< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم الشك في الاتصال

قال المصنف: (مسألة 23: إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه، و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه إلّا أن يكون مسبوقاً‌ بالقرب، كما إذا كان قريباً من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به فشكّ في أنّه تقدّم عن مكانه أم لا).[1]

وقفنا يوم الماضي وقفة عند هذه المسألة و عرضنا بعض التعليقات عليها وذكرنا ما يدل على مختار السيد في هذه المسألة ولم يكن مناقشة في الفرع الاول منها وهو قوله: (إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه) و اتفقوا في الرأي ودليله وهو الاستصحاب.

اما الفرع الثاني من هذه المسألة وهو قوله: (و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه) فقد خالفه جمع من الفقهاء واشكلوا في وجوب احراز عدم البعد، تمسكا بالبرائة وقد ذكرنا نص كلام السيد الخوئي ما ملخصه: ان لزوم إحراز البعد و عدمه يبتني على كون اخذ عدم البعد على نحو الشرطية، و هو الذي ربما يستظهر من صدر الصحيحة «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة ...» [2] إلخ حيث تضمّن اعتبار التواصل، فيتّجه لزوم إحراز الاتّصال، فانّ الشرط ممّا يجب إحرازه في مقام الامتثال عملًا بقاعدة الاشتغال. ثم انكر هذا الاستظهار لان صدر الصحيحة في مقام بيان حكم استحبابي و المدرك في هذه المسألة ذيلها و هو قوله عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام‌ ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»،[3] و هو ظاهر في اعتبار المانعية للبعد كما لا يخفى. وعليه فمع الشكّ يرجع إلى أصالة البراءة عن المانعية، بناءً على ما مرّ غير مرّة من أنّ المرجع في أمثال المقام هي البراءة و إن كانت الشبهة موضوعية، لكون المانعية انحلالية، فتقيّد الجماعة بعدم وقوعها مع هذه المسافة التي يشكّ في بلوغها ما لا يتخطّى زائداً على المقدار المتيقّن بلوغه ذاك الحدّ مشكوك من أوّل الأمر، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة. و عليه فما في المتن من اعتبار الإحراز مبنيّ على الاحتياط. هذا ملخص لكلامه رضوان الله عليه.

ولنا في كلامه مواضع للمناقشة:

اولاً: ظاهر كلام المصنف فرض المسألة في موضع يشك المأموم في وجود البُعد المانع وعدمه؟ وانتم جعلتم البحت في الشك في مانعية الموجود، اي في فرض يكون الواقع معلوماً عند المأموم ولكنه لا يدري أن بهذا المقداريصدق ما لا يتخطى او لا؟

ثانیا: قوله علیه السلام: فی صحیحةْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلصُّفُوفِ أَنْ تَكُونَ- تَامَّةً مُتَوَاصِلَةً بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَ- لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَا لَا يُتَخَطَّى- يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ مَسْقَطَ جَسَدِ إِنْسَانٍ إِذَا سَجَدَ"[4] .ان الامام عليه السلام كان بصدد بيان ما ينبغي في الصلاة سواء واجبها او سنتها فقوله لايكون ما لا يتخطى مع ذيلها نفي في نفي فينتج الاثبات اي يكون ما يتحطى ثم حدده بقوله عليه السلام "يكون قدر ذالك مسقط جسد انسان اذا سجد" فأفاد لزوم ان يكون بينهم ما يتخطي، و هو شرط لتحقق الجماعة الشرعية.

كما في صحيحته الثانية في نفس الباب قال: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنْ صَلَّى قَوْمٌ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ- وَ أَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ بِصَلَاةٍ الحديث. فنفى الصلاة لانها فاقد لشرط الاتصال الشرعي،

ثالثاً: ان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ان يكون القرب باقل من خطوة هو الشرط،، لأنّ العدم لا اثر له، فانه ليس كاسبا ولا مكتسبا ولا يمكن العدم ان يكون جز الصلاة ولا شرطها و عند ما يقال مثلا ان الحدث مانع عن صحة الصلاة ليس لموضوعية الحدث بل لان الصلاة لابد وتكون مقرونا بالطهارة، فالطهاة شرط لصحة الصلاة وليست النجاسة هي المانعة عن صحة الصلاة.

لا يقال ان البُعد امر وجودي وليس بعدمي. لانا نقول: ان البعد بنفسه ليس موضوعا بل بما انه ملازم لانتفاء الشرط وهو الاجتماع الذي هو محقق للجماعة المطلوبة فهو عنوان مشير لفقد الشرط. وما يقال ان العلة التامة هي عبارة عن وجود المقتضي ووجود الشرط وعدم المانع، تعبير مسامحي وليس بدقيق، لانّ العدم ليس بشيء حتى يكون له اثر في صحة الصلاة المشروطة بالطهارة لا بعدم النجاسة او الحدث. فنستنتج من كل ما قلناه ان صحة الجماعة مشروطة باتصال الصفوف بحيث امكن التخطي منها بخطوة. فتأمل جيدا تجد ما قلناه وعليه السيد و كثير من الفقهاء رضوان الله عليهم.

اما ماقاله المحقق العراقي في تعليقته على قول السيد: (و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه) بما يكون نصه:(في حفظ الجماعة بناءً على التحقيق من جعلها من موانع الجماعة و بضميمة جعل الجماعة أيضاً من الأمر المعنوي المتحصّل من قبل هذا الأمر و إلّا فبناءً على جعل البعد من موانع الصلاة حال الجماعة أو من موانع نفسها لا من قيود محصّلها فلا بأس بجريان البراءة عنها، نعم لو قيل بشرطية الاتّصال المقابل للتعدّي المزبور يجب الإحراز على أي تقدير، و الإنصاف أنّ المسألة غير نقيّة عن الإشكال و الاحتياط لا يترك) [5] فهو تعبير آخر من كلام السيد الخوئي ولكن كما قلنا ان الانصاف هو شرطية الاتصال فيجب على المكلف احرازه عند اداء التكليف باقتضاء قاعدة الاشتغال.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo