الركوع واكماله السجدتين فمفهومها عدم وجوب الإستئناف وهو جزاء الشرط على من لم يدخل في السجدة الثانية بعد.

فلو لم يتيقّن بالترك بل بقي شاكاً صحّت صلاته بمقتضى هذا المفهوم، ودلالة أخبار قاعدة التجاوز المصرّحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد ما سجد، كما أنّه لو تيقّن ولكن لم يكن قد سجد السجدتين صحّت صلاته أيضاً، ولم يجب الاستئناف.

فالصحيحة باعتبار القيد الثاني المأخوذ في الجملة الشرطية تدلّ بالمفهوم على نفي الإعادة لو كان التذكّر واستيقان الترك قبل الدخول في السجدة الثانية، وبذلك يقيّد إطلاق الرواية ابي بصير الدالّة على البطلان بنسيان الركوع، وتحمل على ما إذا كان التذكّر بعد الدخول في الثانية.

فخلاصة الكلام ان رواية ابي بصير الدالة على وجوب استئناف الصلاة بمجرد نسيان الركوع ساقطة سندا ومخصصة بمن دخل في السجدة الثانية دلالة.

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار واليك نصها: وَعَنْهُ – الحسين بن سعيد- عَنْ صَفْوَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ ع "عَنِ الرَّجُلِ يَنْسَى أَنْ يَرْكَعَ- قَالَ يَسْتَقْبِلُ حَتَّى يَضَعَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ".

فان قيل ان الاستقبال فيها على الركوع الفائت فيفيد عدم بطلان الصلة حلافا لمن راد ان يستدل بها على بطلان الصلاة لمن دخل في السجدة الأولى. واما ان قيل الاستقبال هو ترك الصلاة التي بين يديه واستئنافها من أولها كما هو الحق فالذيل أعني قوله: «حتّى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» الذي هو بمنزلة التعليل موجب لتضييق الحكم واختصاصه بما إذا لم يمكن وضع كلّ شي‌ء موضعه إلّا بالاستئناف، وهو ما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة‌ الثانية، إذ لو كان قبله فهو متمكّن من وضع كلّ شي‌ء موضعه من غير استئناف بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ زيادة السجدة الواحدة ليست بقادحة.

فاحتفاف الكلام بهذا الذيل الذي هو بمثابة العلّة الموجبة لتقييد الحكم بموردها مانع عن انعقاد الإطلاق بحيث يشمل المقام كما هو ظاهر.

والمتحصّل من بحثنا الموافقة للمصنف في ذهابه الى صحة صلاة من تذكر عدم إتيان الركوع قبل الدخول في السجدة الثانية والحمد لله.ولكن الاحتياط امر مرغوب فيه ويحصل كماله بمعالجة الأولى وإعادة الصلاة ثانية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo