< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم عبادات الصبي

قررنا في اليوم الماضي بمناسبة المسألة 22 في حكم فصل الصبي في صلاة الجماعة نقف وقفة عند كبرى وهي: هل انّ عبادات الصبي المميز تمرينية؟ او شرعية صحيحة اذا اتوا بها مع جميع شروط الصحة و فقد موانعها؟

اقول: لا شك في انّ الطفل غير المميز لا عبادة له ولو اتى شيئا بصورة العبادة، كما لاشك في عدم وجوب العبادات على الصبي قبل البلوغ. وانما الخلاف في شرطية البلوغ لصحة عبادة الصبي. ففي هذه المسألة ثلاثة اقوال:

القول الاول: ان عبادات الصبي قبل البلوغ تمرينية بحتة ولا حظ للصبي فيها الا ما يعود اليها بعد البلوغ حبث تدرب على العبادة فيسهل عليه اتيانها سواء في الواجبات او المستحبات. ممن ذهب الى هذا القول العلامة في المختلف حيث قال: (قال الشيخ: إذا نوى الصبي صح ذلك منه و كان صوما شرعيا.و عندي في ذلك اشكال. و الأقرب انّه على سبيل التمرين، و أمّا انّه تكليف مندوب إليه، والأقرب المنع، لنا: انّ التكليف مشروط بالبلوغ، و مع انتفاء الشرط ينتفي المشروط).[1]

القول الثاني: انه يستحب له التمرين على العبادة فصلاته ليست بصلاة و صومه ليس بصوم وحجه ليس بحج وانما هي حركات تشبه بالعبادة وهو مأجور على تمرينه لا على صلاة او صوم او حج.

قال الشهيد الثاني في المسالك: (قوله: «نية الصبي المميز صحيحة و صومه شرعي». اما صحة نيته و صومه فلا اشكال فيه، لأنها من باب خطاب الوضع و هو غير متوقف على التكليف. و اما كون صومه شرعيا ففيه نظر، لاختصاص خطاب الشرع بالمكلفين. والأصح أنّه تمريني لا شرعي).[2]

القول الثالث: ان صحة عباداته ليست مشروطة بالبلوغ سواء المستحبات منها او الواجبات وانما الفرق بينه وبين البالغين في الاحكام الالزامية من الواجبات والمحرمات فان البالغين اذا تركوها ارتكبوا المعصية ويستحقون العقاب و لكن الصبي يثاب على الفعل ولا يعاقب على الترك وبعبارة اخرى ما هو واجب على البالغين مستحب على الصبايا. وفي المحرمات ايضاً اذا ارتكبها لا يعاقب عليها و لكن اذا كف نفسه عنها فهو مأجور عند الله.

وقال الشيخ في المبسوط: (والصبي إذا نوى صح ذلك منه و كان صوما شرعيا).[3]

كذلك المحقق يرى شرعية عبادات الصبي: حيث قال:«نية الصبي المميز صحيحة و صومه شرعي»[4] وكثير من الفقهاء المعاصرين ذهبوا الى هذا القول فلا نطيل الكلام بذكر عباراتهم وانما المهم التوجه الى ادلة كل فريق:

اما من يقول بتمرينية عبادات الصبي فيستدل بامور:

الاول: أصالة عدم ترتب الثواب إلا بالدليل، وهو منتف، لان الله انما امر الوالدين بأن يمرّنوا اولادهم على العبادات قبل البلوغ، والعمل التمريني ليس هو المقصود بنفسه كي يكون له الاجر.

الثاني: عدم شمول خطابات الأحكام التكليفية من الأوامر والنواهي للصبي،الزاميها وغير الزاميها، لانها منصرفة إلى البالغين.

الثالث: عدم اكان توجيه خطابات الأحكام الالزامية الا الى البالغين من الواجبات و المحرمات من حيث كونهما واجبا و محرماً، و من ناحية أخرى لانرى فرق بينهما و بين غيرهما في لسان الخطاب وانما الفرق في رخصة الترك في المستحبات و رخصة الفعل في المكروهات. فسائر الاحكام ايضا لم توجه الى غير البالغين لاشتراكهما في لسان الخطاب.

الرابع: حديث رفع القلم واليك نصه: وَ فِي الْخِصَالِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّكُونِيِّ عَنِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا- فَقَالَ عَلِيٌّ ع- أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلَاثَةٍ- عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ- وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ- وَ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ".[5] سنده ضعيف فان الاربعة الاخيرة في السند لا توثيق لهم ، ولكن هذا الحديث مشهور فتوىً معتمدُ بين الفريقين، فيعتمد عليه وظاهر معناه: أن القلم الجاري على البالغين مرفوع عن الصبيان ، و لا ريب أن القلم أعم من الواجب و المندوب و المحرم و المكروه، بل المباح أيضا، فيصير المعنى: أن الحكم الجاري على البالغ العاقل لا يجري على الصبي و المجنون و بعبارة اخرى قبل البلوغ لا يكتب شيء في صحيفة اعمال الصبيان بقول مطلق، فلا يتحقق طلب لأفعاله و لو ندبا حتى يكون شرعيا. وإن تنزلنا و قلنا بان عمومات أدلة الأحكام واطلاقاتها شاملة للصبي أيضا، لتخصصت بحديث رفع‌ القلم، إذ التعارض بين العمومات و بين حديث رفع القلم، بالعموم و الخصوص المطلق غالبا. و لو فرض بالعموم من وجه، كقوله: (من قرأ سورة الفاتحة فله كذا) فإنه شامل للصبي و غيره، و حديث (رفع القلم عن الصبي) شامل للفاتحة و غيرها من الأعمال، فنقول أيضا بتقديم حديث رفع القلم، لوروده على تلك العمومات، فان قوله: "من قرء سورة الفاتحة فله كذا" معناه كل فرد قرء... وحديث من بلغ يقلب الموضوع عن معناه العام فيجعله بمعنى كل بالغ قرء...فيتصرف في موضوع العام ، وكذلك: لكون أخصية حديث من بلغ باعتبار الموضوع و أعميته باعتبار المحمول، و حديث الفاتحة مثلا بالعكس موضوعه اعم ومحموله اخص، و العمدة في الأخصية هو الموضوع، فلا وجه بعد ذلك لترتب الثواب عليه.

الخامس: كون الأولياء مأمورين بالتمرين لا يقتضي كون هذه الأفعال مطلوبة من الصبيان، فالثواب للولي لتمرينه الصبي، لانه يقوم بامتثال مأمور به، لا الصبي، فلا جزاء لعمل الصبي مطلقا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo