< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة / فی معنی العدالة

قال السید المصنف رضوان الله علیه(مسألة 12): (العدالة ملكة (1) الاجتناب عن الكبائر (2) و عن الإصرار على الصغائر (3)، و عن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين، و يكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً (4) عن تلك الملكة).

تعلیقات:

    1. قال السیدالگلپايگاني: (مع الاجتناب بل الظاهر أنّ العدالة نفس الاجتناب المذكور الناشئ عن تلك الملكة).

    2. قال السیدالخوئي: (بل هي استقامة عمليّة في جادّة الشرع بإتيان الواجبات و ترك المحرّمات كبيرة كانت أو صغيرة و أمّا ارتكاب ما ينافي المروّة فلا يضرّ بالعدالة ما لم ينطبق عليه عنوان من العناوين المحرّمة).

    3. قال الشیخ الحائري: (الأقوى أنّ ارتكاب الصغيرة كالكبيرة و إن لم يبلغ حدَّ الإصرار).

    4. قال الشیخ آل ياسين: (و كون حسن الظاهر كاشفاً تعبديّاً غير بعيد و اللّٰه العالم.).

وقال الشیخ الحائری: (الأقوى أنّ حسن الظاهر طريق شرعاً الى ثبوت الملكة و إن لم يحصل به الظنّ).

وقال السیدالحكيم: (على نحو يحصل الوثوق بها).

وقال الامام الخمینی: (حسن الظاهر كاشف تعبّدي عنها حصل الظنّ منه أو لا).

وقال السید الخوئی: (الظاهر أنّه طريق إلى العدالة و لا يعتبر فيه الظنّ الشخصي نعم هو في نفسه لا بدّ من إحرازه بالوجدان أو بطريق شرعي).

وقال السیدالگلپايگاني: (و الظاهر كفاية حسن الظاهر و إن لم يورث الظنّ فعلًا).

فی هذه المسألة طرح السيد اموراً:

أولاً: بيّن ان العدالة ملكة. ثانياً: جعل المصنف تحقُّقَ العدالة باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر. ثالثاً: جعل الاجتناب عن منافيات للمروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين، شرطا لتحقق العدالة. رابعاً: اعتبر حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن الملكة کافیا فی اثبات العدالة شرعاً.

و وقد فرغنا عن البحث فی موضوع حقیقة العدالة فیما سبق ووافقنا رأی السید والمشهور من الفقهاء فی کونها ملکة.

اما فی امر الثانی: وهو توقف العدالة على اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر فهو مورد الخلاف موضوعاً وحكماً، اما موضوعاً فان من الفقهاء من يرى بان كل المعاصي كبيرة وان ورد في القرآن: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾[1] فهي في مقام المقارنة فإنّ كل معصية كبيرة الا ان بعضها اكبر من البعض.

فمثل السيد الخوئي الذي يرى ان العدالة هي الاستقامة العملية على العمل بالواجبات والاجتناب عن المحرمات يرى ان المكلف بمجرد ما ارتكب معصية انحرف عن الجادة عملاً والخروج عن الجادة هي الخروج عن العدالة قال في الموسوعة: (ويدلنا على ذلك ملاحظة نفس العدالة بمفهومها، حيث إن ارتكاب المعصية على إطلاقها انحراف عن الجادة وتعدٍّ وطغيانٌ وخروجٌ عن زيّ العبودية، ومانعٌ عن كون مرتكبها خيّراً أو مأموناً أو عفيفاً أو غير ذلك من العناوين المتقدمة بلا فرق في ذلك بين الصغائر والكبائر)[2]

تمسك رضوان الله عليه في هذا الكلام لإثبات نقض العدالة بأول معصية بأمرين: أحدهما مفهوم اللغوي للعدالة وهي الاستقامة العملية على ما ذهب اليه. والآخر إشارة الى صحيحة عبد الله بن ابي يعفور وهي ما رواها في الوسائل عن الصدوق واليك نصها:

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع بِمَ تُعْرَفُ عَدَالَةُ الرَّجُلِ- بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَ عَلَيْهِمْ- فَقَالَ أَنْ تَعْرِفُوهُ بِالسَّتْرِ وَ الْعَفَافِ- وَ كَفِّ الْبَطْنِ وَ الْفَرْجِ وَ الْيَدِ وَ اللِّسَانِ- وَ يُعْرَفُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ- الَّتِي أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّارَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ- وَ الزِّنَا وَ الرِّبَا وَ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ- وَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ- وَ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ- أَنْ يَكُونَ سَاتِراً لِجَمِيعِ عُيُوبِهِ- حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ- مِنْ عَثَرَاتِهِ وَ عُيُوبِهِ وَ تَفْتِيشُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ- وَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَزْكِيَتُهُ وَ إِظْهَارُ عَدَالَتِهِ فِي النَّاسِ- وَ يَكُونُ مِنْهُ التَّعَاهُدُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ- إِذَا وَاظَبَ عَلَيْهِنَّ- وَ حَفِظَ مَوَاقِيتَهُنَّ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي مُصَلَّاهُمْ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ- فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَازِماً لِمُصَلَّاهُ- عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ- فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ فِي قَبِيلِهِ وَ مَحَلَّتِهِ- قَالُوا مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلَّا خَيْراً- مُوَاظِباً عَلَى الصَّلَوَاتِ- مُتَعَاهِداً لِأَوْقَاتِهَا فِي مُصَلَّاهُ- فَإِنَّ ذَلِكَ يُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَ عَدَالَتَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ سِتْرٌ وَ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ- وَ لَيْسَ يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّهُ يُصَلِّي- إِذَا كَانَ لَا يَحْضُرُ مُصَلَّاهُ- وَ يَتَعَاهَدُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ- وَ إِنَّمَا جُعِلَ الْجَمَاعَةُ وَ الِاجْتِمَاعُ إِلَى الصَّلَاةِ- لِكَيْ يُعْرَفَ مَنْ يُصَلِّي مِمَّنْ لَا يُصَلِّي- وَ مَنْ يَحْفَظُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ مِمَّنْ يُضِيعُ- وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ أَحَدٌ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى آخَرَ بِصَلَاحٍ- لِأَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي لَا صَلَاحَ لَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص هَمَّ بِأَنْ يُحْرِقَ قَوْماً فِي مَنَازِلِهِمْ- لِتَرْكِهِمُ الْحُضُورَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ- وَ قَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ- وَ كَيْفَ يُقْبَلُ شَهَادَةٌ أَوْ عَدَالَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ- مِمَّنْ جَرَى الْحُكْمُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِنْ رَسُولِهِ ص- فِيهِ الْحَرَقُ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ بِالنَّارِ وَ قَدْ كَانَ يَقُولُ:- لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ.

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أُكَيْلٍ النُّمَيْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَازِماً لِمُصَلَّاهُ إِلَى قَوْلِهِ وَ مَنْ يَحْفَظُ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ مِمَّنْ يُضِيعُ وَ أَسْقَطَ قَوْلَهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص هَمَّ بِأَنْ يُحْرِقَ إِلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ زَادَ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَا غِيبَةَ إِلَّا لِمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَ رَغِبَ عَنْ جَمَاعَتِنَا- وَ مَنْ رَغِبَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غِيبَتُهُ- وَ سَقَطَتْ بَيْنَهُمْ عَدَالَتُهُ وَ وَجَبَ هِجْرَانُهُ- وَ إِذَا رُفِعَ إِلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْذَرَهُ وَ حَذَّرَهُ- فَإِنْ حَضَرَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ- وَ إِلَّا أَحْرَقَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ- وَ مَنْ لَزِمَ جَمَاعَتَهُمْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ غِيبَتُهُ- وَ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَهُمْ.‌".[3]

ووجه الاستدلال له ان في هذه الرواية الشريفة ذكر أمورا كثيرة من الاعمال وذكر ستر جميع عيوبه والسالبة الكلية نقيضها الموجبة الجزئية فبمجرد ارتكاب معصية يخرج عن عنوانه ساترا لجميع عيوبه.

هذا الحديث عبروا السيد الخوئي وبعض الآخرين عنها بالصحيحة بينما رواه صاحب الوسائل عن الصدوق وعن الشيخ وفي كلا الطريقين علة: أما في طريق الصدوق فهو يرويها عن أحمد بن محمد ابن يحيى العطّار ولم يرد له توثيق ان محمد بن يحيى العطار فهو من الاجلاء ولكن ابنه احمد فلم يرد له توثيق صريح. وأما طريق الشيخ ففيه محمد بن موسى الهمداني وهو وإن كان ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات ومقتضى ذلك وثاقته إلّا أنه معارض بتضعيفه، لما ذكره ابن الوليد من أن الرجل كان يضع الحديث. واقدح مقدم على التوثيق سيما إذا كان التوثق شمله بعمومه والتضعيف نص فيه إذن لا يمكن الاعتماد على روايات الرجل بوجه.

وعلى فرض رفع اليد عن مناقشة سندها دلالتها على ما قلناه اقرب منها الى ما ادعاه السيد الخوئي فاللغة تساعد على ان العدالة عندما تنسب الى شخص بقول مطلق ظاهر في كونه متجنباً عن المعصية لان عنده ملكة التقوى والعدالة والحديث يشير الى ما يثبت العدالة لا الى ان تلك المذكورات هي العدالة فان ابن ابي يعفور سأل عن الامام طريق كشف العدالة فقال: بِمَ تُعْرَفُ عَدَالَةُ الرَّجُلِ؟ والامام علیه السلام اجابه أَنْ تَعْرِفُوهُ بِالسَّتْرِ وَ الْعَفَافِ الحدیث) فتلک الصفات المذکورة هي كاشفة للعدالة لا ان نفسها هي العدالة فتامل جيداً تجد قوة ما قلناه وللكلام تتمة نكون معكم يوم السبت ان شاء الله.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo