< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في حجية خبر الواحد في الموضوعات

كان بحثنا في اليوم الماضي حول حجية خبر العادل الواحد في الموضوعات وقبل يومين ذكرنا ادلة المثبتين والامس ذكرنا ادلة النافين وقد ذكرنا لهم سبع من مواطن الاستدلال نكمل ادلة النافين بالثامنة منها ولعلها الأهم حتى لا نقصّر في حقهم، استدلوا لعدم حجية خبر الثقة بموثقة مسعدة بن صدقة واليك نصها:

كليني يروي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ- فَتَدَعَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ- وَ ذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ يَكُونُ عَلَيْكَ «9» قَدِ اشْتَرَيْتَهُ وَ هُوَ سَرِقَةٌ- أَوِ الْمَمْلُوكِ عِنْدَكَ وَ لَعَلَّهُ حُرٌّ قَدْ بَاعَ نَفْسَهُ- أَوْ خُدِعَ فَبِيعَ قَهْراً- أَوِ امْرَأَةٍ تَحْتَكَ وَ هِيَ أُخْتُكَ- أَوْ رَضِيعَتُكَ وَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ- أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ.[1]

في سنده هرون بن مسلم قال النجاشي في شأنه: (بن سعدان الكاتب السُرّمن رآئي كان نزلها أصله من الانبار يكنى أبا القاسم، ثقة وجه، كان له مذهب في الجبر والتشبيه لقى أبا محمد وابا الحسن عليهما السلام) و مسعدة لم يرد له توثيق وكان عامياً والسيد الخوئي وثقه لأنّه من رجال كامل الزيارات لابن قولويه وبما ان شهادة ابن قولويه انما تشمل شيوخه الذين تلقى عنهم الحديث مباشرة فلا تشمل هذا الرجل، نعم انه كان من شيوخ علي بن إبراهيم القمي في تفسيره فمن يعتمد الى توثيق العام في رجال تفسيره فيتم له وثاقته فالرواية موثقة.

والوجه الاستدلال بها قوله عليه السلام: (وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ- أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ) فموضوعه الأشياء وهي الموضوعات والامر فيها دائر بين العلم الوجداني والبينة فلا يمكن الاكتفاء بخبر عدل واحد.

هنا نقف وندقق في كل مما استدلوا بها:

أولها: كان قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾[2] فقالوا هذه الآية المباركة نهتنا عن اقتفاء غير العلم وخبر الثقة الواحدة لا يأتي بعلم وعلى فرض حصول العلم فهو حجة بعنوانه لا بما انه خبر العادل فلا يمكن التعبد به.

ويرد عليه ان العلم في هذه الآية اعم من الوجداني والتعبدي فأدلة حجية الخبر الواحد تجعل لنا مفاد الخبر بمنزلة العلم فيصبح علما تعبدياً كما ان أكثر احكام الشريعة والموضوعات التي نتعامل معها ليس من خلال العلم الوجداني بل جلها مستند الى العلم التعبدي الذي يسمى علميّاً. فأدلّة حجيّة الخبر الواحد حاكمة على مضمون هذه الآية.

ثانيها قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[3] فهذه الآية تردع عن الأخذ بغير العلم والخبر الواحد لا يورث العلم فلا ينبغي الاتكاء عليه.

ويرد هذا الدليل أولا: بان المراد من الظن في هذه الآية اتباع ما ليس له دليل معقول والاكتفاء بمجرد الأهواء والأدلة الواهية. فان مفردة الظن تستعمل في مجرد الاحتمال.

قال في مجمع البحرين: (يقع الظَّنُّ لمعان أربعة. منها معنيان متضادان، أحدهما الشك، والآخر اليقين الذي لا شك فيه فأما معنى الشك فأكثر من أن يحصى شواهده. وأما معنى اليقين فمنه قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً﴾[4] ومعناه علمنا. وقال تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها﴾[5] ومعناه فعلموا بغير شك، وَفِي حَدِيثِ وَصْفِ الْمُتَّقِينَ" وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا، وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ". يعني أيقنوا أن الجنة معدة لهم بين أيديهم.

والمعنيان اللذان ليسا بمتضادين (أحدهما) الكذب و (الآخر) التهمة، فإذا كان بمعنى الكذب قلت ظَنَّ فلان أي كذب، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾[6] ومعناه إن هم إلا يكذبون، ولو كان بمعنى الشك لاستوفى منصوبيه أو ما يقوم مقامهما. وأما بمعنى التهمة فهو أن تقول: ظَنَنْتُ فلانا، فيستغنى عن الخبر لأنك تريد التهمة.) [7]

ثانياً: قد يأتي الظن بمعني قوة الاحتمال في جهة من الامر أكثر من جهة الأخرى والظن بهذا المعنى ليس حجة عند عامة الفقهاء الا القائلون بانسداد باب العلم وهناك الظنون خاصة هي الطرق المعينة من قبل الشارع الذي جعلت بديلا للعلم تسمى الظنون المحرزة من الامارات وبعض الأصول ومنها ما يعين وظيفة الشال في مقام العمل، تسمى الظنون غير المحرزة ولكنها حجة للعبد في عمله. والمفروض ان العمل بخبر الواحد الموثق سيرة العقلاء التي لم يردعها الشارع بل اقرّ بها. وقد استدوا لذلك بروايات وقرائن عدة، قد مررنا عليها عند ذكر ادلة القائلين بحجية الخبر الواحد في الموضوعات ايضاً.

اما رواية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي الْجُبُنِّ قَالَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ لَكَ حَلَالٌ- حَتَّى يَجِيئَكَ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً) [8] . فسندها ضعيف جدا لوجود مجاهيل فيها. فلا يمكن الاعتماد عليها.

واما صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا ع قَالَ: سَأَلْتُهُ «في الكافي سألت أبا جعفرعليه السلام» عَنْ رَجُلٍ تَرَكَ مَمْلُوكاً بَيْنَ نَفَرٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَهُ- قَالَ إِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَرْضِيّاً لَمْ يَضْمَنْ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِيمَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ".

في هذا الحديث بما ان الشاهد هو كان من أطراف الدعوى فلا يمكن الأخذ بقوله، لأنّه كان مدعياً في مقابل شركائه وفي مقام القضاء، ولذلك يقبل قوله بمقدار سهمه في الإرث و يسعى العبد في حق الآخرين من الورثة. ولعل الحكم بحرية العبد بتمامه ناشئة عن حرص الإسلام في تحرير العبيد كما نرى مثله في الامة المستولدة فلا يجوز بيعها بل يجب على مولاها ان يعتقها او يحتفظ بها حتى يموت مولاها فيقع ارث ولدها فيها فتتحرر لان الانسان لا يملك عموديه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo