< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم القراءة للماموم في الجهرية اذا لم يسمع صوت الامام

كان بحثنا في الفرع الرابع من المسألة الاولى من احكام صلاة الجماعة حيث قال السيد رضوان الله عليه: (و أمّا إذا لم يسمع حتّى الهمهمة جاز له القراءة، بل الاستحباب قويّ، لكن الأحوط القراءة بقصد القربة المطلقة لا بنيّة الجزئيّة، و إن كان الأقوى الجواز بقصد الجزئيّة أيضاً)

في اليوم الماضي ذكرنا مقالة من ذهب الى اباحة القراءة للماموم اذا لم يسمع صوت الامام في الجهرية بحجة حمل ما ورد من الامر بالقراءة على الترخيص لكونها في مورد توهم الحظر، نعم ان صاحب الرياض برّرَ القول بالاستحباب من خلال قاعدة التسامح في ادلة السنن اذا قلنا بها و قلنا بان التسامح يشتمل السند والدلالة ايضاً، لانه ولو وقع الامر في مورد توهم الحظر ولكن يبقى احتمال بيان المطلوبية عند المولى في اوامره.

كذلك: ان صاحب الجواهر ذكر وجها للقول بكراهة القراءة في الجهرية اذا لم يسمع الماموم صوت الامام، و اليك ملخص مفاد كلامه ببيان منّا: ان الروايات في الباب على ثلاثة طوائف:

منها الآمرة بالقراءة كما في صحيحة الحلبي وصحيحة ابن الحجاج فورد فيهما: "و لم تسمع فاقرأ" وصحيحة قتيبة ورد فيها: "فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك" وما الى ذلك من الروايات.

ومنها مرخصة للقراءة وعدمه اي تُخيّر بينهما كصحيحة علي بن يقطين حيث ورد فيها: "لا بأس إن صمت و إن قرأ" وما شابهها من الروايات.

ومنها ناهية عن القراءة كصحيحة الحلبي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِذَا صَلَّيْتَ خَلْفَ إِمَامٍ تَأْتَمُّ بِهِ- فَلَا تَقْرَأْ خَلْفَهُ سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ أَوْ لَمْ تَسْمَعْ"[1] . فهي اما باطلاقها تشمل الجهرية واما ظاهرة في الجهرية لمكان توقع السماع في لسان الحديث، فتشمل على كل حال لمانحن فيه، فالجمع بين هذه الطوائف الثلاثة يقتضي القول بكراهتها، لانّ الآمرة بالقراءة تحمل على رفع الحظر لانّها واردة في مورد توهّم الحظر، كما بيناه آنفاً، فتبقى روايات المرخصة للقراءة المخيرة بين القراءة وعدمها من جانبٍ، وروايات الناهية عن القراءة من جانب آخر، والجمع بينهما يقتضي رفع اليد عن ظهور الناهية في التحريم وحملها على النهي التنزيهي رعاية للروايات المرخِّصة و النهي التنزيهي مفاده الكراهة.

ثم انه رضوان الله عليه بعد حمل الرواية الناهية على خصوص الاخفاتية يستخلص كلامه ويقول: (و على كل حال فلا ريب أن الترك أحوط و إن كان القول بالحرمة في غاية الضعف، بل القول بالندب لا يخلو من قوة، خصوصا بعد فرض قطع النظر عن احتمال الحرمة و مراعاة قاعدة التسامح و إن كان يعارضها فيها احتمال الكراهة إلا أنه أقوى منها و من الإباحة هنا نصا و فتوى)،[2]

هناك اشكال آخر اوردوا على القول بالاباحة مضمونه بعبارة منّا: ان العبادة لا يمكن خلوها من الاستحباب فكل عبادة صحيحة لابد وهي مستحبة ايضا لانها مقرِّبة الى المولى ولا يمكن التقرّب اليه الا بما هو مطلوب له تعالى.

واجيب عن هذه الشبهة بان الذي لابد ان يكون مستحبّاً ومقرِّباً الى المولى هو مجموع العبادة بصورتها الجمعى دون أجزائها، فيكتفى حينئذ برجحان الجملة، فكما يتصور جزء المندوب للواجب، كالصلاة الفريضة فهي واجبة بمجموع اجزاءها كالعام المجموعي و في نفس الوقت قنوتها ليس واجبا بل هو مستحب. نعم ان تضاد الاحكام الخمسة التكليفية مقبول فلا يمكن ان يتصف عمل بصفتين من حيثية واحدة، ولكن لا باس ان يتصف المجموع بحكم وبعض الاَجزاء بحكم آخر، حتى قد يقال إنه لا مانع من تحقّق الكراهة الحقيقيّة في بعض الأجزاء بمعنى مرجوحية الفعل بالنسبة للترك لا أقلية الثواب، فإنّه لا مضايقة عند العقل و غيره في قول الشارع أطلب الصلاة جماعة طلبا راجحا إلا أن ترك القراءة فيها أرجح من فعلها و إن كان لو فعلتَ كانت من أجزائها و داخلة تحت اسم الصلاة.

لتوضيح المطلب نأتي بمثال عن ما قد يتفق في مطالبنا العرفية: مثلا انت تحتاج الى سيارة لتركبها فتامر شخصا بان يشتري لك سيارة فاصل السيارة طلبك الحاسم والواجب، ولكن بعض الاجزاء او المواصفات عندك ضرورية وبعضها مطلوبة غير جازم وبعضها لا دخل لها وجودا وعدما وبعضها ترجّح عدمها غير حاسم وبعضها مرفوض عندك، و بعبارة اخرى بالنسبة الى بعض الاجزاء او المواصفات انت بشرط شيئ قطعا و بالنسبة الى بعضها بشرط شيئ ترجيحا وبالنسبة الى بعضها انت لا بشرط و بالنسبة الى بعضها بشرط لا غير مصر على عدمه وبالنسبة الى بعضها بشرظ لا بحيث لست راضيا بواجدها.

كذلك اذا لا حظنا الصلاة فبالنسبة الى بعض الشروط او الاجزاء بشرط شيء كالطهارة و الركوع، وبالنسبة الى بعضها بشرط شيء غير حاسم، كستر البدن غير العورة و القنوت، و بالنسبة الى بعض الامور لابشرط كلبس الاخضر او الاصفر في صلاتك او قراءة سورة العاديات او التين. و بالنسبة الى بعض الخصوصيات بشرط لا غير حاسم كالصلاة باتجاه صورة ذي روح او باتجاه باب مفتوح او قراءة القرأن في الركوع والسجود، فتركها اولى ولكن فعلها كذلك ليس مخلّا بالصلاة. وامور تكون فيها بشرط لا قطعا كنجاسة الثوب و التكلم مع غير الله في اثناء الصلاة. فالصلاة صحيحة اذا كانت جامعة للاجزاء والمواصفات اللازمة و فاقدة للمواصفات و الافعال المانعة. ولكن يجتمع صحة الصلاة مع المستحبات وصفاً وجزءاً ومع المباحات وصفاً وجزءاً ومع المكروهات وصفاً وجزأ، فمن المعقول ان تكون قراءة الماموم في صلاة جهرية وهو لا يسمع صوت الامام مستحبا او مباحا او مكروها.

الا انه لم يقل قائل بكراهة القراءة وانما قالوا بوجوبها او استحبابها او اباحتها ولو ان للقول بالكراهة ايضا وجه لا ينافي العقل ولا الشرع فتدبر جيداً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo