< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/10/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /فيمن زاد ركعة الى صلاته

كان بحثنا في قول المصنف: (مسألة 11): إذا زاد ركعة أو ركوعاً أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً بطلت الصلاة، نعم يستثني من ذلك زيادة الركوع‌ أو السجدتين في الجماعة، وأمّا إذا زاد ما عدا هذه من الأجزاء غير الأركان كسجدة واحدة أو تشهّد أو نحو ذلك ممّا ليس بركن فلا تبطل، بل عليه سجدتا السهو وأمّا زيادة القيام الركنيّ فلا تتحقّق إلّا بزيادة الركوع أو بزيادة تكبيرة الإحرام، كما أنّه لا تتصوّر زيادة النيّة، بناءً على أنّها الداعي، بل على القول بالإخطار لا تضرّ زيادتها).

كان بحثنا فيمن زاد ركعة في صلاته وانتهينا بمقتضى الجمع بين الروايات ان نقول: من قام الى الخامسة من الركعة الرابعة بعد سجدة الثانية مباشرة فصلاته باطلة عملاً بصحيحة ابني اعين وموثقة ابي بصير ورواية زيد الشحام. ومن جلس بمقدار التشهد سواء تشهد او لم يتشهد ثم قام الى الخامسة فصلاته صحيحة مستندا الى صحيحتي زرارة وجميل وهكذا مصححة محمد بن مسلم وصحيحته واليوم نريد ان نرى هل هناك روايات تنقض ما قلناه او لا؟

نعم هناك روايات وردت في صلاة المسافر:

منها: صحيحة عيص بن قاسم: رواها مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ‌ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى- وَهُوَ مُسَافِرٌ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ- قَالَ إِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ فَلْيُعِدْ- وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ مَضَى فَلَا".[1]

سندها صحيح والأمر بالإعادة في الوقت دال على عدم صحة الصلاة.

ومنها: ما رواه الكليني: عن محمد بن يحيى- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سُوَيْدٍ الْقَلَّاءِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع) قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَنْسَى- فَيُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ- قَالَ إِنْ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلْيُعِدْ- وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ.[2]

في سندها علي بن نعمان قال فيه النجاشي: (الاعلم النخعي أبو الحسن مولاهم كوفي روى عن الرضا عليه السلام وأخوه داوود أعلى منه وابنه الحسن بن علي وابنه احمد رويا الحديث وكان علي ثقةً وجهاً ثبتاً صحيحاً واضحَ الطريقة) وفي السند أيضاً: سويد القلّاء وثقه النجاشي، وفي السند ايضاً أبو أيوب قال فيه النجاشي (الخزاز وقيل إبراهيم بن عثمان روى عن ابي عبد الله وابي الحسن عليهما السلام ثقة كبير المنزلة) وفي السند ايضاً أبو بصير وهو هنا الليث بن البختري المرادي: روى في شأنه الكشي بسنده عن جميل بن دراج (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي و أبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست) فالسند صحيح لا غبار عليه، اما الدلالة فالأمر بالإعادة في يومه دال على بطلان الصلاة.

ومنها: صحيحة عبيد الله الحلبي: وَبِإِسْنَادِهِ -الشيخ- عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع صَلَّيْتُ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ- وَأَنَا فِي سَفَرٍ قَالَ أَعِدْ".[3]

في سنده حماد بن عثمان لقبه ناب وهو من أصحاب ابي عبد الله قال فيه الكشي: (ثقة جليل القدر) وفيه عبيد الله بن علي الحلبي قال فيه النجاشي: (عبيد الله بن علي بن ابي شعبة الحلبي مولى بني تيم الله بن ثعلبة أبوعلي كوفي كان يتجر هو وابوه واخوته الى حلب فغلب عليهم النسبة الى حلب، وآل ابي شعبة بالكوفة بيت مذكور من اصحابنا وروى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين عليهما السلام كانوا جميعهم ثقات مرجوعا الى ما يقولون، وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم وصنف الكتاب المنسوب اليه وعرضه على أبي عبد الله عليه السلام وصححه قال عند قراءته أيُرى لهؤلاء مثل هذا). فالسند صحيح لا اشكال فيه. وتدل على بطلان صلاة مسافر زاد في صلاته وصلى أربع ركعات وأمر الامام إيّاه بالإعادة دال على عدم صحة صلاته.

فعندنا ثلاث روايات صحاح تأمر من اتمّ الصلاة في السفر بالإعادة، والظاهر اتمامهم للصلاة كان سهوا ونسيانا لا جهلا ففي الثانية تصريح بالنسيان وفي الأخريين جلالة السائل عند الامام يدل على انه كان يعرف حكم المسافر في السفر ولأنّه لو كان جاهلاً يجزيه التمام. فان المسألتين يكون الجاهل بهما معذور، لما ورد فيهما من نصوص وعليه فتوى القوم.

ثم لا يخفي الروايات الصحاح وغيرها التي دلت على صحة الصلاة إذا جلس بعد الرابعة كانت في الرباعيات وصحيحتين مما ذكرناه سابقاً دلتا على بطلان الصلاة بمطلق الزيادة ولم يذكر فيها الرباعيات وانما مضمرة زيد الشحام كانت في صلاة العصر. وما ورد في صلاة المسافر أيضا كان في الرباعيات لأنها موضوع للقصر والتمام، ومع الغاء الخصوصية عن صلاة المسافر والغاء خصوصية عن الرباعيات وشمول الحكم للثنائيات والثلاثية أيضا، يحصل التعارض بين الطائفة التي أفادت صحة صلاة من زاد ركعة بعد الجلوس وهذه الروايات الدلة على بطلان صلاة من كان عليه القصر فأتى بالتمام وزاد على الواجب ركعتين، ولم يبق وجه للجمع فيقدّم المانعة لأنها مخالفة للعامة وتحمل تلك الروايات الدالة على صحة صلاة من زاد ركعة بعد الجلوس في الركعة الرابعة على التقية.

قال السيد الخوئي: (لكن الظاهر أنّ الجمع الذي ذكرناه لا يمكن المصير إليه، لابتلاء المقيّد أعني الطائفة الثانية في نفسه بالمعارض، وذلك لأنّ مورد هذه الروايات وإن كانت صلاة الظهر أربعاً وزيادة الخامسة سهواً، إلّا أنّا لا نحتمل اختصاص الحكم بالظهر تماماً، بل يجري في القصر أيضاً فيما إذا زاد ركعة أو ركعتين سهواً للقطع بعدم الفرق بين التمام والقصر من هذه الجهة، وأنّ المستفاد من النصّ أنّ الموضوع للحكم هو صلاة الظهر كيف ما تحقّقت، سواء صدرت من الحاضر أو المسافر. نعم، يتطرّق احتمال الاختصاص بالظهر وما يشاكلها من الرباعيات كالعصر والعشاء، وعدم انسحاب الحكم إلى الثنائية بالأصل والثلاثية كالمغرب والفجر فيحكم بالبطلان إذا زيدت فيهما ركعة ولو سهواً، لقصور النصّ عن الشمول لهما بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من إطلاق الطائفة الأُولى كما قيل بذلك، إلّا أنّه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالظهر تماماً، لعدم قصور النصّ عن الشمول له وللقصر، مضافاً إلى القطع بعدم الفرق كما عرفت).[4]

ويلاحظ في كلامه من الغاء الخصوصية عن الرباعيات، بان خصوصيتها في أنّها اقصى ما يوجد في الصلاة من الركعة، فمن أكمل الرابعة اتم الصلاة على كل حال، ولكن في غير الرباعي يحتمل استمرار النية في الصلاة الصحيحة في الثلاثية والرباعية فلعل الشارع بملاحظة هذه الخصوصية اعتبر ما ورائها خارجا عن الصلاة هذا اولاً.

وثانياً الغاء الخصوصية عن صلاة القصر أيضا لا وجه لها. لان ما يستفاد من الأحاديث الاهتمام بالقصر في صلاة المسافر فلعل عدم كفاية التمام عمن سهى لأهمية القصر في السفر مما لا توجد فيمن زاد الخامسة في صلاته الرباعية واليك بعض تلك النصوص:

منها: ما رواه الكليني بقوله: عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا «أصحابه في المصدر» عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "سَمِعْتُهُ‌ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَصَدَّقَ عَلَى مَرْضَى أُمَّتِي- وَمُسَافِرِيهَا بِالتَّقْصِيرِ وَالْإِفْطَارِ- أَ يَسُرُّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ". [5]

ومنها: ما رواه الكليني بسند موثق عن ابي عبد الله عليه السلام: الى ان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ- تَصَدَّقَ عَلَى مَرْضَى أُمَّتِي وَمُسَافِرِيهَا- بِالْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ- أَ يُعْجِبُ أَحَدَكُمْ لَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ. [6]

وَمنها: ما رواه الكليني عَنْ عدة من اصحابه عَنْ أَحْمَدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:‌ "خِيَارُ أُمَّتِي الَّذِينَ إِذَا سَافَرُوا أَفْطَرُوا وَقَصَرُوا" الحديث) [7]

وَمنها: ما رواه الصدوق فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَهْدَى إِلَيَّ وَ إِلَى أُمَّتِي هَدِيَّةً- لَمْ يُهْدِهَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَنَا- قَالُوا وَ مَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- قَالَ الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ وَ التَّقْصِيرُ فِي الصَّلَاةِ- فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَدِيَّتَهُ"[8] .

فهذه الأحاديث وغيرها تفيد اهتماماً بليغاً من الشارع المقدس على قصر الصلاة في السفر، فلعل هذه الخصوصية كانت سبباً لعدم الاكتفاء بصلاة الرباعية عن مسافر سهى وأتى بالرباعية في سفره. وقياس الخامسة بعد الركعة الرابعة بصلاة المسافر إذا زاد على الركعتين فيها، من القياس مع الفارق.

ولذلك لم نيقن بالمعارضة كي نرفع اليد عن الصحاح التي دلت على صحة صلاة من زاد على الرباعية ركعة سهواً بعد ما جلس في الرابعة بمقدار التشهد، سواء تشهد او لم يتشهد.

فلا نفتي ببطلان الصلاة ولكن رعاية لقول المشهور وإطلاق الروايات الصحيحة الدالة على بطلان الصلاة بالزيادة فيها نحتاط احتياطاً وجوبياً بعدم الاكتفاء بصلاة ضم المصلي بها ركعة سهوا ثم تبين له انها كانت الخامسة. والله اعلم بالصواب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo