< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /مفهوم العدالة

كان بحثنا في مفهوم العدالة عند الفقهاء واهم الاقوال قولين:

أحدهما: قول المشهور وهو ما اختاره المصنف وهو: (العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر، وعن منافيات المروّة الدالّة على عدم مبالاة مرتكبها بالدين)، والملكة هي من الأمور التي قائمة بالنفس فهي من مقولة كيف النفساني.

الثاني: العدالة هي: الإتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات واجتناب المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية، فهی من مقولة الفعل ولكنها ناشئة عن الملكة.

ولكن بعضهم ذهبوا الى ان العدالة هي الاعتدال في العمل خارجاً ولا نحتاج الى الملكة منشئاً:

قال السيد الخوئي رضوان الله عليه: (أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية، وإنما هي صفة عملية لأنها في اللغة - كما عرفت - هي الاستقامة وعدم الجور، وفي الشرع هي الاستقامة في جادته وإلى ذلك أشير في جملة من الآيات المباركة كما في قوله عز من قائل: ﴿فإن خفتم أن لا تعدلوا﴾ وقوله: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء﴾ لإضافة العدالة فيهما إلى الذات بلحاظ استقامتها في جادة الشرع وتطابق أعمالها لأحكامه). (مركز الامام الخوئي في نيويورك على النت تعريف العدالة)

وقال فی تعلیقته علی العروة: (بل هي استقامة عملية في جادة الشرع بإتيان الواجبات وترك المحرّمات، كبيرة كانت أو صغيرة).

وقال فی الموسوعة بما ملخصه: المتحصل: أن العدالة ليست لها حقيقة شرعية و إنما استعملت في الكتاب و الأخبار بمعناها اللغوي أعني الاستقامة و عدم الاعوجاج و الانحراف و غاية الأمر أن موارد استعمالها مختلفة. كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية، و إنما هي صفة عملية لأنها في اللغة كما عرفت هي الاستقامة و عدم الجور، و في الشرع هي الاستقامة في جادته. و إلى ذلك أُشير في جملة من الآيات المباركة كما في قوله عزّ من قائل: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا﴾ و قوله ﴿وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسٰاءِ﴾ لإضافة العدالة فيهما إلى الذات بلحاظ استقامتها في جادة الشرع و تطابق أعمالها لأحكامه.

ثم قال: و توضيح ما ذكرناه: أن ترك المحرمات و الإتيان بالواجبات:

قد يستند إلى عدم المقتضي لفعل الحرام أو ترك الواجب،كما إذا لم تكن له قوة شهوية أو غضبية باعثة إلى فعل الحرام أو ترك الواجب، مثله ليس بسالك لجادة الشرع و إن لم يكن منحرفاً عنها أيضاً، فهو في الحقيقة خارج عن موضوع العدالة و الفسق. أما أنه ليس بعادل فلأنه لم يسلك جادة الشرع برادع عن المحرمات و الانحرافات و أما أنه ليس بفاسق فلأنه لم يخرج عن جادة الشرع بفعل المحرمات.

وقد يكون ترك المحرمات و فعل الواجبات مستنداً إلى الرادع عن المعصية مع وجود المقتضي لارتكابها، و الرادع عن ارتكاب المعصية مع وجود المقتضي لفعلها قد يكون تسلّط القوة العاقلة على العقل العملي، بمعنى أن العقل قد يكون مسيطراً على النفس سيطرة تامة فيلاحظ الأعمال الّتي يريد المكلف إصدارها، فيصدر ما هو محبوب منها للّٰه سبحانه فلا يصدر من المكلف غيره أبداً، كما حكى ذلك عن السيد الرضي (قدّس سرّه) و أنه لم يرتكب مباحاً طيلة حياته فضلًا عن الحرام و المكروه فلا يراد بالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة أو الشاهد أو الفتوى أو غيرها مما يعتبر فيه العدالة هذا المعنى بتاتاً. فإنه يختص بالأوحدي، لوضوح أن العدالة بهذا المعنى تلو مرتبة العصمة

و قد يكون الرادع عن ارتكاب المعصية مع وجود المقتضي لها رجاء الثواب أو الخوف من العقاب، و هذا المعنى من العدالة هو المراد منها في موضوع جملة من الأحكام الشرعية.

ثم إن الرادع عن ارتكاب المحرّم إذا لم يكن هو الخوف أو الرجاء، فلا يخلو إما أن يكون أمراً محرّماً في نفسه كالرياء، فقد عمل محرّماً لأن الرياء شرك عملي مبغوض لدى اللّٰه سبحانه ومن البديهي أن ذلك لا يكون من العدالة في شي.

‌وإما أن يكون أمراً مباحاً، كما إذا ردعته عن ارتكاب المحرم شرافته وجاهة لأنه لو ارتكبه سقط عن أعين الناس، و المكلف وقتئذٍ و إن لم ينحرف عن جادّة الشرع و لم يرتكب الحرام، إلّا أنه لم يسلكها بداع الخوف و سلوك مسلك العبودية، و إنما سلكها تحفظاً على شؤونه وجاهة، فهذه الصورة أيضاً خارجة عن موضوعي الفسق و العدالة و المكلف حينئذٍ ليس بعادل و لا بفاسق.

فالمتحصل: أن العدالة هي: الاستقامة في جادة الشرع بداعي الخوف من اللّٰه أو رجاء الثواب، و هي كما ترى صفة عملية و ليست من الأوصاف النفسانية بوجه لوضوح أنها هي الاستقامة في الجادة بداعي الخوف أو رجاء الثواب، و ليس هناك ما يكون ملكة و صفة نفسانية بعد ظهور أن الخوف ليس هو العدالة يقيناً حتى يتوهّم أنها من الصفات النفسانية. [1]

أقول: كما قلنا الأقوى العدالة هي ملكة او حالة قائمة بالنفس فهي من الصفات التي اذا أضيفت الى النفس تكون من مقولة الكيف النفساني واذا اضيفت الى الأفعال او الأشياء فهي من مقولة الفعل او كيف المرئي كما اذا قلت اعتدلت الشجرة او الكيف المحسوس كما تقول اعتدلت البرودة او الحرارة للجو ومثلها مثل التقوى فهي من صفات النفس ولكن الاتّقاء هو الفعل فان مثل هذه الصفات اذا اضيف الى الذات كقوله "﴿اتقوا الله﴾"، "﴿اتقوا النار﴾"، "اتقوا فراسة المؤمن" فهي فعل جوانحي فقوله: "﴿وان خفتم ان لا تعدلوا﴾" أي خفتم ان لا تعدلوا في عملكم بين النساء و لذلك لا يصدق المتقي او العادل على من اتقى شيئاً او عدلَ في قضيّةٍ ما، فان المتقي بقول مطلق هو الذي يعيش حالة التقوى في نفسه والعادل بقول مطلق هو الذي سيرته العدالة كما ان أسماء الحِرَفْ اذا نسبت الى شخص أي انه متحلي بهذه الحرفة والفن فتامل جيداً.

نعم الكاشف عن هذه الصفة هي الاعمال العادلة إذا استمر عليها، كما هو صادق في سائر الصفات أيضا كالسخاوة والشجاعة والبخل والحسد فهذه هي صفات قائمة على النفس أي من مقولة كيف النفساني، ويقال فلان سَخِىَ، او بَخِيلَ وفلان شجاع وفلان حسود فكلّها صفات نفساني وحالة قائمة بالنفس اما عند ما نقول فلان سخي بماله لصديقه او بخل عن ماله لصديقه يكون من مقوله الفعل او حَسِدَ زيدٌ عمراً، فهومن مقولة فعل الجوانحي وقس على هذا فعلل وتفعلل.

فالقول الصحيح ما عليه مشهور المتأخرين من ان العدالة ملكة باعثة الى الالتزام بإتيان الواجبات وترك المحرمات فهي صفة قائمة على النفس باعثة الى الصالحات، والعمل غير مأخوذ في حقيقتها بل العدالة تستتبع الصالحات ولذا لو فرض ان لشخص حصلت هذه الملكة لتنبّهٍ اِثر استماع موعظة او رؤية كرامة من بعض الاولياء او أي منبه فصار سببا ليقيننا انه اصبح واجدا في نفسه لتقوىً تبعثه الى الالتزام بالواجبات والاجتناب عن المحرمات، ولو لم يصدر بعد حصول العدالة عنه فعل واجب او اجتناب محرمٍ، لعدم فرصة له للعمل، فلا ينقص من عدالته شيئاً وإن شهد الطلاق في تلك الفترة يقع الطلاق صحيحاً.

وحالة الخوف والرجاء انما تلازم النفس وتستقر فيها إذا بلغ من الايمان ما يلزمه طاعة الله وترك معصيته لإنّه يخاف الله ويعبَّر من هذه الحالة بالعدالة فهو رضوان الله عليه كرّ الى ما فرّ فتأمل جيداً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo