< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حول جواز تصدي الفاسق للامامة

(مسألة 16): الأحوط أن لا يتصدّى للإمامة من يعرف نفسه بعدم العدالة و إن كان الأقوى جوازه)

قبل متابعة البحث في هذه المسألة نبدأ بتدارك ما قلناه في اليوم الماضي بمناسبة سند روایة وهی ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع "فِي قَوْمٍ خَرَجُوا مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ بَعْضِ الْجِبَالِ- وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ رَجُلٌ- فَلَمَّا صَارُوا إِلَى الْكُوفَةِ- عَلِمُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ قَالَ لَا يُعِيدُونَ". [1] من ان مراسيل ابن ابي عمير مقبول عند المشهور لان ابن ابي عمير كان من فقهاء أصحاب الرضا عليه السلام والشيخ قال فيه: انه (لا يرسل ولا يروي الا عن ثقة)

وروایة أخرى تفيد هذا المعنى وهي ما رواه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ فِي نَوَادِرِهِ وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الصَّادِقَ ع قَالَ: "فِي رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ- مِنْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ خُرَاسَانَ- حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ- فَإِذَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَةٌ".[2]

قال صاحب الجواهر بعد ذكر رواية الأولى (وعن الفقيه روايته عن كتاب زياد بن مروان القندي و نوادر ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) بتفاوت، و ظاهره عدم الإرسال، على أن من الواضح عدم قدح مثل هذا الإرسال من مثل هذا المرسل في مثل هذا المقام فيما نحن فيه)[3] .

وقال السيد الخوئي: (لكن المرسلة ضعيفة عندنا و إن كانت صحيحة لدى المشهور بناءً منهم على معاملة المسانيد مع مراسيل ابن أبي عمير، لما ذكره الشيخ من أنّه لا يروي إلّا عن الثقة. فانّا قد ظفرنا على روايته عن الضعاف في غير مورد ممّن ضعّفه النجاشي وغيره. فهذه الدعوى غير مسموعة كما أشرنا إليه مراراً. على أنّ الشيخ بنفسه لم يعمل بمرسلة ابن أبي عمير في موضعين من التهذيبين، مصرحاً بضعف الرواية من جهة الإرسال. وأمّا الرواية الأُخرى فإن كان المراد بمحمد بن أبي عمير هو ابن أبي عمير المعروف المتقدّم ذكره آنفاً فالرواية مرسلة، لأنّه من أصحاب الرضا (عليه السلام) فلا يمكن روايته عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة، فيعود الكلام السابق من ضعفها للإرسال. وإن كان المراد به شخصاً آخر غير المعروف فهو لم يوثّق. وأمّا القندي الذي يروي عنه الصدوق بسند آخر فهو واقفي، بل من أحد أركان الوقف، ولم يوثّق في كتب الرجال). [4]

كلامه رضوان الله عليه كلام جميل ولكن العجب منه انه في صفحة 322 يعترف بوثاقة القندي وصحح هذا الحديث أيضا بتفصيل لا مجال لذكره هنا فعلى من يرغب الراجعة الى هذه الصفحة وما قبله. فهو قال: (وعليه فطريق الصدوق إلى القندي صحيح. وأمّا زياد بن مروان القندي نفسه فهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، لكنّه موجود في أسانيد كامل الزيارات وعلى هذا فالرواية موصوفة بالصحّة، ويكون هذا استدراكاً عمّا ذكرناه‌)[5]

بعد هذا التدارك نعود الى أصل المسألة: كان بحثنا حول جواز او عدم جواز التصدي لإمامة من يعرف نفسه فاقد العدالة وقد قلنا بأنّهم استدلوا بروايات تدل على عدم بطلان صلاة من اقتدي بالجنب وفاقد الطهارة من الوضوء ومن كان غير مسلم ومن كان غير ناوي للصلاة، ومن الذين اعتمد على هذه الروايات في الجملة على جواز التصدي للإمامة مضافا الى اصالة الجواز هو السيد الخوئي حيث قال: (وعلى الجملة: لا تسبيب إلى الحرام في مثل المقام، فلا مانع من التصدّي للإمامة. ومقتضى الأصل جوازه بعد عدم الدليل على الحرمة، هذا. وربما يستدلّ للجواز بالروايات المتقدّمة في محلّها، المتضمّنة لعدم وجوب إعلام المأمومين بفساد الصلاة، بل في بعضها جواز التصدّي للإمامة حتّى مع عدم كونه ناوياً للصلاة، فاذا جاز ذلك مع فساد الصلاة جاز مع فساد الإمامة وصحّة الصلاة كما في المقام بطريق أولى) [6]

يرد عليه اولاً: ان التسبيب متحقق بعرض نفسه للإمامة الى من يزعم انه عادل، فسبّب الاقتداء بمن لا يصح الاقتداء به، كما انه إذا طرأ للمأموم شك في الركعات فهو يترك وظيفة الشاك ويتابع عمل هذا الامام الفاسق ولا يجوز له ذلك في نفس الامر وجماعته باطلة على رأي من يرى ان العدالة شرط واقعي وكل ذلك تسبيب منه للمأموم.

اما الروايات فإنّما هي بصدد بيان حكم صلاة المأموم فيها ولا يتعرض للحكم التكليفي بالنسبة الى هذا الامام. وما أشار اليه من صحيحتي حلبي والزرارة ففي الأولى ورد: (فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا- وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ-) فلا دلالة لجواز تصدي الفاسق للإمامة وانما بيّن عدم لزوم الإعلام لهم بعد تمام الصلاة، وفي الثانية: "لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ وَعَلَيْهِ هُوَ الْإِعَادَةُ- وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ" هذا نفس المضمون واما جواز التصدي للإمامة لمن لا ينوي الصلاة فهو لا يوجد في الحديث المشار اليه في كلامه وهو – "أَ يُجْزِئُهُمْ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ وَهُوَ لَا يَنْوِيهَا صَلَاةً- فَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ قَوْمٍ فِي صَلَاتِهِمْ- وَهُوَ لَا يَنْوِيهَا صَلَاةً- بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى- فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَى- وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلْ مَعَهُمْ- وَقَدْ تُجْزِي عَنِ الْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا"[7]

ففيها تصريح بالمنع من الدخول من غير نية الصلاة ثم بيّن الحكم في صورة الدخول فحكم بصحة صلاة المأمومين، وفي مثل هذه الموارد الذي ليس الامام مصلياً لا شك في بطلان الجماعة لان الجماعة عبارة عن متابعة المأموم لصلاة الامام ولم تكن صلاة في البين بل مجرد صورة الصلاة، واما وجه صحة صلاتهم فرادى على موازين صناعة الفقه انهم أتوا بجميع أجزاء الصلاة المنفرد الا القراءة وتركهم للقراءة كان عن عذر فحديث لا تعاد يفيد عدم وجوب الإعادة عليهم دالاً على صحة صلواتهم. فلا دلالة فيها على جواز امامة الفاسق او غير ناوي الصلاة.

واما اصالة الجواز فلا دور لها مادام عندنا دليل على حرمة التصدي لأنّه اغواء واغراء للمأموم فيما لا يريد، وتسبيب للدخول الى جماعة باطلة مع ما يترتب عليها من المحذورات إذا اتفق أسبابها. فلا الروايات تكفلت بترخيص الفاسق للإمامة ولا اصالة الجواز جارية فيما نحن فيه. ونتابع بحثنا في الأيام الآتية ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo