< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/08/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم متابعة المأموم لافعال الامام

كان بحثنا في (مسألة 8): وجوب المتابعة تعبّديّ و ليس شرطاً في الصحّة، فلو تقدّم أو تأخّر فاحشاً عمداً أثم، و لكن صلاته صحيحة ، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة، خصوصاً إذا كان التخلّف في ركنين، بل في ركن، نعم لو تقدّم أو تأخّر على وجه تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته).

بعد ما تحدّثنا حول الأقوال في المسألة من الوجوب التعبدي الصرف والوجوب الشرطي لصحة الصلاة، والوجوب الشرطي لصحة الجماعة،و قول المحقق الهمداني بالوجوب الشرطي لصحة اجزاء الصلاة جماعة والاثم على التشريع للبقاء على نية الجماعة في هذا الجزء ومناقشة السيد الخوئي له بتفصيل بيناه في الجلسة السابقة و لا نعود اليه.

ثم تدرجنا على مقالة السيد الخوئي رضوان الله عليه في رده على الوجوب الشرطي لنفس الصلاة. بإنكار وجود دليل عليه، ثم تطرق سماحته بالرد على القول بالوجوب التعبدي فقال:

(و أمّا الوجوب التعبّدي المنسوب إلى المشهور سواء صحّت النسبة أم لا فلم نعرف له وجهاً أيضاً، فانّا إذا بنينا على أنّ ترك المتابعة و التقدّم على الإمام في بعض الأفعال، لا يضر بالائتمام، أو يضرّ و لكن غايته الانقلاب إلى الفرادى و لا مانع من نيّة الانفراد في الأثناء و أنّ المكلف مخيّر بين الجماعة و الفرادى بقاء كما كان مخيّراً بينهما حدوثاً، فما هو المقتضي بعدئذ للوجوب التعبّدي؟) [1]

أقول: يمكن المناقشة في هذا الكلام بان قولكم : (و أنّ المكلف مخيّر بين الجماعة و الفرادى بقاء كما كان مخيّراً بينهما حدوثاً) اول الكلام، لان كثير من الفقهاء يرون عدم جواز الانفصال من الجماعة لغير عذر ولا منافات بين استحباب الشيء حدوثا و وجوبه بقاءاً كما في قضية العمرة المفردة المكررة فمن احرم بالعمرة يجب عليه اتمام مناسكها وهذا جاري في الحج الاستحبابي ايضاً. حتى من عصى ولم يكتمل بعض المناسك مما له زمان معين عليه ان يعود الى المكة في سنة التي تليها لاكمال ما تركها من الاعمال او اعادة الحج او العمرة في السنوات القابلة.

ثم ان السيد الحكيم رضوان الله عليه اثبت وجوب المتابعة التعبدي دون الشرطي‌ مستدلا بقوله: (أنك عرفت الإشارة الى أن المستفاد من النبوي الأول (اي قوله ص انما جعل الامام اماما ليؤتم به) أن الإمامة من الاعتبارات المجعولة للإمام، يجعلها له المأموم بلحاظ الأفعال الصلاتية- من قيام و قعود و ركوع و سجود- كسائر الأمور الاعتبارية،مثل القضاوة و الوكالة و الولاية المجعولة للقاضي و الوكيل و الولي. فإذا جعل المأموم الإمام إماماً له في الركوع- مثلا- كان مقتضى إمامته له فيه متابعته له فيه. و هذه المتابعة هي المعبر عنها بالائتمام، إذا لائتمام هو الجري على مقتضى الإمامة- و هو المتابعة- فلو لم يتابعه فيه كان جاريا على خلاف إمامته، و لم يكن مؤتماً به. فاذا كان جعل الإمامة بيد المأموم، و كان نافذاً صحيحا، لم يكن معنى لصحته و نفوذه إلا وجوب المتابعة له، فاذا لم تجب المتابعة لم يكن معنى لصحته، كما في سائر الإنشائيات المجعولة. و لا سيما مع ظهور التسالم عليه بل في المدارك: أنه مجمع عليه بين الأصحاب).(مستمسك العروة ج7ص266)

ان السيد الخوئي رد على هذا الدليل بقوله: (انّ دليل الإمضاء لا يقتضي إلّا جواز المضيّ، لا وجوبه كيف و الجماعة مستحبّة لا واجبة، فصحّة الجعل المزبور و نفوذه في نظر الشارع لا تستدعي أكثر من جواز المشي على طبقه دون الوجوب، و لهذا كان الانفراد في الأثناء جائزاً حسب الفرض. فاذا بنينا على جواز نيّة الانفراد و أنّه مخيّر بين البقاء على الجماعة أو العدول إلى الفرادى أثناء الصلاة كما كان مخيّراً بينهما من الأوّل، أو قلنا بأنّ التخلّف و ترك المتابعة في بعض الأفعال لا يضرّ بالجماعة، فأيّ موجب بعد هذا للالتزام بالوجوب التعبّدي الشرعي).[2]

اقول: ان ما رد به السيد الخوئي لهذا الدليل مقبول لو كان الدليل مجرد النبوي ولكن بما عندنا روايات كثيرة ذكرناها وهي مشعر بوجوب الملازمة للامام والنهي عن ترك المتابعة ولو في بعض الافعال فيستفيد منها وجوب المتابعة تعبداً.

اما بالنسبة الى صحة الجماعة فيمكن التفصيل بين الاجزاء والكل بان نقول: ان عنوان الجماعة متوقفة على متابعة المأموم لمعظم افعال الصلاة كما قلنا ذلك في مبحث الصحيح والاعم من ان المشتق موضوع للأعم، والجماعة تحصل لصلاة المأموم سواء تابع الامام في كل الافعال او في جلها ولكن الادلة التي اشرنا اليها التي دلت على لزوم متابعة المأموم للامام في جميع افعال صلاته ولكن صحة الصلاة موقوفة على متابعة جلها. فيستفاد من تلك الادلة ورعاية عنوان الجماعة انه يجب على المأموم متابعة افعال الامام ولا يتركها استهانة بها و لكن ما يتوقف به صحة الجماعة هو متابعته لمعظم اجزاء الصلاة حتى يحتفظ بها عنوان الجماعة. وهذا الذي اراد المصنف في فتواه قي هذه المسألة.

ثم ان لسيد الخوئي رأي في هذه المسألة مبتني على ما اختاره سابقاً: من القول بعدم حرمة نقض الفريضة من دون عذر، وعدم حرمة الخروج من الجماعة الى الفرادى من دون عذر، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: يرى ان صلاة الجماعة هي المتابعة في جميع افعال الصلاة فمن كان ناوياً لمتابعة الامام في قسم من الصلاة كركعتين او ثلاث ركعات لا تنعقد له الجماعة من اول الامر وفيما نحن فيه يرى لزوم نية المتابعة في جميع اجزاء الصلاة فلو كان من نيته التخلف في بعضها او لم يعمم نيته لكل الأجزاء فليس في الجماعة وعليه ان يأتي بوظيفة المنفرد وبعبارة اخرى يرى ان نية الجماعة تشمل جميع اجزاء الصلاة كعام مجموعي لا كعام استغراقي فلا ينحل وجوب المتابعة على كل جزء جزء بل انها تشمل الصلاة ككتلة واحدة او كواحد لا يتجزء.

ولذا قال في أخر مطاف بحثه: (و قد اتّضح من جميع ما سردناه أنّ الأقوى هو القول بالوجوب الشرطي لصحّة الجماعة كما ظهر وجهه ممّا مرّ، فإنّ المتابعة مأخوذة في مفهوم الائتمام فلو خالف و تقدّم في جزء فمعناه أنّه لم يتابع في هذا الفعل، فلم يتابع في مجموع الصلاة، و مقتضاه بطلان الجماعة لفقدان شرطها، فطبعاً تنقلب الصلاة فرادى. و قد عرفت أنّ نيّة الانفراد في الأثناء غير ضائرة، كما عرفت أنّ ترك المتابعة غير قادح في صحّة الصلاة نفسها. و على تقدير الشكّ فيدفع بأصالة البراءة كما سبق. فهذا القول هو المتعيّن).[3]

وهذه المسألة كانت تطلب الوقوف عندها اكثر ولكن بما ان اليوم آخر يوم دراسي قبل شهر رمضان فنكتفي بما قلناه ومن أراد التوسع في البحث فليراجع الى اقوال الفقهاء ومناقشاتهم والتأمل فيها أكثر.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo