< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة / هل مخالفة المروة هادم للعدالة؟

قال السید المصنف رضوان الله علیه(مسألة 12): (العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر، وعن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين، ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن تلك الملكة).

انتهى بحثنا في اليوم الماضي الى تقسيم الذنوب بالصغائر والكبائر وقد رأينا ان الفقهاء على جهتي النقيض فجمع منهم اقرّوا بالتقسيم حتى ادعى بعضهم اجماع الطائفة على قبول التقسيم، وجمعٌ منهم نفوا التقسيم وذهبوا الى ان جميع المعاصي كبيرة حتى ادعوا الاجماع على نفي التقسم و لعل السر في ذلك هؤلاء الذين اعترفوا بالتقسيم لما وجدوا من التصريح به في القران و ما ورد في الروايات، فاعترفوا بالتقسيم والذين انكروا نظروا الى عظمة الله وقبح الجرأة عليه والجمع بينهما ان نقول من انكر الصغيرة أراد الذنوب التي صاحبها مصر عليها والذي اقر بالصغيرة اراد بذلك تلك الذنوب التي ما اوعد الله بها العذاب في القرآن ولا في السنة وانما ورد فيها النهي عن ارتكابها لمن ارتكبها لا عن إصرار وعناد وجرأة على الله بل اغتر من تسويلات النفس والشيطان و سوف نشير الى الفئة الكبيرة والفئة الصغيرة في المعاصي ذيل المسألة الثالثة عشرة ان شاء الله.

والنقطة التي اريد ان اشير اليه هنا هي ان الكبير والصغير من المقولات الإضافية أي مالا معنى لها الا بالإضافة الى شيء آخر كالقريب والبعيد والفوق والتحت والعالي والسافل والقبل والبعد ففي الحقيقة الكبير بمعنى الأكبر والصغير بمعنى الأصغر و المقيس عليه قد يذكر في الكلام وقد يحول الى القرائن المحفوفة بالكلام كما ان الكبير من الانسان عند ما كان الكلام في طفل ولد قبل سنوات قليلة فعمره عند ما يصل الى الخامسة يقال بحمد الله صار كبيرا ويفهم كثيراً من الأمور، كما قد يطلق الكبير على من بلغ حد التكليف في مقابل غير البالغ وقد يطلق على من تجاوز الثمانين من عمره فالكبير والصغير و سائر المقولات الإضافية لا معنى لها الا قياسا الى غيرها. و في بيان عظمة المعاصي قد يستفاد من مادة الشدة والضعف قال تعالى: "﴿الفتنة اشد من القتل﴾" وفي الحديث: "الغيبة اشد من الزنا" وقد يعبر عنها بالأكبر والاصغر وعندما يطلق الكبيرة والصغيرة يلحظ فيها قياساً الى غيرها.

وعلى كل حال تعيين درجة القبح والحرمة على عهدة الشارع المقدس كما ان شدة الوجوب وضعفه يعود الى الشارع وهما مقولان بالتشكيك وجوباً وحرمة، كما ان المستحب والمكروه أيضا مقولان بالتشكيك ودرجة أهمية فعل الواجبات وترك المحرمات لابد وان يشخص بدليل شرعي او عقلي، فنترككم لنتعرض بالتفاصيل في المسألة القادمة مواكباً لما ورد في العروة في المسألة الآتية ان شاء الله.

وهنا طباعاً للمصنف نتناول البحث عن منافيات المروّة قال المصنف:

(وعن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين) والمروّة كما ورد في قاموس اللغة: كمال الرجولية، ولكن اظن ان المروة تاتي بمعنى الإنسانية ولذا هذه المادة تطلق على الذكر والانثى فيقال المرء والمرأة فقيّد المصنف منافيات المروّة التي مرتكبها موجب لسقوط عدالته بما هو دال على عدم مبالات مرتكبها بالدين. ففي الحقيقة المسقط عن العدالة ليس عدم رعاية المروة بل عدم المبالات بالدين كاشف عن عدم العدالة.

قال في الجواهر: (الكلام في منافيات المروة ففي الذخيرة والكفاية دعوى الشهرة على اعتبارها في عدالة الشاهد والامام، بل عن الماحوزية نقل حكاية الإجماع على ذلك، وعن مجمع البرهان أنه احتمل الإجماع على اعتبارها في غير مستحق الزكاة والخمس، بل في الذخيرة أيضا وظاهر المفاتيح أن المشهور جعلها جزء في مفهوم العدالة، وكيف كان فلا أعرف‌ لهم حجة على شي‌ء من ذلك)[1]

‌ واستدل على بعض الروايات على لزوم الاجتناب مما يخالف المروة منها بقول الكاظم (عليه السلام) في حديث مفصل لهشام بن حكم «يا هشام لا دين لمن لا مروة له، ولا مروة لمن لا عقل له» (أصول الكافي ج 1الحديث 12 من كتاب العقل و الجهل) المروة في لسان الروايات ليست ما يجوز شرعا ولكنه يجتنب عنه العقلاء و سياق الحديث لا يدل على مصطلح الفقهاء فيها.

‌وخبر عثمان بن سماعة «من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته، وكملت مروته، وظهر عدله، ووجب أخوته» في هذا الحديث جعل كمال المروة بترك المحرمات المذكورة فيها فليس مرادها المروة في مصطلح الفقهاء

‌بل و ‌قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور الذي مربنا في اليوم الماضي «وأن يكون ساترا لعيوبه» المرد من العيوب المعاصي كما يتضح عند ما نلاحظ سائر فقرات الحديث‌

اما قول صاحب الجواهر حيث قال: (إذ منافي المروة عيب، لأن مخالفتها إما لخبل أو نقصان عقل أو قلة مبالاة أو حياء، وعلى كل حال فلا ثقة بقوله ولا بفعله)،[2] لا يلازم مخالفة المروة في مصطلح الفقهاء مع ما ذكره رضوان الله عليه.

وعلى كل حال لا يوجد دليل دل على السقوط عن العدالة بمجرد مخالفة المروة في مصطلح الفقهاء نعم ان لبس لباس الشهرة او مشي فيما بين الناس بما يصير مضحكة للعقلاء و فعل ما يصدر من المجانين فهو حرام لأنه اسقاط لعرضه الا إذا كان فيها مصلحة كما فعل بهلول بإرشاد الإمام عليه السلام فرارا من القضاء و فرصة للار بالمعروف والنهي عن المنكر و تنبيه الغافلين.

فنعم ما قال صاحب الجواهر حيث قال: (بل لا يخفى على المتأمل في الأخبار المتقدمة أنها لا مدخلية لها في العدالة حيث لم تذكر في شي‌ء منها، ودعوى التلازم بينها وبين التقوى ممنوعة أشد المنع، فإن أولياء اللّٰه يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة، نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها، كما إذا لبس الفقيه مثلا لباس أقبح الجند من غير داع إلى ذلك، بل قد يقال: إنها محرمة حينئذ بالعارض، للأمر‌ بحفظ العرض. نعم بعض الأمور قبيح في بعض الأماكن وبعض الضروف وليس قبيحاً في ظروف أخرى فان رسول الله ‌روي أنه (صلى اللّٰه عليه وآله) كان يركب الحمار العاري، ويردف خلفه" وها كان من مكارم اخلاقه ولكن في هذا العصر التي تتوفر سيارات للنقل ركوب شخص محرم على الحمار العاري في الشوارع قبيح مضحك

قال السيد الخوئي: (المعروف على ما نسب إليهم أن ارتكاب خلاف المروّة مما يقدح في العدالة فيعتبر فيها أن لايرتكب المكلّف شيئاً ينافي مروّته بأن لا يرتكب ما يخالف العادة المتعارفة وما يعدّ عيباً لدى الناس، وإن لم يكن محرّماً شرعياً في نفسه كما إذا خرج أحد الأعلام حافياً إلى الأسواق أو جلس في الطرقات أو ارتكب غير ذلك مما ينافي عادة الناس. ويختلف هذا باختلاف الأماكن والبلدان، فقد يكون الخروج إلى السوق مثلًا من دون عمامة عيباً في بلد ولا يكون عيباً في بلد آخر، فمع ارتكاب ما يعدّ عيباً في ذلك المحل لا بدّ من الحكم بزوال العدالة. نعم، لا يتصف الرجل بذلك بالفسق لأنه لم يرتكب شيئاً من المحرّمات ولم ينحرف عن جادة الشرع، فلا يترتب عليه الآثار المترتبة على الفسق كما لا يترتب عليه الآثار المترتبة على العدالة).[3]

نقول ما كان منها موجباً لان يصبح مضحكة الناس وهدم عرضه فهو حرام مسقط للعدالة وما ليس هكذا فهو جائز لا يهدم العدالة فالتفصيل في كلامه غير مقبولٍ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo