< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم متابعة المأموم للامام

كان بحثنا في (مسألة 8): وجوب المتابعة تعبّديّ و ليس شرطاً في الصحّة، فلو تقدّم أو تأخّر فاحشاً عمداً أثم، و لكن صلاته صحيحة ، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة، خصوصاً إذا كان التخلّف في ركنين، بل في ركن، نعم لو تقدّم أو تأخّر على وجه تذهب به هيئة الجماعة بطلت جماعته). فذكرنا للقول بوجوب المتابعة اجمالا ستة أدلة وكنّا في الدليل السادس فذكرنا موثقتين دلَّتا على وجوب متابعة المأموم للإمام في افعال الصلاة وهما كانتا مطلقتان فشملتا حالة التقية وغيرها.

قد يقال فيهما قرينة على كونهما في مورد التقية وهي قول زرارة في موثقته: "أَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ- فَأَفْرُغُ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ" فهو كان يصلي وراء من لم يقتد به وانما كان يتابعه ظاهراً، ومثله في موثقة عُمَرَ بْنِ أَبِي شُعْبَةَ حيث سأل: "أَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ- فَأَفْرُغُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ" فقراءة السائل في ظرف قراءة الامام كاشف عن عدم نيتهما للجماعة.

ولكن يرد على هذا الاحتمال بان نقول: قد يكون وظيفة المأموم القراءة في ظرف يقرأ الإمام ايضاً، كالجهرية التي لا يسمع المأموم صوت الامام، او الإخفاتية على رأي من يرى جواز القراءة فيها، او في المأموم المسبوق الذي هو في الاولى او الثانية، والامام في ركتي الأخيرة ومادام يمكن الاخذ بجدية الكلام في بيان الحكم الاولي لا يجوز حمله على التقية.

هناك روايتان اخريان ذكرهما في الوسائل في نفس الباب وهما في مورد التقية:

أحداهما: ما رواه الكليني عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَمَّنْ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا أَقْتَدِي بِهِ- فَإِذَا فَرَغْتُ مِنْ قِرَاءَتِي وَ لَمْ يَفْرُغْ هُوَ؟- قَالَ فَسَبِّحْ حَتَّى يَفْرُغَ".[1]

في سنده ارسال لان الراوي عن الامام مجهول.

اما الدلالة فقول السائل: "اصلي خلف من لا اقتدي به" يعني لا ارى جواز الاقتداء به وقد اضطر الى الاقتداء. والامام امره بالتسبيح حتى يفرغ الامام من القراءة والامر ظاهر في الوجوب. ولكن الوجوب في ظرف التقية. وانما مشكلتها ضعف السند.

و الثانية : ما رواه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ عِنْدَنَا مُصَلًّى لَا نُصَلِّي فِيهِ- وَ أَهْلُهُ نُصَّابٌ وَ إِمَامُهُمْ مُخَالِفٌ فَآتَمُّ بِهِ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ إِنْ قَرَأَ أَقْرَأُ خَلْفَهُ قَالَ نَعَمْ- قُلْتُ فَإِنْ نَفِدَتِ السُّورَةُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ- قَالَ سَبِّحْ وَ كَبِّرْ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقُنُوتِ وَ كَبِّرْ وَ هَلِّلْ).[2]

في السند احمد بن محمد البرقي هو احمد بن ابي عبدالله صاحب المحاسن وعشرات من الكتب في موضوعات شتى وهو موثق لا باس به وانما هو متهم بالنقل من الضعفاء كثيرا وهذا لا يسقطه عن الوثاقة، نعم المروي عنه ليس له قيمة، بخلاف من روى عنه مثل ابن ابي عمير الذي قيل في حقه لا يرسل ولا يروي الا عن ثقة، وعلى كل حال سندهذا الحديث جيد لا باس به، فانه روى عن ابيه عن صفوان وهو ابن مهران الجمال: و هو الذي وثقه النجاشي وقال فيه المفيد في الارشاد:

(ان صفوان بن مهران الجمال من شيوخ اصحاب أبي عبد الله عليه السلام وخاصته و بطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمهم الله تعالى)[3]

وهناك قصة لصفوان المعروفة ولكن أودّ أن اقرء عليكم نصها لما فيها من العبرة:

روى الكشي بسنده عن حسن ابن علي بن فضال قال حدثني صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على ابي الحسن الاول عليه السلام فقال لي: يا صفوان: كل شيء منك حسن جميل ماخلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك اي شيء؟ قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون، قلت: والله ما اكريته اشرا ولا بطرا ولا لصيد ولا للهو ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة و لا اتولاه بنفسي ولكني أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال فقال لي: أتحب بقاهم حتى يخرج كراك؟ قلت نعم، قال: فمن أحب بقاهم فهو منهم ومن كان منهم كان ورد النار.

قال: فهبت و بعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك الى هارون فدعاني فقال: يا صفوان بلغني انك بعت جمالك؟ قلت نعم، فقال: لم؟ قلت أنا شيخ كبير و ان الغلمان لا يفون بالاعمال، فقال هيهات ايهات اني لأعلم من أشار اليك بها، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت ما لي ولموسى بن جعفر؟ قال دع هذا عنك فوالله لو لا حسن صحبتك لقتلتك).[4]

فهتان الروايتان تدلان على لزوم المتابعة في حال التقية واثبات الشيء لا ينفي ماعداه ولا تعارضان الروايتين المطلقتين.

ويمكن ان نقول فيهما اشعار بالوجوب حيث يظهر منهما ان الالتزام بمرافقة الامام في الافعال كان امرا مفروغاً، وانما وجه سؤالهم لعدم نيتهم الجماعة، فالامام عليه السلام امرهم في هذا الحال بأن يحتفظوا صورة الجماعة، فلو كان اقتدائهم جاداً كان عليهم ان يتابعوا الامام لصحة جماعتهم فتأمل جيداً.

الى هنا فرغنا عما يستدل على وجوب المتابعة و نحن ولو ناقشنا دلالة مفردات الادلة ولكن مجموعها يورث نوعاً من الاطمئنان بان صحة الجماعة مشروطة بالمتابعة في الاقوال، ومن تعمد في تقدّمه على الامام في افعاله بطلت جماعته، فاذا نوى الفرادى وأكمل صلاته فرادى فصلاته صحيحة ومن بقي على نية الجماعة وأخلّ بوظيفة المنفرد فصلاته ايضا باطلة.

قال في الجواهر بعد ما اشار الى ادلة: (فمن العجيب ما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من انحصار دليل الأصحاب بعد دعوى الإجماع في النبوي العامي حتى أن بعض مشايخنا قال: إنه الأصل في هذا الباب).[5]

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo