< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلائ الجماعة / تقسيم الذنوب الى الكبيرة والصغيرة

(مسألة 13): المعصية الكبيرة: هي كلِّ معصية ورد النصّ بكونها كبيرة، كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها، أو ورد التوعيد بالنار عليه‌ في الكتاب أو السنّة صريحاً أو ضمناً، أو ورد في الكتاب أو السنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار (1)، أو كان عظيماً في أنفس أهل الشرع (2).

ان السید رضوان الله عليه جعل الميزان في تميّز الكبيرة عن الصغيرة بأمور خمسة:

اولاً: كل معصية ورد النص بكونها كبيرة.

ثانياً: ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب،

ثالثاً: او ورد التوعيد عليه في السنة صريحاً او ضمناً.

رابعاً: ما ورد في الكتاب أو السنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة، او الموعود بالنار.

خامساً: ما كان عظيماً في أنفس اهل الشرع.

تعلیقات:

(1) قال الإمام الخميني: (أو بالعقاب أو شدّد عليه تشديداً عظيماً). فاضاف الیه امرین: اولاً: التوعید عليه بالعقاب وثانیاً: شدد عليه تشديدا عظيماً.

(2) قال السید الگلپايگاني: (حين نزول الآية أو عند أصحاب المعصومين (عليهم السّلام) بحيث يعلم تلقي ذلك منهم (عليهم السّلام). فهو بالنسبة الى امر الخامس اشترط العظمة في أنفس اهل الشرع بالمعاصرين حين نزول الآية او أصحاب المعصومين عليهم السلام بحيث يكون كاشفا عن رأيهم عليهم السلام.

بما بيناه سابقا ظهر اولاً: ان الكِبَر والصِغَر من الأمور النسبية وبتعبير آخر إضافية، فعند ما ننظر الى مجموعة يختلف افراده يمكن ان نعتبر الافراد التي تكون دون المتوسط صغاراً وما هو فوق المتوسط كباراً وفي كل جهة عند مقارنة بين افرادها أيضا يوجد أكبر وأصغر.

ثانياً: في تقييم المعاصي أمور يجب رعايتها:

منها: بالنظر الى من عصيناه وهو مالك السماوات والأرض القادر المهيمن الجبار المتكبر فأدنى شيء من المعصية يكون كبيراً، وإذا نظرنا الى رحمته وفضله وغناه وعفوه وصفحه، فأكبر معصية تكون صغيراً كما ورد في الحديث «لا تنظر إلى ما عصيت بل انظر إلى من عصيت» وفي الدعاء "اللهم ان كان ذنبي عندك عظيما فرحمتك أعظم من ذنبي"

روى في المستدرك عن الْجَعْفَرِيَّاتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ: "إِذَا عَظَّمْتَ الذَّنْبَ فَقَدْ عَظَّمْتَ اللَّهَ فَإِذَا صَغَّرْتَهُ فَقَدْ صَغَّرْتَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ وَ مَا مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ عَظَّمْتَهُ إِلَّا صَغُرَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَ لَا مِنْ صَغِيرٍ صَغَّرْتَهُ إِلَّا عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ"‌ [1] ولو ان هذا الكتاب ليس له اعتبار لا من حيث اسناده ولا من حيث استناد الكتاب الى مؤلفه أشعث بن الله ولكن المطلب كلام جميل يساعد الاعتبار.

وروى عن الْآمِدِيُّ فِي الْغُرَرِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَالَ: أَشَدُّ الذُّنُوبِ [عِنْدَ اللَّهِ] ذَنْبٌ اسْتَهَانَ بِهِ رَاكِبُهُ وَقَالَ ع: أَعْظَمُ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ ذَنْبٌ صَغُرَ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَالَ ع: تَهْوِينُ الذَّنْبِ (أَهْوَنُ مِنْ رُكُوبِ الذَّنْبِ) هذا الكتاب أيضا من ناحية الاسناد الفقهي ضعيف جدا ولكن مطلبه ومواعظه المروية عن امير المؤمنين عليه السلام حكم وعلوم.

وروی عن لُبِّ اللُّبَابِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ: "أَرْبَعَةٌ فِي الذَّنْبِ شَرٌّ مِنَ الذَّنْبِ الِاسْتِحْقَارُ وَ الِافْتِخَارُ وَ الِاسْتِبْشَارُ وَ الْإِصْرَارُ‌"[2] . هذا الكتاب أيضا روى عن قطب الراوندي ولكنه غير معتبر يفيدنا في مجال الأخلاق وهذه المطالب يفيدنا في هذا البحث وتدل هذه الرواية على ان هذه الأمور الأربعة من مقارنات الذنوب بنفسها ذنوب كبيرة.

الامر الثانی: الذی ینبغی رعایته فی تقییم الذنوب: هو الفرق بين الجاهل والعالم وبين من تربّى وعاش في بيئة فاسدة ومن يعيش في أوساط صالحه فالأوائل ذنبهم اقل واصغر من الفرق الثانية وهكذا المقارنات والظروف و المغريات وغيرها كلها مؤثرة في درجة قبح العمل واستحقاق العذاب. فان قيمة الاعمال الصالحة والاعمال الفاسدة ليست كبضاعة عند الأسواق البشرية وما ورد في اجر بعض الاعمال او استحقاق عقاب بعض المعاصي مجرد بيان الاقتضاء والنية والمقارنات لها تأثير بفاصل السماء والأرض ولذا خاطب الله ازواج النبي صلوات الله عليه بقوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾.[3] ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾[4]

ولكن كل ذلك لا يمنعنا من القول بوجود كبائر الذنوب وصغائرها وهو بالنظر الى نفس الأعمال دون مقارناتها و دون الفاعل لها لان الأفعال الحسنة والقبيحة اذا لاحظناها في انفسها تختلف فيها درجة الحسن والقبح، لأنّ أوامر الله تعالى كلها تعلقت بما فيها المصلحة و نواهيه تعلقت بكل مافيه المفسدة و بعض الآيات أيضا ناطقة بان هناك كبائر الذنوب في مقابل صغائرها وكذلك الروايات ناطقة بهذا المعنى فالتقسيم بين الكبائر والصغائر امر صحيح لا ريب فيه واليك نماذج من الآيات:

قوله تعالى فی سورة النساء: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَنُدخِلُکُم مُدخَلَاً کَرِیما﴾[5]

وقوله تعالی: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾[6]

واما الروایات فنترکها عند ذكر عدد الكبائر وقد استند فقهائنا أيضا بوجوه أخرى لإثبات هذا التقسيم:

منها: لو كان جميع الذنوب كبائر لم يحصل عدل في أغلب الناس بل کلهم الا المعصومین علیهم السلام، ضرورة أنه لا ينفك أحد عن مواقعة بعض المعاصي،

ومنها ان الناس یحتاجون الى العدالة في أكثر من أمورهم من عبادات و معاملات، کامام الجماعة و شهود الطلاق و الشهادة في المحكم لإثبات الدعاوي ولغيرها من الأمور لا نطيل الكلام بذكرها.

لایقال: فتح باب التوبة المقدور عليها في كل وقت وحين فمن تاب یصبح عادلاً. لأنّا نقول: أولا مجرد ادعاء التوبة غير مقبول بل نحتاج الى زمان نجربه فتبقى الأمور معطلة حتى نجد تائباً احرزنا عدم رجوعه الى أي معصية.


[3] السورة الاحزاب، الأية 30.
[4] السورة الاحزاب، الأية 31.
[5] السورة النساء، الأية 31.
[6] السورة النجم، الأية 32.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo