< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجمعة /في حكم التجافي في غير مورد التشهد

قال السيد رضوان الله عليه: (مسألة 8): إذا فرغ الإمام من الصلاة والمأموم في التشهّد، أو في السلام الأوّل لا يلزم عليه نيّة الانفراد، بل هو باق على الاقتداء عرفاً (1)

(1) قال السيد الحكيم: (وشرعاً).

وقال السيد الخوئي: (بل وحقيقة، فلا يلزم عليه نيّة الانفراد، ولا يصير منفرداً قهراً)

والسر في ذلك ان الاقتداء هو جعل المأموم الامامَ قدوة في صلاته أي يجعل المأموم افعاله تابعا للإمام ولا يشترط في تحقق عنوان المتابعة التزامن بين الأفعال ولذا في اثناء الصلاة قد يتخلف المأموم عن الامام، حتى بعض الفقهاء قالوا ان التخلف لا يبطل الجماعة الا اذا كان في ركنين وبعضهم حددوا بركن واحد و لكن صدق المتابعة والاقتداء يعود الى الفهم العرفي فموضوع حكم الشرع هو القدوة العرفية فبعد السلام اذا لم يبق من صلاة المأموم الا مقدارا قليلاً بحيث يصدق عرفاً متابعته للإمام فهو باق على الاقتداء عرفاً وشرعاً وواقعاً.

قال المصنف (مسألة 9): يجوز للمأموم المسبوق بركعة أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته وينفرد (1)، ولكن يستحبّ له أن‌ يتابعه في التشهّد متجافياً (2) إلى أن يسلّم ثمّ يقوم إلى الرابعة).

(1) قال الشيخ كاشف الغطاء: (وله أن ينوي الانفراد فيأتي بما بقي عليه مخفّفاً ويلحق الإمام فيتشهّد ويسلّم معه كما في صلاة الخسوف).

(2) قالا السيدين البروجردي والگلپايگاني (بل هو أحوط). وقال السيد الخوانساري: (ولو أراد البقاء على الجماعة فلا يترك الاحتياط بالمتابعة في التشهّد متجافياً). وقال السيد الحكيم: (لا يترك).

هذه المسألة تابع للمبنى في الانفصال عن الجماعة فمن يرى جواز الانفصال متى شاء فيرى جواز القيام بعد السجدة الثانية. ومن يرى عدم الجواز الا لعذر فيوجب البقاء حتى يسلم الامام، ومن يحتاط هناك يحتاط هنا أيضاً، ومن يقول بان نية الجماعة هي العزم على مواصلة الامام الى آخر الصلاة كالسيد الخوئي، فمن كان نيته من اول الصلاة الانفصال بعد السجدة الثانية في الركعة الأخيرة من الامام فلم تنعقد له الجماعة فلو أخلّ بوظيفة المنفرد بطلت صلاته أيضاً ولكنه يجوز الخروج من الجماعة تكليفاً ويرى بطلان الجماعة وضعاً.

ولكن ما هو وظيفة المأموم إذا لم يقم بالرابعة وهل التجافي واجب او مستحب او احتياط وكذا قراءة التشهد مع الامام فلنراجع الى اهل البيت عليهم السلام في ذلك:

طائفة من الروايات تامر بالتجافي: وهي صحيحتان: أحدها ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع: "عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ- الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَ هِيَ لَهُ الْأُولَى- كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ- قَالَ يَتَجَافَى وَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ- فَإِذَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ لَهُ، فَلْيَلْبَثْ قَلِيلًا إِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَتَشَهَّدُ، ثُمَّ لْيَلْحَقِ الْإِمَامَ" الْحَدِيثَ. [1] سنده صحيح واما الدلالة فقوله عليه السلام: "يَتَجَافَى وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ" امر بالتجافي ونهي عن القعود.

وثانيهما: ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ قَالَ: وَمَنْ أَجْلَسَهُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ- يَجِبُ أَنْ يَقُومَ فِيهِ تَجَافَى- وَأَقْعَى إِقْعَاءً وَلَمْ يَجْلِسْ مُتَمَكِّناً. [2] سند الصدوق الى الحلبي صحيح واما الدلالة فقوله: "يَجِبُ أَنْ يَقُومَ فِيهِ تَجَافَى- وَأَقْعَى إِقْعَاءً وَلَمْ يَجْلِسْ مُتَمَكِّناً" ايجاب التجافي والنهي عن الجلوس.

في مقابلهما: ما فيه الإذن للتشهد: وهي صحيحة الحسين بن مختار و داوود بن الحصين واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ وَ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: "سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةُ- رَكْعَةٍ مِنَ الْمَغْرِبِ مَعَ الْإِمَامِ- فَأَدْرَكَ الثِّنْتَيْنِ فَهِيَ الْأُولَى لَهُ وَالثَّانِيَةُ لِلْقَوْمِ- فَيَتَشَهَّدُ فِيهَا قَالَ نَعَمْ- قُلْتُ وَ الثَّانِيَةُ أَيْضاً قَالَ نَعَمْ- قُلْتُ كُلُّهُنَّ قَالَ نَعَمْ وَ إِنَّمَا هِيَ بَرَكَةٌ". [3]

في السند عباس بن عامر وهو كما قال النجاشي: (بن رباح أبو الفضل الثقفي القصباني الشيخ الصدوق الثقة كثير الحديث) وفيه الحسين بن المختار قال عنه المفيد في الارشاد: (ان الحسين بن مختار من خاصة الكاظم عليه السلام وثقاته واهل العلم والورع والفقه من شيعته) وروى العلامة في الخلاصة عن ابن عقدة عن علي بن الحسن ان ابن المختار كوفي ثقة فالسند لا بأس به. [4]

واما الدلالة فقوله عليه السلام: "قَالَ نَعَمْ وَإِنَّمَا هِيَ بَرَكَةٌ" يدل على الجواز والاستحباب ايضاً.

فهي ظاهرة بتبعية الامام في التشهد بالحالة التي هو يتشهد وهي الجلو

وما فيه الاذن بالجلوس صريحاً وهو رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله واليك نصها:

محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا سَبَقَكَ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَأَدْرَكْتَ الْقِرَاءَةَ الْأَخِيرَةَ- قَرَأْتَ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاتِهِ وَ هِيَ ثِنْتَانِ لَكَ- وَ إِنْ لَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ إِلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً- قَرَأْتَ فِيهَا وَفِي الَّتِي تَلِيهَا، وَ إِنْ سَبَقَكَ بِرَكْعَةٍ، جَلَسْتَ فِي الثَّانِيَةِ لَكَ وَ الثَّالِثَةِ لَهُ، حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ قِيَاماً الْحَدِيثَ. [5]

في السند عبد الله بن محمد بن عيسى وهو: بن عبد الله بن سعد الاشعري يلقب بالبنان وقد يقال له بيان، لم يرد له توثيق. اما الدلالة فقوله عليه السلام: "جَلَسْتَ فِي الثَّانِيَةِ لَكَ وَالثَّالِثَةِ لَهُ"، دال على جواز الجلوس متابعة للإمام في ركعة ليس للمأموم تشهد فيها.

وحسنة علي بن جعفر واليك نصها: ومنها: ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ مِنَ الْمَغْرِبِ- كَيْفَ يَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ يَقْضِي- أَ يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ- قَالَ يَقْعُدُ فِيهِنَّ جَمِيعاً".[6]

في سنده عبد الله بن حسن حفيد علي بن جعفر ولو لم يرد له توثيق ولكن لرواياته شان من الشأن ولذا يسمون رواياته بحسنة. واما الدلالة: فقوله عليه السلام: "يَقْعُدُ فِيهِنَّ جَمِيعاً" دال على جواز القعود.

فعلى ذلك عندنا خمس روايات اثنان منهما وهما صحيحة عبد الرحمن بن حجاج وصحيحة الحلبي تأمراننا بالتجافي مع النهي عن الجلوس والقعود.

في مقابلهما ثلاث روايات:

احداها: رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله: يأمر فيها بالجلوس.

والثانية: حسنة علي بن جعفر يأمر فيها بالقعود.

والثالثة: صحيحة حسين بن المختار يأذن بالتشهد ويضيف قوله فيه بركة.

بما ان هذه الثلاثة اثنان منها ضعيف السند وواحدة الامر بالتشهد منصرف الى حالة الجلوس فرفع اليد عن ظهور الصحيحين في وجوب التجافي صعب ولذا نقول بالاحتياط الوجوبي لرعاية التجافي في الركعات التي ليس للمأموم تشهد وقراءة التشهد فيها لا اشكال فيها لأنّها ذكر وعلى القول بالتسامح يستحب قراءة التشهد في حالة التجافي أيضا بعد رفع اليد عن مقتضى الانصاف الى الجلوس رعاية للصحيحين الناهيين عن الجلوس والقعود فتأمل. وبهذا انتهينا عن البحث في المسألة التاسعة والحمد لله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo