< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /حكم الزيادة في الصلاة

كان بحثنا في اليوم الماضي في: (مسألة 2): الخلل العمديّ موجب لبطلان الصلاة بأقسامه من الزيادة، والنقيصة حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار ‌أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية، أو بين بعض الأفعال مع بعض، وكذا إذا فاتت الموالاة سهواً أو اضطراراً لسعال أو غيره ولم يتدارك بالتكرار متعمداً).

وصل بحثنا في اليوم الماضي الى الإستدلال على مبطلية الزيادة غير الركنية، وقلنا:

من الأدلة كون الصلاة عبادة توقيفية حددها الشارع من بدوها الى ختمها فجعل تكبيرة الاحرام تحريمها والسلام تحليلها فهي مشروع رتبها الشارع بشروطها وموانعها واجزاءها في كل ركعة فاعتبرها وظيفة وفريضة على كل مسلم في المواعيد الخمسة فالتصرف فيها بزيادة او نقيصة لا يجوز الا باذن المعتبر وهو الشارع المقد

أن السيد الخوئي رضوان الله عليه بعد ذكر هذا الدليل ببيان منه قال: (فيه: أنّ هذه مصادرة واضحة، إذ لم يثبت أنّ الكيفية المزبورة مقيّدة بعدم الزيادة، بحيث يكون الجزء ملحوظاً بنحو بشرط لا بالنسبة إلى الزائد عليه. و مع الشكّ فهو مدفوع بالأصل، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر الارتباطيين).[1]

أقول: ان معنى توقيفية العبادة انها موقوفة على ما رسمه الشارع المقدس كالصوم والحج و غيرهما من العبادات التي شخصت الشلرع كيفيتها فهي من العبادات التوقيفية.

نعم هناك عبادات مطلقة ندب اليها الشارع المقدس، نطق بها الكتاب والسنة بأوامر عامة بعبادة الله كقوله تعالى: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم"﴾[2] وقوله: ﴿و اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"﴾ وقوله: ﴿ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ [3] فليس هنا محل الشك بين الأقل والأكثر فالتوقيف بمعني المجموعة الموقوف عليها كما علّمنا الشارع من دون زيادة ونقيصة الا باذنه فهي "بشرط لا" وليست "لابشرط" حتى تجتمع معها الف شرط.

نعم هناك روايات سوف نشير اليها قد ترك لنا قراءة القرأن والدعاء والذكر في اثناء الصلاة اذا لم تختل بهيئة الصلاتية ولو لاها لتعبدنا بما ورد عن رسول الله في جميع اعمالها واذكارها التي اختارها النبي في صلاته وقال: "صلوا كما رأيتموني اُصلّي". هذا الحديث سنده عامي قد روي في جل صحاحهم ومسانيدهم، وقد تمسك به فقهائنا الكبار جميعاً من الصدر الأول الى المعاصرين ولعل السر في ذلك ان مضمونه مما قياساتها معها.

أشار سماحته بدليل آخر على الزيادة في الصلاة ايضاً بقوله: (و أُخرى: بأنّه تشريع محرّم فيبطل).

ثم أجاب عنه بقوله: (و فيه: أنّ التشريع و إن كان محرّماً و منطبقاً على نفس الجزء الذي شرع فيه، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى بقيّة الأجزاء كي تستوجب فساد العمل). [4]

أقول: هذا الجواب انما ينسجم مع مبنى سماحته في الصلاة من انّها مجموعة أفعال واذكار والفواصل بينها خارج عن الصلاة. وثانياً: ان اطلاق ادلة التي تدل على جواز قراءة القران او الذكر في اثناء الصلاة تشملها ولو صدرت بوجه محرّم غير عبادي. ونحن لا نرضى بهذا المبنى بل نقول بان الصلاة واحدة مستمرة من التكبير الى التسليم كما اننا نقول: بان ما ورد من جواز قراءة القرآن والذكر في الصلاة انما تختص باتيانها بعنوان العبادة لا المعصية، وقد تحدثنا في هذين الامرين في مبحث صلاة الجماعة بالتفصيل.

نعم انه رضوان الله عليه ذكر صورة من الزيادة يوجب بطلان الصلاة وهو ما اذا قصد المصلي من الأوّل الأمر الزائد بنحو التقييد تشريعاً، وعلل البطلان بانه: (ما قصده من الأمر لا واقع له، و ما هو الواقع غير مقصود حسب الفرض).

واعتبر: (هذا الفرض خارجاً عن محلّ الكلام المتمحّض في البطلان من ناحية الزيادة من حيث هي زيادة، لا بعنوان آخر ممّا قد يكون و قد لا يكون).[5]

ثم هو رضوان الله عليه ذكر وجهاً آخر لاثبات عدم جواز الزيادة غير الركنية في الصلاة فقال:

(و ثالثة: بأنّ مقتضى القاعدة هو الاشتغال لدى الشكّ في قادحية شي‌ء في صحّة العبادة). ثم أجاب بقوله: (و فيه: أنّ المرجع هو أصالة البراءة في أمثال المقام).[6]

ولكن نحن قلنا المسألة ليست صغرى للشك بين الأقل والأكثر فان توقيفية الصلاة توجب عدم جواز زيادة شيء الا باذن من المولى تعالى فهي: "بشرط لا"، وليست "لا بشرط" وهذا معنى توقيفية الصلاة.

ومن الأدلة على عدم جواز الزيادة غير الركنية التمسك بروايات:

منها: صحيحة علي بن جعفر واليك نصها: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْرَأُ فِي الْفَرِيضَةِ سُورَةَ النَّجْمِ- أَيَرْكَعُ بِهَا أَوْ يَسْجُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ بِغَيْرِهَا؟ قَالَ: يَسْجُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ- وَيَرْكَعُ (وَذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْفَرِيضَةِ) وَلَا يَعُودُ يَقْرَأُ فِي الْفَرِيضَةِ بِسَجْدَةٍ. "وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ"[7]

سندها صحيح فإنّ صاحب الوسائل رواها عن طريقين عن عبد الله بن جعفر الحميري و عن كتاب علي بن جعفر الصادق عليه السلام والطريق الأول حسنة لوساطة عبد الله بن حسن الذي لم يرد له ثوثيق صريح وطريق صاحب الوسائل الى عبد الله بن جعفر راوي الحديث وطريق صحيح.

اما الدلالة: فامر الامام بقراءة فاتحة الكتاب كناية عن إعادة الصلاة فيستفاد ان سجدة القرآن في اثناء صلاته صار سببا لبطلان صلاته والنهي عن العود الى هذا العمل دليل على عدم الجوازـ وقوله عليه السلام: "وذلك زيادة في الفريضة" كبرى تفيد عدم جواز ازدياد أيّ شيء في الفريضة.

لا يخفى ان قوله عليه السلام: (وَذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْفَرِيضَةِ) لم يرد في نسخة قرب الاسناد المطبوع. فلا ندري ان صاحب الوسائل اضافها من نفسه، او الناسخ لقرب الاسناد سقطت عن عينه فلم يكتبه. "اصالة عدم الزيادة" تفيد ان هذا التعبير كان في أصل الحديث من الامام عليه السلام ولم يزده الراوي من نفسه. فلنا ان نتمسك بهذه الجملة لعدم جواز ازدياد أي شيء الا ما وصل الينا بحجة قائمة.

ومنها: ما رواه الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: "مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ".[8]

سنده لا بأس به وانما ابان بن عثمان هو كان واقفياً ولكنه كان ممن اجتمعت الصحابة على تصحيح ما يصح عنه، وهذا التعبير اقوى من قولهم: ثقة، فالسند موثق. واما الدلالة فقوله: "مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ" اطلاقه يشمل غير الأركان ايضاً.

وهناك روايات أخرى تفيد هذا المعنى فنستغني منها بما ذكرناه من دليل العقل و هاتان الصحيحة والموثقة. ونتابع بجثنا في تفاصيل هذه المسألة في المحاضرات القادمة ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo