< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /فروع صلاة المعادة

كان بحثنا في المسألة التاسعة عشرة وهو قول السيد المصنف: (مسألة 19): إذا صلّى منفرداً أو جماعة واحتمل فيها خللًا في الواقع وإن كان صحيحة في ظاهر الشرع يجوز بل يستحبّ أن يعيدها منفرداً أو جماعة (1) وأمّا إذا لم يحتمل فيها خللًا فإن صلّى منفرداً ثمّ وجد من يصلّي تلك الصلاة جماعة يستحبّ له أن يعيدها جماعة إماماً كان أو مأموماً، بل لا يبعد جواز إعادتها جماعة إذا وجد من يصلّي غير تلك الصلاة (2)، كما إذا صلّى الظهر فوجد من يصلّي العصر جماعة، لكن القدر المتيقّن الصورة الأُولى (3)، وأمّا إذا صلّى جماعة إماماً أو مأموماً فيشكل‌ استحباب إعادتها (4)، وكذا يشكل (5) إذا صلّى اثنان منفرداً ثمّ أرادا الجماعة فاقتدى أحدهما بالآخر من غير أن يكون هناك من لم يصلّ).

اود تكملة لبحثنا الماضي اشير الى نقطة وهو ان بعض الفقهاء منهم الشيخ النائيني والسيد الخوئي رضوان الله عليهما يرون انما تجوز الإعادة لمن صلى صلاته الأولى جماعة ان تكون اماما في صلاة المعادة ولم يشرع لمن أراد يعيدها مأموماً.

قال السيد الخوئي: (أمّا إذا صلّى جماعة وأراد أن يعيدها مأموماً فهذا لا دليل عليه، فانّ مورد النصوص ما إذا صلّى فرادى وأعادها جماعة.

وقد يتوهّم استفادته من موثّقة عمّار: «عن الرجل يصلّي الفريضة ثمّ يجد قوماً يصلّون جماعة، أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، وهو أفضل قلت: فان لم يفعل، قال: ليس به بأس» بدعوى أنّ إطلاقها يشمل ما إذا صلّى الأُولى جماعة. لكنّه كما ترى بعيد جدّاً عن سياقها، بقرينة قوله: «وهو أفضل» الكاشف عن المقابلة بين المعادة جماعة وبين الأولى).[1]

أقول: أولاً: كلامكم هذا متوقف ان تجعلوا الضمير في قوله "وهو أفضل" عائدا الى الصلاة المعادة بينما، يحتمل ان يعود الضمير الى "يعيد" أي الجمع بين الصلاة التي صليتها والصلاة المعادة أفضل، من الاكتفاء بالصلاة الأولى. ثانياً: سلمنا ان يكون المراد مِن "هو" الصلاة المعادة وهذه الموثقة انما تفيد لما إذا كان الصلاة الاولى فرادى ولكن يوجد هناك روايات اخرى تشمل ما إذا كانت الصلاة الأولى جماعة:

منها: ما رواه الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ «.في المصدر- مع قوم» فِي صَلَاتِهِمْ- وَهُوَ لَا يَنْوِيهَا صَلَاةً- بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى- فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَى"[2] .

سندها صحيح واما الدلالة فان قوله: "وان كان قد صلى" اطلاقه يشمل إذا صلى جماعة، وقوله: "يدخل معهم في صلاتهم" ظاهر في الاقتداء بهم وقوله: "فان له صلاة أخرى" ظاهر في جواز الإعادة. فيستخلص منها جواز الإعادة مأموماً لمن صلى صلاته الأولى جماعة أيضا.

ومنها: ما رواه الشيخ َبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: "أُصَلِّي ثُمَّ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ- فَتُقَامُ الصَّلَاةُ وَقَدْ صَلَّيْتُ- فَقَالَ صَلِّ مَعَهُمْ يَخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ".[3]

سندها ضعيف ولكن دلالتها لا بأس بها لترك الإستفصال عن قول السائل: "وقد صليت" وقول الامام في جواب السائل: "صل معهم" ظاهر في الاقتداء والسؤال قضية حقيقية وليست خارجية بدليل استعمال صيغة المستقبل في كلام السائل فتفيد جواز إعادة الصلاة مأموماً أيضا وهي مؤيدة لصحيحة زرارة.

ثم هل جواز إعادة الصلاة الحكم بمن لم يتوقع الجماعة الثانية ثم وجدت؟ او يشمل من كان من اول الامر أراد ان يصلي فرادى او جماعة ثم يعيدها في جماعة أخرى؟

الأقرب مما يستفاد من سياق الروايات مورد الإعادة خاص بمن صلى ولم يتوقع مصادفة جماعة أخرى: ففي صحيحة هشام: "ثم يجد" وفي مرسلة صدوق: "ثم أخرُجُ الى المسجد فيقدّمونّي" وفي صحيحة بن بزيع: "فيأمرونني بالصلاة: وفي موثقة عمار: "يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون الجماعة" وفي خبر ابي بصير: "اُصلّي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت" وفي صحيحة حفص: "يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة" فهذه التعبيرات ظاهرة في المفاجئة.

مضافا الى ذلك الروايات التي ترجّح الانتظار لإقامة الجماعة على الصلاة في اول الوقت:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع أَيُّهُمَا أَفْضَلُ- يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ- أَوْ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا وَيُصَلِّي بِأَهْلِ مَسْجِدِهِ- إِذَا كَانَ إِمَامَهُمْ قَالَ- يُؤَخِّرُ وَيُصَلِّي بِأَهْلِ مَسْجِدِهِ"[4] ولو كان الجمع بين الصلاة واعادتها امرا جائزا لكان الأولى ان يقول له الامام عليه السلام صل صلاتك ثم أعدها عند قيام الجماعة؟

ومنها: ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَوْمِ يَتَحَدَّثُونَ- حَتَّى يَذْهَبَ الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ وَأَكْثَرُ- أَيُّهُمَا أَفْضَلُ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ جَمَاعَةً أَوْ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ؟ قَالَ: يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ".[5] ولم يقل يصلون في اول الوقت فردى ثم يعيدونها جماعة فالأقرب ان إعادة الصلاة لظروف يصلي المرة الأولى ثم يفاجئ بجماعة.

في الأيام الماضية تناولنا كل الفروع المذكورة في هذه المسألة بالبحث وبقي علينا الفرع الأخير منها وهو قوله:

(وكذا يشكل إذا صلّى اثنان منفرداً ثمّ أرادا الجماعة فاقتدى أحدهما بالآخر من غير أن يكون هناك من لم يصلّ).

الوجه في هذا الاشكال انه يظهر من النصوص الواردة إنّها ناظرة إلى ما إذا أنشأت جماعة جديدة صحيحة في نفسها بحضور لا اقل من شخص آخر لم يصلّ، فلا تشمل ما إذا كانت الجماعة منحصرة بإمام ومأموم كلّ منهما قد صلّى منفرداً وأرادا إعادتها جماعة من دون وجود شخص آخر لم يصلّ. فمشروعيّة هذه الجماعة غير ثابتة، لعدم شمول الروايات لمثلها.

قال السيد رضوان الله: (مسألة 20): إذا ظهر بعد إعادة الصلاة جماعة أنّ الصلاة الأُولى كانت باطلة يجتزئ بالمعادة.

والوجه في ذلك انه اتى بصلاة صحيحة وفق ما كان على ذمته فينطبق عليه قهرا وانما كان يخيل انها مستحبة عليه وهذا من باب الخطأ في التطبيق وهو لا يضر بصحة العمل. فان العبد اذا اتى بشيء مطلوب المولى يزعم انه غير الواجب وكان في الواقع واجباً عليه فقد تحقق الامتثال قهرا وليس عليه بعده شيءٌ. كمن يصوم يوم الشك في اول شهر رمضان وهو كان يزعم انه آخر شهر شعبان ثم بان له انه كان من رمضان فيحسب له رمضان ويقع امتثالا لصوم رمضان.

(مسألة 21): في المعادة إذا أراد نيّة الوجه ينوي الندب (3) لا الوجوب على الأقوى (4)

تعليقات:

(3) قال السيد الگلپايگاني: (وصفاً للإعادة لا للصلاة).

وقال الشيخ الحائري: (بل ينوي القربة المطلقة).

(4) قال آقا ضياء: (بل له نيّة الوجوب على الأقوى بملاحظة كشف عدم سقوط غرضه الأصليّ عن بقاء شخص إرادته كما يومي إليه أيضاً قوله «يختار اللّٰه أفضلهما» الظاهر في مقام امتثال أمره الوجوبي كما لا يخفى).

أقول: كما بينا سابقا ان الفريضة لا تنقلب الى المستحب فهي بعنوانها فريضة واعادتها مستحبة

والحمد لله على ما انعم وله الشكر على ما ألهم. وقد أنهينا ثلاثمأة وخمسة وثلاثون محاضرة حول صلاة الجماعة:

مبتدأً: بيوم الأحد 12من ربيع الأول سنة 1441 ومنتهياً بيوم الثلاثاء 2من رجب عام 1444

ونبدأ ان شاء الله مبحث الخلل في الصلاة من العروة الوثقى يوم السبت6رجب1444


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo