< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم عبادات الصبي

كان بحثا حول عبادات الصبي من انها هل تكون تمرينية و انما هي صورة العبادة وليس عبادة فلا صلاة له ولا صوم ولا حج ولا غيرها من الاعبادات و تحقق العبادة موقوف بالبلوغ؟ او أن عباداته عبادات واقعية وصحيحة اذا اتاها بشروطها كما هي عبادات للبالغين؟ وقد ذكرنا للقول بتمرينية عبادات الصبي خمس ادلة واليوم نريد مناقشتها:

نبدء في مناقشاتنا بحديث الرفع لانه مفتاح سائر الادلة:

جاء فيه: "أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلَاثَةٍ- عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ- وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ- وَ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ" قال المستدل: وظاهر معناه: أن القلم الجاري على البالغين مرفوع عن الصبيان ، و لا ريب أن القلم أعم من الواجب و المندوب و المحرم و المكروه، بل المباح أيضا، فيصير المعنى: أن الاحكام الجارية على البالغ لا تجري على الصبي و بعبارة اخرى قبل البلوغ لا يكتب شيء في صحيفة اعمال الصبيان بقول مطلق).

نقول: ان حديث الرفع جاء منة على الطوائف الثلاثة المذكورة فيها، و جَعْلُ عباداتهم ساقطا عن الاعتبار وعدم تخصيص الاجر لهم خلاف للمنّة، بل رفع الكلفة عنهم منة عليهم فالمراد من الرفع رفع قلم المؤاخذة فاذا لم يأتوا بما وجب على المكلفين لا يقعون موقع المؤاخذة فهم بالخيار ان يفعلوا او لا يفعلوا فاذا قاموا بعبادة فلهم الاجر وان لم يأتوا بها فلا اثم عليهم كما ان مورد حديث رفع قلم كان نهيا عن رجم الزانية المجنونة.

فما قاله منكر عبادية اعمال الصبي مستندا الى: (أصالة عدم ترتب الثواب إلا بالدليل، وهو منتف) في غير محله، لأنّ كلما ورد في فضيلة العبادات وذكر لها مبلغ من الاجر يشمل الصبي المميز ايضاً فهي تدل على ترتب الثواب له ايضاً و لا وجه لانصرافها الى خصوص البالغين.

وما قاله من: (عدم شمول خطابات الأحكام التكليفية من الأوامر والنواهي للصبي،الزاميها وغير الزاميها، لانها منصرفة إلى البالغين) مردود بل الخطابات اعم للبالغين وغيرهم من العقلاء من اهل التميز وحديث الرفع يرفع عن الصبي المؤاخذة فيفيد الاستحباب في الواجبات والكراهة في المستحبات.

وما قاله من: (عدم امكان توجيه خطابات الأحكام الالزامية الا الى البالغين ثم مستندا الى وحدة السياق و لسان الخطاب عمّم الامر الى جميع الاحكام) فهو مردود ايضا بعد ما ثبت شمول الخطابات لكل عاقل من اهل التميز بمثل ما قلناه في الدليل السابق.

وما قاله من: (كون الأولياء مأمورين بالتمرين لا يقتضي كون هذه الأفعال مطلوبة من الصبيان، فالثواب للولي لتمرينه الصبي، لانه يقوم بامتثال مأمور به، لا الصبي، فلا جزاء لعمل الصبي مطلقا). فنقول: لا منافات بين ان يأخذ الولي اجر تمرين الصبي و أن يأخذ الصبي اجر العبادة التي قام بها بامر الولي جامعا لشروط الصحة و اخلص في نيته لله.

الى هنا اجبنا عن الادلة الخمسة التي ذكرناها في اليوم الماضي لاثبات قول المنكر لعبادة الصبي.

مضافا الى ما قلناه نقول: مما يؤكد هذا المعنى:

اولاً: أنه لا شك بان العقل يحكم بحسن الاحسان والصدق واداء الامانة وامثال ذلك ولا يفرق بين الصبي المميز والبالغ، كذلك يحكم بحسن شكر المنعم وطاعته و التقرب اليه و عبادته فلا يمكن ان نقول ان اتيان الصالحات من العبادات وغيرها من الصبي لا حسن فيها، ولو كانت مع الاخلاص، و بمجرد الاحتلام تصبح حسناً. حتى العقل يحكم باستحقاق اللوم والعقاب بالنسبة الى الصبي المميز الذي ارتكب قبيحاً بمقدار ما عنده من التميز ولكن الله منّ عليه برفعه و عفوه عن العقاب.

ثانياً: بما ان الاحكام الشرعية تابع للمصالح والمفاسد فكل حكم شرعي يكشف عن حكمة ومصلحة فيه، ولا يمكن ان نقول ما فيه المصلحة ليس فعله مطلوب عن الصبي المميز وما فيه المفسدة ليس تركه مطلوب للصبي المميز فيثبت تلك الاحكام للصبي بدليل الإنْ، نعم يمكن ان لا يكون بعض الاحكام مطلوب عن البعض كما ان الصلاة التي هي عمود الدين غير مطلوب من الحائض والجنب لقداسة التي في الصلاة وهي مشروطة بالطهارة فلا يجوز لغير الطاهر ان يصلي في حال عدم الطهارة و لا يجوز للكافر ان يدخل في المسجد لقداسة التي تكون للمسجد و هذه المستثنيات يستدل عليها بادلة خاصة ولا يوجد ذالك للصبي بل خلافه ثابت وانما العقاب على المخالفة مرفوع عنهم.

ثالثاً: قاعدة اللطف تقتضي عدم خلو هذا العمل الصادر عن الصبي من الثواب، فإن من أتى بعمل حسن قاصدا به وجه الرب الكريم فحرمانه عن الجزاء و الثواب مناف للطف. حتى عند العقلاء تحسين المحسن و تقديره امر حسن ايا من كان.

رابعاً: التفريق بين قبل البلوغ وبعد البلوغ في حسن العمل مما لا يقبله الاعتبار العقلي، فإن المراهق المقارب للبلوغ لا ريب في أنه بمكان من الإخلاص و العبودية لله تعالى كما يكون بعد البلوغ، بل حالة المعنوية و التوجه الى الله قد تكون قبل البلوغ اشد واحسن من بعد البلوغ، فيبعد كونه مأجورا حالة على الثانية دون الاولى.

وقد ورد ما مضمونه ان الله يلهم المراهق في اوان البلوغ حالة معنوية وتوجها خاصا اليه والى المقدسات لتتم الحجة عليه فمن ابقى على حالته فهو يسعد ومن خالف حالته المعنوية واخمدها فهو يشقى.

خامساً: ما ورد من الأمر على الأولياء أن يأمروا الأطفال بالعبادة، كقوله صلى الله عليه و آله: (مروهم بالصلاة و هم أبناء سبع" . و لا ريب أن الأمر بالأمر بعملٍ، أمر بهذا العمل. و المأمور به في تلك الاوامر هو الامر بالصلاة والصوم بحقيقتهما وليس بتمرين الصلاة والصوم والأمر بالأمر باتيان شييء يفيد اتيان طبيعته و حقيقته لا صورته الخالي عن الحقيقة

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين، بما أطاقوا من صيام اليوم ـ إلى أن قال : ـ فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا"[1]

فثبت لنا من كل ذلك ان الصبي عباداته كالبالغ الا انه لا يؤاخذ بتركها لمفاد حديث الرفع وغيرها مما يدل على عدم وجوب العبادات على الصبايا .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo