< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في تعريف العدالة

قال السید المصنف رضوان الله علیه(مسألة 12): (العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر، وعن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين، ويكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن تلك الملكة).

کان بحثنا حول ما ینقض العدالة هل هو ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر او لا فرق بينهما بل مجرد ارتكاب الحرام او ترك الواجب موجب لسقوط العدالة، والسيد الخوئي اختار الرأي الثاني لا لإنكار تقسيم المعاصي الى الصغيرة والكبيرة بل استند رأيه الى ان العدالة هي الاستقامة بالعمل في جادة الشرع وكل معصية هي انحراف وميل لغة وهو خروج عن الاستقامة وليس للشارع اصطلاح غير معنى اللغوي، كما استند أيضا الى ما ورد من الأفعال في رواية عبد الله بن ابي يعفور. ونحن ناقشنا كلا الامرين وقلنا ان العدالة عند ما يستند الى الانسان نفسه فتدل على الاستقامة في النفس وهي من مقولة ملكة أي كيف نفساني وعند ما يستند الى فعل او أفعال معينة فتدل على استقامته في تلك الأفعال. وما ورد في رواية عبد الله، مشير الى طرق كشف العدالة ومعرفتها وليس تعريفا للعدالة نفسها ويتضح ذلك عند الوقوف والتأمل في دلالة تلك العبارات.

كما انه رضوان الله عليه عند ما يقيد ان يكون ترك المحرمات وفعل الواجبات لابد ان يكون بداعي الخوف من عذاب الله او رجاء رحمته فليس هذا الا الملكة فلا وجه لكلامه: (وليس هناك ما يكون ملكة وصفة نفسانية بعد ظهور أن الخوف ليس هو العدالة يقيناً حتى يتوهّم أنها من الصفات النفسانية) [1] .

ومما يؤكد ما قلناه اعترافه الصريح بقوله: (أن الاستقامة بالمعنى المتقدم يعتبر أن تكون مستمرة بأن تصير كالطبيعة الثانوية للمكلف، فالاستقامة في حين دون حين كما في شهر رمضان أو المحرّم أو غيرهما دون بقية الشهور ليست من العدالة في شي‌ء، فإن المكلف لا يكون مستقيماً بذلك في الجادة) [2] ويظهر من كلامه ان النزاع لفظي فلا فائدة للتوسع في الكلام أكثر من ذلك.

ثم هناك مناقشة بان ما يقال ان العدالة هي الاجتناب عن الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر وان الصغيرة المسر عليها كبيرة فلابد من التوبة عن الصغيرة ومن دون التوبة هي كبيرة فلا فرق بين الكبيرة والصغيرة لان الكبيرة أيضا اذا تاب المرتكب لها الى الله فيعمد مرتكبها عادلاً؟

و قول الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ﴾[3] وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [4]

والاخبار التي تعيّن الكبيرة في معاصي معينة، مفهومها ان غيرها ليست كبيرة، وما ورد في الخبر: «إن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر»‌ والجواب عنها ان عدم الإصرار اعم من التوبة لأنّ الاصرار عبارة عن بناء العبد على استمرار المعصية فالكبائر لا تكفر الا بالتوبة ولكن الصغائر يكفي لتكفيرها عدم الإصرار عليها.

ثم لابد ان نعرف ان تقسيم المعاصي الي الكبائر والصغائر مختلف فيه عند الفقهاء ونكتفي لبيان هذا المعنى بما ورد في الجواهر مشيرا الى تلك الآراء المختلفة قال في الجواهر: (أما الإصرار على الصغائر فهو مبني على أن المعاصي صغائر و كبائر كما هو المشهور، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى المتأخرين قاطبة، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى العلماء مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كالصيمري عند تفسير الكبيرة بكل ما توعد اللّٰه عليه النار ناسبا له إلى الأصحاب، و إن كان التحقيق أنه لا يلتفت إلى دعوى الإجماع في المقام، لأن القول بأن كل معصية كبيرة و أنه لا صغيرة قول معروف بين الأصحاب محكي عن المفيد و القاضي و التقي و الشيخ في العدة في البحث عن حجية خبر الواحد ناسبا له إلى الأصحاب، كالطبرسي في مجمع البيان حيث قال: «قالوا: المعاصي كلها كبائر، لكن بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر، و يستحق العقاب عليه أكثر» و أبلغ منه ما في السرائر حيث أنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في أن الذنوب على قسمين، صغائر و كبائر، قال: «هذا القول لم يذهب إليه (رحمه اللّٰه) إلا في هذا الكتاب، و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها»).[5]

سنتابع البحث في اليوم القادم ان شاء الله

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo