< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/07/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /حكم الاخلال بغير الاركان جهلاً

قال المصنف رضوان الله عليه: (مسألة 3): إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلًا بالحكم فإن كان بترك شرط ركني كالإخلال بالطهارة الحدثيّة أو بالقبلة بأن صلّى مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار أو بالوقت بأن صلّى قبل دخوله، أو بنقصان ركعة، أو ركوع أو غيرهما من الأجزاء الركنيّة، أو بزيادة ركن بطلت الصلاة، و إن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو نقصاً فالأحوط الإلحاق بالعمد في البطلان لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه).

في الأيام الماضية بعد ما ثبت ان الإخلال بأركان الصلاة الخمسة مبطل لها ولو كان عن جهل بالحكم او الموضوع و وصل بحثنا حول الإنحراف عن القبلة من الجاهل بالحكم اذا كان اقل من اليمين واليسار هل يوجب بطلان الصلاة أيضا او لا؟

ان المصنف ذهب الى عدم البطلان و جمع من الفقهاء ذهبوا الى البطلان وقد عرضنا عليكم روايات ورد في الموضوع.

وقبل بيان حصيلة البحث نشير الى نقطة: وهي ان التامل في قول الله تعالى: ﴿فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام﴾ يثير السؤال لماذا ان الله أعرض في الآيه عن القول: فولوا وجوهكم الى المسجد الحرام، بل استفاد من مفردة "شطر"؟ عند ما نراجع الى كتب اللغة نرى انها بمعني النصف واستعماله في سائر المعاني انما يكون لمناسبتها مع النصف، واليك كلمات بعض اهل اللغة في هذه المفردة:

ورد في معجم المعاني الجامع: الشَّطْرُ : نِصْفُ الشيءِ، جزء من الشَّيء، الشَّطْرُ : ناحية، جهة، قصد، شطر بيت الشِّعر: الصَّدر أو العَجُز

ورد في العين: شَطْرُ كل شي‌ء: قصده، و شَطْر كل شي‌ء نصفه، و شَطَرْته: جعلته نصفين.

وجاء في الحيط: شَطْرُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ: نِصْفُه. و في المَثَل: «احْلُبْ حَلَباً لكَ شَطْرُه». و حَلَبَ الدَّهْرَ أشْطُرَه: أي نِصْفَه

وقال في الصحاح: و قصدْتُ شَطْرَهُ، أى نحوه.

قد يخطر بالبال: كأنّ الله تعالى أراد ان يبيّن انّ الشيئ الذي تتوقف عليه صحة الصلاة على كل حال، هو الاتجاه الى جانب الكعبة الذي متوجه الى المصلي، وقد ورد هذا المعنى في رواياتنا بعنوان "مابين المشرق والمغرب" نسبتاً الى المصلي، ولكن سائر الروايات التي وردت في القبلة تحصر القبلة في الكعبة لمن حضر مسجد الحرام والمسجد لمن حضر المكة المكرمة و المكة لمن حضر الحرم والحرم لمن هو خارج الحرم، فمن يستطيع ويسهل عليه الكشف عن هذه الأمور فيجب عليه رعايتها ومن لا يستطيع او يكون حرجي عليه، فيكفيه ان تكون صلاته متجهة الى مسجد الحرام بسعة يشمل ما بين اليمين واليسار.

ان صاحب الوسائل جعل باب الثالث من أبواب القبلة بعنوان: "بَابُ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ وَ الْمَسْجِدَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْحَرَمِ وَ الْحَرَمَ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَ اتِّسَاعِ جِهَةِ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ" ثم ذكر فيها اربع روايات بهذا المعنى وذكر مقالة محقق الثاني كركي [1] .

بقوله: ‌(قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ هُنَا وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُحَاذَاةِ مَعَ الْبُعْدِ مُتَّسِعَةٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ وَمَا دَلَّ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ ‌الْحَرَامِ مِنَ الْآيَةِ وَ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِشَارَةٌ إِلَى اتِّسَاعِ جِهَةِ الْمُحَاذَاةِ وَ تَسْهِيلِ الْأَمْرِ وَ دَفْعِ الْوَسْوَاسِ وَ يُؤَيِّدُهُ الِاكْتِفَاءُ شَرْعاً لِأَهْلِ إِقْلِيمٍ عَظِيمٍ بِعَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ).[2]

فهناك روايات تدعوا الى الالتزام بالقبلة وقد ذكرناها في الأيام الماضية وانما نذكر منها ما يتعلق ببحثنا:

منها: صحيحة زرارة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع "أَنَّهُ قَالَ لَهُ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِكَ- وَلَا تَقَلَّبْ بِوَجْهِكَ عَنِ الْقِبْلَةِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُكَ-الحديث

ومنها: مرسلة أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنْ تَكَلَّمْتَ أَوْ صَرَفْتَ وَجْهَكَ عَنِ الْقِبْلَةِ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ". فالامر بالاعادة ظاهر في بطلان الصلاة.

ومنها: رواية عَمْرِو بْنِ يَحْيَى قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- ثُمَّ تَبَيَّنَتِ الْقِبْلَةُ وَ قَدْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى- قَالَ يُعِيدُهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا"

يمكن المراد من دخول وقت صلاة أخرى دخول وقت الفريضة فلا تنافي مع ما يفصل بين داخل الوقت وخرجه في الإعادة.

منها حديث لا تعاد في شطر المستثنى فعَنْ زُرَارَةَ قَالَ: "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ- الطَّهُورِ وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ" وجعلت الاخلال بالقبلة مما يوجب الإعادة فالروايات التي تنطق بان القبلة هي ما بين المشرق والمغرب مفسر للقبلة في هذا الحديث.

ومنها: صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا صَلَّيْتَ وَ أَنْتَ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- وَ اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّكَ صَلَّيْتَ وَ أَنْتَ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- وَ أَنْتَ فِي وَقْتٍ فَأَعِدْ وَ إِنْ فَاتَكَ الْوَقْتُ فَلَا تُعِدْ" ظاهر الامر ان من صلى الى غير القبلة كان يزعم انه يصلي الى القبلة و الانحراف كان اقل من اليمين واليسار فلا تنافي بينها وبين غيرها من الروايات.

مضمرة الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيد:ِ قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ تَبَيَّنَ لَهُ وَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ- أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ يَسْتَقْبِلُهَا إِذَا أُثْبِتَ ذَلِكَ- وَ إِنْ كَانَ فَرَغَ مِنْهَا فَلَا يُعِيدُهَا" مفروضها عادة اذا كان الانحراف عن القبلة اقل من اليمين واليسار.

-- صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَنَّهُ سَأَلَ الصَّادِقَ ع عَنِ الرَّجُلِ يَقُومُ فِي الصَّلَاةِ- ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ مَا فَرَغَ- فَيَرَى أَنَّهُ قَدِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ يَمِيناً أَوْ شِمَالًا فَقَالَ لَهُ قَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَمَابَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ" الجمع بينها حيث تحكم بمضي الصلاة، وما يأمر بالاعادة في الوقت وعدم الإعادة في خارج الوقت من موارد اجتماع الامر بالفعل وترخيص الترك، فيحمل الأمر فيه على الندب.

موثقة عَمَّارٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: فِي رَجُلٍ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- فَيَعْلَمُ وَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ- قَالَ إِنْ كَانَ مُتَوَجِّهاً فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ- فَلْيُحَوِّلْ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ- وَ إِنْ كَانَ مُتَوَجِّهاً إِلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ فَلْيَقْطَعِ الصَّلَاةَ- ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ" هذه الموثقة جامعة لمحتملات الانحراف، فالانحراف الزائد عن اليمين واليسار مبطل للصلاة وما دونه لا يضر بغير المتعمد و المعذور.

-- صحيحة يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: "سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي يَوْمِ سَحَابٍ- عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَ هُوَ فِي وَقْتٍ- أَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- وَ إِنْ كَانَ قَدْ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ بِجُهْدِهِ أَ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ- فَقَالَ يُعِيدُ مَا كَانَ فِي وَقْتٍ- فَإِذَا ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ". قد تبين التعامل معها بما بيناه لغيرها.

صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍع قَالَ: إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَبَانَ لَكَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ أَنَّكَ صَلَّيْتَ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَأَعِدْ صَلَاتَكَ" أي قبل طلوع الشمس في صلاة الفجر.

رواية مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى عَبْدٍ صَالِحٍ "الرَّجُلُ يُصَلِّي فِي يَوْمِ غَيْمٍ- فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَ لَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ- فَيُصَلِّي حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ بَدَتْ لَهُ الشَّمْسُ- فَإِذَا هُوَ قَدْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ-أَ يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ أَمْ يُعِيدُهَا؟- فَكَتَبَ يُعِيدُهَا مَا لَمْ يَفُتْهُ الْوَقْتُ- أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ" هذه الرواية ضعيفة السند لان محمد بن حُصَين لم يرد له توثيق بل ورد عليه بعض القدح، مضافا الى اضمارها حيث لم يبين فيها من العبد الصالح؟ وهو ليس ممن لا يروي الا عن الامام المعصوم عليه السلام فالرواية ساقطة عن الاعتبار.

-- صحيحة سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّجُلُ يَكُونُ فِي قَفْرٍ مِنَ الْأَرْضِ- فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَيُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ- ثُمَّ تُصْحِي فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ كَيْفَ يَصْنَعُ- قَالَ إِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ- وَ إِنْ كَانَ مَضَى الْوَقْتُ فَحَسْبُهُ اجْتِهَادُهُ" فالظاهر انه بمقدل الميسور اجتهد لمعرفة القبلة ولكنه اخطأ ففي الوقت امر الامام بالإعادة وفي خارج الوقت يكتفي بما اداه ن الصلاة وظاهر الامر انه لم يكن خارجا عن اليمين واليسار بالنسبة الى القبلة.

-- صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: "فِي الْأَعْمَى يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَ هُوَ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ- قَالَ يُعِيدُ وَ لَا يُعِيدُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ تَحَرَّوْا". تفريع عدم وجوب الإعادة على التحري دليل على عدم وجوب الإعادة لكل من تحرى عن القبلة واخطأ.

خبر صدوق: بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْأَعْمَى إِذَا صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ فَلْيُعِدْ- وَ إِنْ كَانَ قَدْ مَضَى الْوَقْتُ فَلَا يُعِيدُ" ان الصدوق لم يذكر سنده الى ابي بصير فالسند ضعيف ولكن يجب حمل الرواية الى من لم يتجاوز عن اليمين واليسار.

فاجمال الكلام ان من تحرى عن القبلة او تيقن بها وصلى منحرفا دون اليمين واليسار فليس عليه شيء ومن صلى من دون تحقيق فخالف القبلة دون اليمين واليسار عليه الإعادة في الوقت احتياطا استحبابيا ولكن كل ذلك عند الجهل بالموضوع ولكن الجهل في الحكم فسوف يتضح من مباحثنا في ذيل المسألة و يتوقف الحكم على رؤيتنا في حديث لاتعاد فنطرحه غدا ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo