< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /كلام سيد الخوئي في عدم جزئية المستحبات للصلاة ومناقشته

كان بحثنا في الفرع الرابع من المسألة الاولى من احكام صلاة الجماعة حيث قال السيد رضوان الله عليه: (و أمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة جاز له القراءة، بل الاستحباب قويّ، لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنيّة الجزئيّة، و إن كان الأقوى الجواز بقصد الجزئيّة أيضاً)

في يوم الماضي و بعد المرور ومناقشة ادلة كل فريق استخلصنا القول باستحباب القراءة وفاقا للمصنف، ولكن للسيد الخوئي رضوان الله عليه رأي خاص في المسألة على مبنىً اختاره في علم الاصول نذكر هنا نص كلامه حتى لا نبخسه بشيء قال رضوان الله عليه:

(و التحقيق: أنّ القول بالإباحة ساقط، و لا يمكن المصير إليه في المقام،.... و أنّها متى جازت كانت مستحبة بأمر عباديّ استقلاليّ ظرفه الواجب. و توضيح المقام: أنّا قد ذكرنا في الأُصول في بحث الصحيح و الأعم أنّ التركيب بين أجزاء الصلاة ليس تركيباً حقيقياً، لأنّها مؤلّفة من ماهيات مختلفة و مقولات متباينة، فبعضها من مقولة الكيف المسموع كالتكبير و القراءة، و بعضها من مقولة الوضع كالركوع و السجود و هكذا، و لا جامع ماهوي بين المقولات المتأصّلة بالضرورة.

و إنّما التركيب بينها اعتباري محض، فلاحظَ الشارعُ الطبيعة المؤلّفة من المقولات المتشتّتة و اعتبرها شيئاً واحداً في عالم اللحاظ و الاعتبار. فكلّ ما اعتبره في الطبيعة كان جزءاً منها مقوّماً لها و إلّا كان خارجاً عنها، و لأجل ذلك امتنع اتّصاف الجزء بالاستحباب فضلًا عن الإباحة، إذ مقتضى الجزئية الدخل في الطبيعة و تقوّمها بها، و مقتضى الاستحباب جواز الترك المساوق لعدم الدخل، فكيف يجتمعان. هذا حال الطبيعة نفسها.

و كذا الفرد، إذ لا يتّصف شي‌ء بكونه فرداً للطبيعة إلّا إذا أُضيف إليها و لا تكاد تتحقّق الإضافة إلّا إذا كان مصداقاً للطبيعة بانطباقها بشراشر أجزائها عليه و مطابقتها معه في كلّ ما يشتمل عليه، فينطبق التكبير على التكبير الخارجي، و مثله الركوع و السجود، و هكذا إلى نهاية الأجزاء المعتبرة في الطبيعة، فلا يزيد الفرد عليها بشي‌ء. فكلّ ما هو جزء للفرد جزء للطبيعة و ما ليس جزءاً لها لم يكن جزءاً للفرد أيضاً و إن اقترن معه خارجاً، فجزء الفرد من الطبيعة لا يكون إلّا جزءاً لنفس الطبيعة لا محالة. و ممّا ذكرنا تعرف أنّ القراءة في المقام بعد أن لم تكن واجبة حسب الفرض فهي ليست بجزء لا للطبيعة و لا للفرد، فلا معنى للقول بأنّها جزء مباح من الصلاة لا توجب أفضلية الفرد المشتمل عليها من الفرد الخالي عنها، أو جزء‌ مستحب يوجب أفضلية الفرد المشتمل من الفرد الخالي.

و لا يقاس ذلك بسائر الملابسات التي يتّصف بها الفرد المحكومة بالإباحة تارة و بالاستحباب أو الكراهة أُخرى، نظير الماهية التشكيكية المنطبقة على المرتبة القويّة مرّة و الضعيفة اخرى كالصلاة في الدار أو في المسجد أو الحمام ضرورة أنّ خصوصية المكان أو الزمان من ملابسات وجود الفرد و ملازماته و مقارناته التي لا ينفكّ عنها خارجاً. فهي ملازمة للوجود، لا جزء من الموجود، فيمكن أن توجب المزيّة تارة و النقيصة أُخرى، أو لا هذا و لا ذاك فيحكم عليه بالإباحة. و أين هذا من القراءة أو القنوت أو الذكر الزائد على الأذكار المعتبرة في الركوع أو السجود و نحوها ممّا لا يتقوّم به الفرد في تحقّقه، بل قد يكون و قد لا يكون.و على الجملة: فجزئية هذه الأُمور للفرد أو الطبيعة مع فرض استحبابها فضلًا عن الإباحة أمر غير معقول. فما يقال من أنّه بناءً على مشروعية القراءة و لو على القول بالإباحة لا مانع من الإتيان بها بقصد الجزئية و الوجوب، فإنّها و إن لم تكن جزءاً من الماهية الواجبة لكنّها جزء من الفرد الذي تنطبق الماهية الواجبة عليه بتمام أجزائه التي منها القراءة، فتتّصف بالوجوب بعين اتّصاف سائر أجزاء الصلاة. في غاية الضعف. و ليت شعري كيف تنطبق الطبيعة غير الملحوظ فيها القراءة حسب الفرض على الفرد المشتمل عليها بوصف الاشتمال، و هل هناك معنى للانطباق الذي هو مناط اتّصاف الفرد بكونه فرداً للطبيعة كما عرفت عدا تطبيق الطبيعة الواجبة بما لَها من الأجزاء على الموجود الخارجي بما لَه من الأجزاء. فمع الاعتراف بعدم الدخل في الطبيعة و الماهية المأمور بها كيف يمكن دعوى انطباقها على الفرد المشتمل على ما لا يكون جزءاً من الطبيعة حتّى يمكن الإتيان بالقراءة بقصد الوجوب و الجزئية.و ملخّص الكلام: أنّا لا نعقل التوفيق بين الجزئية و بين الإباحة أو الاستحباب، سواء أُريد بها الجزئية للطبيعة أم للفرد. نعم، بعد أن رخّص الشارع في إتيان شي‌ء في الصلاة بعنوان أنّها صلاة و كان مسانخاً لأجزائها كما في المقام، فبما أنّ الصلاة عبادة كان الشي‌ء المرخّص فيها أيضاً عباديا بحسب الفهم العرفي، فيكون محبوباً و مأموراً به لا محالة لتقوّم العبادة بالأمر. فالجواز و الترخيص مساوق للاستحباب في خصوص المقام. و حيث قد عرفت المنافاة بين الجزئية و بين الاستحباب فلا مناص من الالتزام بكونه مأموراً به بأمر استحبابي استقلالي، غاية الأمر أنّ موطنه و ظرفه الصلاة كما في القنوت، و كذا القراءة في المقام و الأذكار المستحبّة في الركوع و السجود.

و بذلك تمتاز هذه الأُمور عن مثل التصدّق في الصلاة، فإنّه و إن كان مستحبّاً أيضاً لكنّه لا يختصّ بالصلاة، و لا يرتبط بها. فهو و التصدّق خارج الصلاة على حدّ سواء، بخلاف تلك الأُمور فإنّها بما هي كذلك وظائف مقررة حال الصلاة، و مربوطة بها ارتباط المظروف بظرفه. و هذا هو المراد من الجزء المستحب، و لا نعقل له معنى صحيحاً وراء ذلك. فاتّضح من جميع ما قدّمناه أنّ الأقوى استحباب القراءة في المقام كما اختاره في المتن، و جواز الإتيان بها بقصد الجزئية بالمعنى الذي ذكرناه.[1]

لنا ملاحظ في كلامه وهي: ان نسبة المقولات فيما بينها من النسب الاربعة ليس التضاد ولا التعارض ولا التماثل، بل النسبة بينها هي نسبة التخالف، فالضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يجتمعان والمثلان لا يجتمعان ولكن المتخالفان يجتمعان بل دائما يقترن بعضها ببعض سواء في عالم الخارج او عالم الاعتبار والطبعية، من باب المثال: قاعة المحاضرات لها اجزاء هي مقومات لتحقق عنوان قاعة المحاضرات فلا تتحقق الا بوجودها و ولها اجزاء كمالية مقومات لكمالها ولها اجزاء وجودها وعدمها سواء ولها اجزاء تكون نقصا لها بحيث عدمها افضل من وجودها هذا في عالم التصور والطبيعة الكلية لقاعة المحاضرات. و في المصاديق يكون الامر كما في الطبيعة ولكن الطبيعة لا وجود لها الا في ضمن المصاديق الخارجية

فهذه القاعة من مقولة الجسم وقد تقارن مع مقولات الكم والكيف والاين و متى والإضافة والوضع و الفعل والانفعال والجدة. واجزاءها كذلك بعضها مقومات لعنوان القاعة كالجدران و السقف وبعضها ليس مقوما للعنوان كالبيبان و الاضواء ولكنها مطلوبات قطعية لصاحب البناء و بعضها اجزاء كمالية ليست ضرورية للانتفاع منها وقد يتسامح صاحب القاعة في وجودها و قد لا يهمه وجودها او عدمها ولكن لو وجد يعتبر جزءا من هذه القاعة كبعض النقوش المناسبة على السقف او الجدران. واحيانا بعض الاجزاء او المواصفات امور غير مرغوبة ولكن يتسامح فيها مثل وجود بعض الاعمدة في وسط القاعة ما لم يخل بعنوان القاعة ففي جميع الموارد هذه القاعة مصداق للطبيعة سواء كان فاقدا للاجزاء والمواصفات الكمالية او واجدا لها او واجدا لما عدمه احسن من وجوده ولكنه لا يضر بالمطلوب . وفي الصلاة تنطبق هذه الخصيصة فبعض اجزائها مقومات لعنوانها و بعضها مكملات و محسنات لها وبعضها مما لا يضر ولا ينفع وبعضها يمكن ان يكون عدمها احسن من وجودها ولكن هي لا تضر بالمقصود من الصلاة فطبيعة الصلاة منطبقة على جميع هذه المصاديق. فتنوع المقولات التي شكلت منها الصلاة لا ينافي كونها باجمعها مصداقا لها خصوصا في باب الاعتبار فانه اوسع واسهل نطاقا من عالم المادة والخارج. نعم إن كان شبهتكم التضاد بين الاحكام الخمسة التكليفية فنقول يجوز ان يختلف الاحكام باختلاف الحيثيات فالصلاة ككتلة واحدة مصداق لفريضة الظهر او المغرب مثلاً. والقنوت مستحب بعنوانه ففريضة الظهر مركب من اجزاء واجبة واجزاء مستحبة فللعبد ان يختار الحد الادنى من الطاعة وهو الاكتفاء بالواجبات ويجوز له ان يختار الحد الاعلى في الطاعة وهو الاتيان بصلاة واجدة لجميع اجزائها الواجبة والمستحبة وله الفضل بذلك و هذا الامر ساري في العرف ايضا في امتثال مطالب مواليهم ورؤسائهم فتدبر جيداً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo