< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/الخلل في الصلاة /المسألة الثانية

قال السيد اليزدي رضوان الله عليه فصل:

(في الخلل الواقع في الصلاة أي الإخلال بشي‌ء ممّا يعتبر فيها وجوداً أو عدماً).

مسائل: (مسألة 1): (الخلل إمّا أن يكون عن عمد أو عن جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكِّ، ثمّ إمّا أن يكون بزيادة أو نقيصة، والزيادة إمّا بركن أو غيره، ولو بجزء مستحبّ كالقنوت في غير الركعة الثانية أو فيها في غير محلّها أو بركعة، والنقيصة إمّا بشرط ركني كالطهارة من الحدث والقبلة أو بشرط غير ركني، أو بجزء ركني أو غير ركني، أو بكيفيّة كالجهر والإخفات و الترتيب والموالاة، أو بركعة).

قد تحدثنا في يوم الماضي عن تفاصيل هذه المسألة فوصلنا عند قوله: (والزيادة إمّا بركن أو غيره، ولو بجزء مستحبّ) وقد ذكرنا كلام السيد الخوئي حيث أنكر امكان جزء مستحب في صلاة الفريضة بحجة لُبُّها: (أنّ مقتضى الوجوب الدخل في الماهية و تقوّمها به لتركّبها منه، و مقتضى الاستحباب عدم الدخل وجواز الترك. وهذا من غير فرق بين جزء الطبيعة وجزء الفرد، إذ لا يزيد هو عليها إلّا بإضافة الوجود، ففرد الطبيعة ليس إلّا الطبيعة الموجودة بعينها، ولا يزيد عليها من حيث كونه فرداً لها بشي‌ء أصلًا) [1]

ويرد عليه: بان المولى قد تعلق ارادته من العبد بالماهية من حيث هي من دون قيد ولا شرط فكلامكم صحيح. ولكن قد تتعلق ارادته بالماهية المقيدة بقيود او أجزاء معينة فلا تنطبق الماهية الفاقدة لتلك الشروط والاجزاء على مطلوب المولى والمامور به. ثم جزئية او شرطية شيء مستحب للواجب امر معقول واقع في الخارج كثيراً، فالاجزاء والشرائط قد تكون من ما يتقوم بها مراد المولى الحتمي وقد تكون من الكماليات المطلوبة للمولى بدرجة لا يؤكّد عليها ولا يتوقف قبوله عليها. مثلا في هذه القاعة، الأعمدة والجدران والسقف من مقومات عنوانها، بحيث لا تصدق القاعة الا بوجودها، والباب من أجزاء الضرورية لها، لا فيه مصلحة لا يمكن الاغماض عنها وهي الاحتفاظ بممتلكاتها و الصيانة من الحر والبرد لا تحصل الا به، ولكن الدهان و المحراب والسبالت وبعض الزينة من الأجزاء التي لها مصلحة كمالية غير الضرورية. فيمكن لمن امر بانشاء القاعة أن يتسامح فيها، فهي الأجزاء المستحبة فيها غير لازمة. وفي الصلاة يكون الامر هكذا فالخمسة التي تعاد الصلاة بالاخلال بها من مقومات الصلاة عند المولى بحيث لا يتحقق مراد المولى الا عند توفرها فالصلاة من دونها غير مجزية على كل حال اما سائر الأجزاء الواجبة من ما لها دخل في مطلوب المولى لا يرضي بفقدها عن عمد، والقنوت وتثليث الاذكار في الركوع والسجود، والتكبيرات الزائدة على تكبيرة الاحرام، هي من الأجزاء الكمالية التي ارادها المولى بإرادة غير الزامية، فجزئية المستحب للواجب أمر معقول وارد عند العرف والشرع، فاعتبارها مستحبات مستقلة ظرفها الصلاة غير سديد لا داعي لها ولاحقيقة فيها. كما ان قوله: (فالجزئية تساوق الوجوب، ولا تكاد تجتمع مع الاستحباب. فالجزء الاستحبابي غير معقول) لاصحة له بل لا يساوق الجزئية دائما مع الوجوب فالاجزاء بعضها ركن في مطلوب المولى لا ينطبق العنوان الا بها، وبعضها واجب لا يرضى المولى بالخلل فيها اختياراً، وبعضها مطلوب غير ملزم، بل يتسامح المولى في تركها لأنّها شرط الكمال غير الملزم وهي الأجزاء والشروط المستحبة.

انه رضوان الله عليه بعد ما ذكر رأيه بامتناع جزء المستحبي للواجب قال: ( فالجزء الاستحبابي غير معقول، و ما يتراءى منه ذلك كالقنوت فليس هو من الجزء في شي‌ء، بل مستحبّ نفسيّ ظرفه الواجب، فلا تتصوّر فيه الزيادة كي تشمله أدلّة قادحية الزيادة. نعم، الإتيان به في غير مورد الأمر به بعنوان أنّه مأمور به تشريع محرّم، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى الصلاة كما هو ظاهر). [2]

أقول: القول بعدم تسري التشريع المحرم الى الصلاة مبتني على آراء ثلاثة منه رضوان الله عليه:

أحدها: القول بان هذه الأجزاء ليست من أجزاء الصلاة بل هي مستحبات مستقلة ظرفها الصلاة. ثانيها: ان الصلاة هي التكبير والقراءة والركوع والسجود والذكر... والفواصل بينها ليست من الصلاة في شيء، بعبارة أخرى ان الصلاة عبارة عن أفعال واذكار واجبة تاتي متعاقبة بترتيب معين ولكن سائر حالات ليس من الصلاة

وثالثها: يرى ان جواز قراءة القرأن او الذكر في اثناء الصلاة لا يجب ان تؤتى بقصد الغربة بل يجوز اتيانها رياء أيضا لان الممنوع من الكلام في الصلاة هو الكلام الآدمي والقران والذكر استثني منها فمن ارتكب محرما في اثنائه لا يضر بصلاته ولذا يرى ان من قرء سورة في الصلاة رياءاً ثم قرء سورة اخري لصلاته لا يضر بصحة صلاته لان الفصل الحاصل بالمحرم اذا كان بقرائة محرمة او ذكر محرم فقد اتى بشيء مسموح في اثناء الصلاة وهو القراءة والذكر ولم يكن من كلام آدمي. ويمكن لمن يريد ان يرى نصوص كلامه رحمة الله عليه يراجع الى مناسبات البحث منها في مبحث لباس المصلي المجلد 12 من موسوعة الامام الخوئي ص130 او مبحث الرياء في الصلاة منها المجلد14ص 28 و غيرها من مواطن البحث.

ونحن ناقشناه في هذه الآراء سابقاً ملخصها: اولاً: عدم امكان جزئية المستحب للواجب مرفوض بل هو معقول واقع.

ثانياً: ان الصلاة وحدة تبدء بالتكبير وتنتهي بالتسليم فتحريمها التكبير وتحليلها التسليم. ثالثاً: ما ورد من جواز قرائة القرأن وذكر الله انما هو اذا اتي بها للتقرب الى الله اما اذااتي بها رياءً بدون نية العبادة مبطل للصلاة لانه لا يمكن التقرب الى الله بما يكون متضمنا للحرام. ومن يريد التفصيل الأكثر فليراجع الى محاضراتنا في صلاة الجماعة رقم 70 في مدرسة الفقاهة من طريق جوجل 13من ذي القعدة عام 1441.

كما يمكن المناقشة في عبارة السيد المصنف حيث عدّ من النقيصة في الصلاة في قوله: (إمّا بشرط ركني كالطهارة من الحدث والقبلة أو بشرط غير ركني) ثم عَدّ من النقيصة النقص في الكيفية فقال: (أو بكيفيّة كالجهر والإخفات و الترتيب والموالاة)، بينما هذه الأربعة كذلك داخل في الشرط فلا حاجة الى تعنونها بالكيفية. والامر سهل فان هذه المناقشة انما هي مناقشة في التعبير لا في المضمون.

قال السيد المصنف: (مسألة 2): الخلل العمديّ موجب لبطلان الصلاة بأقسامه من الزيادة (1)، و النقيصة حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار ‌أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية، أو بين بعض الأفعال مع بعض، و كذا إذا فاتت الموالاة سهواً أو اضطراراً لسعال أو غيره (2) و لم يتدارك بالتكرار متعمداً).

تعليقات:

(1) قال السيد الخوئي: (بطلانها بالزيادة العمدية في الأجزاء المستحبّة محلّ إشكال بل منع).

وقال السيد الحكيم: (زيادة الأجزاء المستحبّة كالقنوت غير مبطلة إلّا أن توجب خللًا في نيّة القربة).

وقال السيد الفيروزآبادي: (في الجزء الواجب و أمّا في الجزء المستحبّ الذي هو ذكر أو دعاء لا مانع منه في النقيصة و لا في الزيادة إلّا تشريعاً فمع عدمه بأن يأتي به تسامحاً أو قلنا بأنّ التشريع يتحقّق بالبناء الذي هو أمر قلبي لا وجه لبطلان الصلاة به إلّا إطلاق الزيادة إن كان).

(2) قال السيد الحكيم: (إذا لم يعلم بابتلائه به وإلّا ففيه إشكال وإن تدارك).

وسوف نتابع بحثنا في هذه المسألة في اليوم القادم ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo