< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /حكم الزيادات العمدية

(مسألة 4): لا فرق في البطلان بالزيادة العمديّة بين أن يكون ابتداء النيّة أو في الأثناء ولا بين الفعل والقول، ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها ولا بين قصد الوجوب بها والندب، نعم لا بأس بما يأتي به من القراءة و الذكر في الأثناء لا بعنوان أنّه منها ما لم يحصل به المحو للصورة، وكذا لا بأس بإتيان غير المبطلات من الأفعال الخارجيّة المباحة كحكّ الجسد ونحوه إذا لم يكن ماحياً‌ للصورة.

قد مررنا مرورا عابرا في اليوم الماضي على بعض التعليقات الواردة على هذه المسألة واليوم نريد ان نناقش المسألة من خلال ادلتها فنقول:

المقطع الأول من المسألة قوله: (لا فرق في البطلان بالزيادة العمديّة بين أن يكون ابتداء النيّة أو في الأثناء ولا بين الفعل والقول، ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها ولا بين قصد الوجوب بها والندب

من الواضح ان عمدية الزيادة متوقفة على النية وهي قد تكون من اول الصلاة وقد تأتي في الأثناء وقد فرغنا ان الزيادة العمدية بلا عذر مبطل للصلاة فالذي يبادر الى صلاة مشتملة على الزائد، بادر الى صلاة باطلة، ومن ينوي في الأثناء بإتيان شيء زائد، بادر الى ابطال صلاته. لأنّه يعود الى صلاة باطلة، والزيادة قد تتحقق في زيادة الفعل كمن نوى ان يقنت في جميع الركعات وقد تكون بالقول كمن نوى ان يجعل قراءته في الركعتين الأولى او الثانية بقراءة فاتحتين وقد تكون بكلاهما كمن ينوي ان يتشهد في الركعة الأولى او الثالثة ايضاً. الى هنا ليس مشكل ظاهر

اما قوله: (ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها) خلاف ظهر من التعليقات التي مررنا عليها فمنهم من خصص المشكل اذا كان الزائد مسانخاً لأجزاء الصلاة ومنهم من عمم المشكل بالمسانخ والمخالف او بتعبير آخر: هل‌ يعتبر في الزائد أن يكون من جنس المزيد عليه ومسانخاً للأجزاء الصلاتية حتى تصدق الزيادة، أو تصدق الزيادة حتّى بما يخالف الأجزاء و يباينها إذا أتى بالزائد بعنوان أنّه من الصلاة؟.

استدلّوا لاعتبار المسانخة لصدق مفهوم الزيادة بان الزیادة متقوّم بالموافقة والاتّحاد في الجنس بين الزائد و المزيد عليه، فلو أمر المولى بطبخ طعام، أو تركيب معجون أو بناء عمارة، أو صنع سرير ونحو ذلك من المركّبات المؤلّفة من عدّة أجزاء فلا تتحقّق الزيادة على المأمور به إلّا إذا زاد عليه ممّا يسانخ أجزاءه و يوافقها في الجنس، كما لو أمره ببناء عمارة ذات أربع غرف فبنى خمساً، أو صنع سرير طوله متران فزاد عليه بنصف متر مثلًا، أو طبخ طعام خال عن الملح فأدخله فيه، و هكذا.

و أمّا لو زاد فيه من غير الجنس كما لو قرأ سورة من القرآن حين البناء و لو بقصد كونها منه فانّ ذلك لا يعدّ زيادة في المأمور به، لمباينتها مع أجزائه وعدم كون السورة من جنسها. وعليه فلا يعدّ شي‌ء زيادة في الصلاة إلّا إذا كان الزائد من جنس الأجزاء الصلاتية، دون المخالف لها وإن جي‌ء به بقصد كونه من الصلاة.

و اشکل السید الخوئی على هذا الدليل بقوله: (إنّه خلط بين المركّبات الخارجية والمركّبات الاعتبارية فإنّ المركّب الخارجي أمر تكويني مؤلّف من أجزاء محسوسة خارجية غير منوطة بالاعتبار والقصد، فلا يتّصف شي‌ء بعنوان الزيادة بمجرّد قصد كونه منه ما لم يكن من جنس المزيد عليه. وهذا بخلاف المركّب الاعتباري، فانّ الوحدة الملحوظة بين أجزائه متقوّمة بالاعتبار والقصد، كيف و ربما تكون الأجزاء غير مرتبطة بعضها ببعض وأجنبية بعضها عن الآخر لكونه مؤلّفاً من ماهيات متشتّتة ومقولات متباينة كالصلاة فالحافظ للوحدة والمحقّق للتركيب ليس إلّا الاعتبار والقصد. وعليه فقصد كون شي‌ء منه سواء أ كان من جنس الأجزاء أم لا يوجب جزئيته للمأمور به، فيكون زيادة فيه بطبيعة الحال. فلا يناط الصدق بالاتّحاد في السنخ في باب الاعتباريات التي يدور التركيب مدارها، و لا واقع له وراءها بل مجرّد الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية و بعنوان كونه ممّا يتألف منه المركّب كافٍ في صدق الزيادة و إن كان ممّا يخالفه في الجنس). [1]

ثم اکد کلامه بما ورد في حسنة علی بن جعفر فی باب التكفير في الصلاة من النهي عنه معلّلًا "بأنّه عمل ولا عمل في الصلاة") [2] بقوله: (إذ ليس المراد من العمل المنفي في الصلاة مطلق العمل و إن لم يقصد به الجزئية، ضرورة جواز ذلك ما لم يكن ماحياً للصورة كحكّ رأسه أو جسده، أو رفع رجله أو تحريك يده و نحو ذلك، بل المراد كما أشرنا إليه عند التعرّض للرواية في باب التكفير العمل المقصود به الجزئية و المأتي به بعنوان كونه من الصلاة، مثل التكفير على ما يصنعه العامّة.فتطبيق الإمام (عليه السلام) هذا العنوان على التكفير غير المسانخ للأجزاء الصلاتية كاشف عمّا ذكرناه من صدق الزيادة على ما قصد به الجزئية، و إن لم يكن الزائد من جنس المزيد عليه).[3]

اقول: لا فرق بین المرکبات الخارجیة والاعتباریة من هذه الحهة فاضافة شیئ الی الماموربه سواء کان مسانخا او لم یکن مسانخا فهو ینافی الامتثال فاذا امر صاحب ارض مقاولا لیبنی له بیت سکن فزاد فی البناء حانوتا وهو غیر مسانخ لبیت السکن، فخالف القرار ولم یلتزم بما امره صاحب الارض الا اذا کان عنده اذن فحوی، بل زیادة غیر المسانخ اشد خلافا لطلب صاحب الارض مما اذا زاد غرفة خامسة فی المثال. وما اتیتم من المثال بضم قراءة صورة الى البناء مغالطة في الكلام لان الاجير اجر عمله اليدي للمستاجر ولكن مايجري على لسانه لم يكن من اطراف المعاملة نعم لو اجره على ان يبني بناء وفي حين العمل ان يكون على وضوء او مشتغل بقراة القرآن والذكر فكان لسانه أيضا تحت اجارة المستاجر ففي ظرف عمل لو كان غير مشغل بقراءة القران فقد لم يؤد ما عليه للمستاجر اليه.

ثم مقالة السید: (ولا بين قصد الوجوب بها والندب) اتضح امره بما انه سواء نوی الوجوب او الاستحباب یمکن فرض زیادته لان الصلاة مرکب من الاجزاء الواجبة والاجزاء المستحبة قولا وفعلا نعم بما انه ورد روایات فی ترخیص بل التحریض علی الدعاء ومناجات الله فی اثناء الصلاة وهی جزء من الصلاة فالاذکار المستحبة علی قسمین منها ما هو وارد لموارد معینة ومنها ما یآتی به من باب مطلق الذکر فیصبح من الصلاة وسوف نشیر الی بعضها عند البحث عن مقطع الثانی من هذه المسألة.

لکن السید الخوئی رضوان الله علیه بما له رای خاص فی اجزاء الصلاة نذکر نص کلامه:

قال: (هذا مبني على تصوير الجزء المستحب كي يمكن الإتيان به بقصد الجزئية المحقّق لعنوان الزيادة. و قد أشرنا غير مرّة إلى عدم معقولية ذلك للمنافاة الظاهرة بين الجزئية و الاستحباب، فانّ مقتضى الأوّل الدخل في الماهية وتقوّمها به، ومقتضى الثاني عدم الدخل وجواز الترك. وهذا من غير فرق بين أن يراد به الجزء للطبيعة أو الجزء للفرد، إذ الفرد لا يزيد على الطبيعة بشي‌ء عدا إضافة الوجود إليه، ففرض كون شي‌ء جزءاً للفرد من الطبيعة دون الطبيعة نفسها غير معقول كما لا يخفى. فاستحباب الجزء مسامحة في التعبير، و المراد أنّه مستحبّ نفسيّ ظرفه الصلاة كالقنوت و الأذكار المستحبّة، وأنّ الصلاة المشتملة عليه تتضمّن مزيّة زائدة، وأنّها أفضل من العارية عنه.

وعليه فالإتيان بالقنوت الزائد ونحوه لا يستوجب البطلان من ناحية الزيادة لتقوّمها بقصد الجزئية المتعذّر في أمثال المقام كما عرفت. فغاية ما هناك أنّه تشريع محرّم، فإن أوجب ذلك السراية إلى نفس العمل أوجب البطلان بهذا العنوان لا بعنوان الزيادة، وإلّا فلا. و قد ذكرنا في محلّه أنّ الذكر المحرم من القنوت و نحوه بمجرّده لا يستوجب البطلان، فانّ المبطل إنّما هو كلام الآدمي، و الذكر المحرم لا يخرج عن كونه ذكراً وإن كان محرّماً، ولا يندرج في كلام الآدميين كي تبطل معه الصلاة من هذه الجهة) [4]

اقول کما قلنا مرارا: ان المرکبات سواء في عالم الخارج او في عالم الاعتبار لها أجزاء وشرائط هي مقومات لتحقق العنوان لمعنوناتها وهي الواجبات في عالم التكوين والتشريع، ولها أجزاء هي مقومات لكمال تلك العناوين في عالم التكوين التشريع او فقل في عالم الخارج والاعتبار وهي المستحبات. هذا اولاً.

وثانياً: ان وما ورد في جواز قراءة القران وذكر الله انما هي مستثنى من الكلام ما كانت منها بعنوان العبادة ومنصرف عما هو محرم، فالاتيان بها محرما في اثناء الصلاة مبطل لها قطعاً. وخصوصا بما ان الصلاة هي التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم كما اثبتناه في محله.

ونتابع بحثنا في مقطع الثاني من المسألة في جلسة القادمة ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo