< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /الخلل في غير الاركان

كان بحثنا في مقطع الأخير من مسألة الثالثة حيث قال السيد: (وإن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو نقصاً فالأحوط الإلحاق بالعمد في البطلان لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه).

وقلنا ان الرأي في هذه المسألة يعود الى قراءتنا لحديث لا تعاد من انه يشمل الجاهل أيضا او لا؟

وذكرنا مقالة النائيني حيث يرى ان هذا الحديث انما يشمل الناسي بحجة:

(أنّ الحديث ناظر إلى من هو مكلّف بالإعادة أو بعدمها، وليس هو إلّا الناسي الذي سقط عنه الخطاب الأوّل من جهة النسيان، وأمّا الجاهل فهو مكلّف بنفس الخطاب الأوّل ومأمور بامتثال ذاك التكليف، لعدم سقوط التكليف الواقعي عنه وإن كان معذوراً في ظرف الجهل وغير معاقب على الترك. فنفس التكليف الأوّلي باقٍ على حاله بالإضافة إلى الجاهل)

وقد رد عليه: (بأنّ التكليف الأوّلي و إن كان متوجّهاً نحو الجاهل في ظرفه، و كان مكلّفاً آن ذاك بامتثال ذاك الخطاب بحسب الواقع إلّا أنّه بعد ما تركه في المحلّ المقرّر له شرعاً و التفت إليه بعد تجاوز المحلّ كحال الركوع سقط ذاك التكليف وقتئذ لا محالة، و لم يكن مكلّفاً عندئذ إلّا بالإعادة أو بعدمها)

هذا الجواب كان من السيد الخوئي على استاذه فانه تسلم عدم توجه خطاب في وجوب ما نسي من صلاته الى الناسي واختصاصه بالامر الثاني بخلاف الجاهل فان التكليف الاولي متوجه اليه ثم بعد المخالفة و خروج عن مرحلة حكم الأوّلى يتوجه اليه حديث لاتعاد فهو حينئذ مخاطب اما تجب عليه الإعادة او لاتجب.

اما الامام الخميني رضوان الله عليه فقد اثبت عموم الخطاب الى الناسي والجاهل وغيرهما من المكلفين فقال: (تدل أيضا على الصحة مطلقا الا ما استثنى مع الغض عن سائر الأدلة ‌صحيحة زرارة المنقولة في الفقيه: "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ- الطَّهُورِ وَ الْوَقْتِ وَ الْقِبْلَةِ وَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ- ثُمَّ قَالَ ع: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ وَالتَّشَهُّدُ سُنَّةٌ- وَالتَّكْبِيرُ سُنَّةٌ وَلَا يَنْقُضُ السُّنَّةُ الْفَرِيضَةَ»[1]

قال في الوسائل: (الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ وَ بِالْفَرْضِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ مِنَ الْقُرْآنِ)[2]

ثم يتابع الامام قوله: (‌وقد رويت في غيره بلا ذكر ذيلها اى لا تنقض السنة إلخ و ما في الفقيه اجمع و احتمال الزيادة في الرواية سيما بمثل ذلك مقطوع البطلان. و الظاهر من قوله لا تعاد مع الغض عن الذيل هو الإرشاد الى عدم البطلان في غير الخمس كما يظهر بالرجوع الى العرف في مثل ذلك و الى أشباهه و نظائره في الاخبار، و بملاحظة ما في الذيل يكون كالصريح في ذلك فان التعليل بان عدم الإعادة لأجل عدم نقض السنةُ الفريضةَ كالنص في ان عدم الإعادة لعدم الإبطال فالحكم به للإرشاد إلى الصحة و احتمال كونه حكماً مولوياً في غاية السقوط).[3]

كما قال: (وقد ذكرنا في محله بطلان أساس الاشكال و الرد، فإنهما مبتنيان على انحلال الخطابات العامة كلٌ الى خطابات عديدة عدد المكلفين متوجهة إليهم باشخاصهم و لازمه تحقق مبادئ الخطاب في كل على حدة، فكما لا يمكن توجه خطاب خاص إلى الناسي لعدم حصول مباديه كذلك لا يمكن خطابه في ضمن الخطاب العام المنحل الى الخطابات لعدم حصول مباديه. إذ فيه - مضافا الى ان لازمه عدم تكليف العاجز والنائم والجاهل وغيرهم من ذوي الأعذار بل والعاصي المعلوم عدم رجوعه عنه، فإن مبادي توجيه الخطاب اليه بخصوصه مفقودة، لعدم إمكان الجد في بعث من لا ينبعث قطعاً و من المقطوع عدم التزامهم بذلك، - ان قياس الخطابات العامة بالخطاب الخاص مع الفارق، فإنه في الخطاب العام لا بد من حصول مباديه لا مبادي الخطاب الخاص. فاذا علم الآمر بأن الجماعة المتوجه إليهم الخطاب فيهم جمع كثير ينبعثون عن امره وينزجرون عن نهيه وان فيهم من يخضع لأحكامه ولو الى حين، صح منه الخطاب العام ولا يلاحظ فيه حال الأشخاص بخصوصهم الا ترى الخطيب يوجه خطابه الى الناس الحاضرين من غير تقييد ولا توجيه الى بعض دون بعض واحتمال كون بعضهم أصم لا يعتنى به بل العلم به لا يوجب تقييد الخطاب بل انحلال الخطاب أو الحكم حال صدوره بالنسبة إلى قاطبة المكلفين من الموجودين فعلا ومن سيوجد‌ في الأعصار اللاحقة مما يدفعه العقل ضرورة عدم إمكان خطاب المعدوم أو تعلق حكم به و الالتزام بانحلاله تدريجا وفي كل عصر حال وجود المكلفين لا يرجع الى محصل.

و الحق ان التشريع في الشرع الأطهر و في غيره من المجالس العرفية ليس الا جعل الحكم على العناوين و الموضوعات ليعمل به كل من اطلع عليه في الحاضر و الغابر.

فالقرآن الكريم نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أبلغه الى معدود من أهل زمانه وهو حجة قاطعة علينا وعلى كل مكلف اطلع عليه من غير ان يكون الخطاب منحلا الى خطابات كثيرة حتى يلزم مراعاة أحوال كل مكلف وهو واضح. فلا فرق بين العالم والجاهل والساهي وغيرهم بالنسبة إلى التكاليف الإلهية الأولية بعد تقييد المطلقات وتخصيص العمومات بما ورد في الكتاب والسنة كحديث الرفع ولا تعاد وغيرهما فالقول بسقوط الخطاب عن الساهي والناسي خلاف التحقيق فيسقط ما يترتب عليه مما ورد في كلام المحققين من المتأخرين.

هذا مضافاً الى ان العناوين المأخوذة في موضوع الخطابات والأحكام سواء كانت من قبيل العمومات كقوله ﴿يا ايها الذين آمنوا﴾ والطبائع والمطلقات كقوله ﴿من آمن﴾ ونحوه لا يعقل ان تكون حاكية عن الطواري العارضة على المكلفين من العلم والنسيان والقدرة والعجز وغيرها. ضرورة ان اللفظ الموضوع لمعنى لا يعقل ان يحكى عن غيره في مقام الدلالة إلا مع صارف و قرينة، فقوله مثلا "المؤمن يفي بنذره" لا يحكى الا عن الطبيعة دون لواحقها الخارجية أو العقلية وكذا الحال في قوله "يا أيها المؤمنون" فإن دلالته على الإفراد ليست الا بمعنى الدلالة على المصاديق الذاتية لطبيعة المؤمن اى الإفراد بما‌ هم مؤمنون لا على الأوصاف والطواري الأخر إذ لا تحكي الطبيعة إلا عمن هو مصداق ذاتي لعنوانها ولا تكون آلات التكثير كالجمع المحلى والكل إلا دالة على تكثير نفس العنوان ولا يعقل دلالتها على الخصوصيات الفردية فعموم الخطاب ليس في المثال إلا للمؤمنين.

فإذا ورد مثله في الكتاب العزيز يشمل كل مؤمن في كل عصر حال وجودهم و لكن ليس حجة عليهم الا بعد علمهم بالحكم فقبل تبليغ الرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يكن حجة على أحد الا على نفسه الكريمة و بعد التبليغ صار حجة على السامعين دون الغائبين وعند ما وصل إليهم صار حجة عليهم وبعد وجود المكلفين في الأعصار المتأخرة لم يكن حجة عليهم الأبعد علمهم به. فالجاهل والعالم والناسي والمتذكر والعاجز والقادر، كلهم سواء في ثبوت الحكم عليهم و شمول العنوان لهم واشتراك الأحكام بينهم وان افترقوا في تمامية الحجة عليهم فذووا الاعذار مشتركون مع غيرهم في شمول العنوان لهم وان اختلفوا عن غيرهم في ثبوت الحجة عليهم). [4]

فعلى ما قال و نعم ما قال، حديث لا تعاد دال على عدم بطلان صلاة من اخلّ بغير الأركان الا من اخلّ عالما متعمدا من دون عذر مقبول، فيبقى الناسي و الساهي والجاهل القاصر والمضطر والمكره تحت لا تعاد اذا اخل بغير الأركان. و سوف نذكر ادلة أخرى لهذه المسألة في محاضراتنا القادمة ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo