< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

44/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /في مفهوم العدالة

 

نشکر الله تعالى على ان وفقنا لسنة جديدة لأن نكون بخدمتكم لمتابعة بحثنا من حيث عطلنا البحث بمناسبة دخول الصيف وارتفاع الحرارة، كذلك أيام محرم وصفر التي تحتوي على ذكرى مصيبة اهل البيت عليهم السلام ولا سيما المصيبة العظمى لمولانا أبا عبد الله الحسين عليه السلام، نثمِّن منها المسيرة الاربعينية الكبرى التي هي كرامة من الله للحسين عليه السلام و فرصة لإحياء نهجهم في مسير الحياة ونقتفي اثرهم في ذلك ونستثمر منها نظير ما اثمرت مسيرة سبايا آل رسول الله صلى الله عليه واله بعد مقتل مولانا الحسين فنحن أيضا مكلفون بنشر رسالات ملحمة عاشوراء التي فيها حياة الدين وحياة المجتمع بحياته. تقبل الله عن الجميع وجعلنا الله من الأوفياء في كوننا سلما لن سالمهم وحربا لمن حاربهم في هذا العصر وفي كل عصر ومصر.

كان بحثنا في صلاة الجماعة ووصلنا الى شرائط الامام في محاضرتنا الرقم 237 فأكملنا بحثنا في اشتراط البلوغ والعقل والايمان ثم في بحثنا الرقم 242 تناولنا البحث عن شرط العدالة و استغرق بحثنا في العدالة اربعة محاضرات تناولت البحث مفهوم العدالة وادلة اشتراطها في امام الجماعة فلا نعود الى ما فرغنا عنه وانما نذكر نتيجة بحثنا هناك في تعريف العدالة لما فيه من الفائدة الكبيرة في كثير من الأبواب، فنقول: قال السيد اليزدي رضوان الله عليه:

(فصل في شرائط إمام الجماعة يشترط فيه أُمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة الخ)

وبحثنا بالتفصيل حول هذه الشروط الأربعة فتناولنا تعريف العدالة بالبحث فنود أن نشير الى اختلاف الكلمات في تفسير العدالة:

.1- منها: ما نسب إلى مشهور المتأخرين حيث جعلوا العدالة ما هو قائم بنفس الإنسان بتعابير مختلفة من انّها ملكة، أو هيئة راسخة، أو حالة، أو كيفية باعثة الى اتيان الواجبات وترك المعاصي والمحرمات. فالعدالة عندهم من مقولة الكيف النفساني للمكلف. قال المصنف في تعريف العدالة: (العدالة ملكة الاجتناب عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر وعن منافيات المروّة)

.2- منها: أن العدالة هي الاتيان بالأعمال الخارجية من الواجبات وترك المحرمات الناشي عن الملكة النفسانية فهي - على ذلك - أمر عملي، وليست من الصفات النفسانية، وإن كان ذلك العمل مسببا عن الصفة النفسانية، قالوا: أن العدالة زائداً على ما بيّناه من العمل والاستقامة في سلوك جادة الشرع، يعتبر فيها أن يستند العمل إلى الملكة النفسانية بأن تدعو المكلف إليه و تبعثه على ملازمة الطاعة و ترك المعصية، فالعمل المجرّد من الملكة، لا يكون من العدالة في شي‌ء، و حيث إن الملكة من الصفات النفسانية و الأُمور غير المحسوسة فلا مناص من أن نستكشفها بما جعله الشارع معرّفاً إلى وجودها و كاشفاً عنها من حسن الظاهر أو غيره

والفارق بين القولين ان في الأول العدالة سبب والاعمال مسبب لها، وفي الثاني العدالة هي المسبب أي الاعمال الصالحة وسببها الصفة القائمة بالنفس. وفي كلا الوجهين تلازم بين الفعل القائم بالجوارح والصفة القائمة بالنفس فالمعتبرة هي الملكة المتلبسة بإتيان الواجبات وترك المحرمات.

.3- منها: أن العدالة نفس الأعمال الخارجية من فعل الواجبات وترك المحرمات من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها فالعدالة هي الاستقامة - عملا - في جادة الشرع وعدم الجور والانحراف عنها يمينا ولا شمالا.

ويرد عليه: ان العدالة بهذا المعنى تشمل ما إذا كانت الاستقامة رياء ونفاقاً او خوفاً او طمعاً وهذا امر لا يمكن الالتزام به. لأنه يلزم منه القول بعدالة فاسق مسجون لا يستطيع ترك المحرمات ويجبر على إتيان الواجبات. كذلك يلزم منه القول بعدالة منافق يأتي بالواجبات رياء ويترك المحرمات رياء وخوفا عن الناس. وهو واضح البطلان.

.4- منها: أن العدالة هي الاسلام وعدم ظهور الفسق في الخارج، ولو كان لعدم المعاشرة معه وعلى ذلك لا بد من الحكم بعدالة أكثر المسلمين، وهذا التعريف يبطل نفسه بنفسه لان فيه فرض وجود فسق لم يظهر للآخرين.

.5- منها: أن العدالة هي حسن الظاهر فحسب، فيتوقف احرازها على المعاشرة في الجملة ولو برؤيته آتيا بالواجبات وغير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثا أو أكثر هذا. وفي هذا القول نفس الاشكال الذي كان في وجه الرابع.

والواقع لابد ان نحمل كلام القائل بحسن الظاهر، والقائل بالإسلام مع عدم ظهور الفسق في تعريف العدالة، على ان مرادهم بيان محرز العدالة لا أنهما العدالة نفسها، لان من يرتكب المعاصي وهو مصر عليها فاسق قطعاً، فلا معنى ان نقول هو عادل إذا كان له حسن الظاهر وكم من منافق فاسق باطنا متحفظ على جاهه ومقامه لدى الناس فهو مع أنه حسن الظاهر محكوم بالفسق - في الواقع - لارتكابه المعاصي، ولا مساغ للحكم بعدالته لأنه يستلزم منه الجمع بين المتقابلين.

فلابد ان نقول ان حسن الظاهر او الإسلام مع عدم ظهور فسق منه، طريقان ومعرِّفان للعدالة، لا أنهما العدالة نفسها. فمثلهما مثل الأصول العملية لإثبات مؤداها كأصالة الحل والطهارة وحمل عمل المؤمن على الصحيح وغيرها من الأصول والامارات فهي بمنزلة العلم تعبداً.

فكذلك حسن الظاهر او الإسلام مع عدم ظهور الفسق كاشف تعبدي عن ملكة قائمة على نفس المكلف الداعية إلى اتيان الواجبات وترك المحرمات. او هي نفس إتيان الواجبات وترك المحرمات الناشئتين عن الملكة.

وللبحث تتمة نذكرها غدا ان شاء الله

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo