< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /فواصل الصفوف في الجماعة

 

كان بحثنا في اليوم الماضي حول الشرط الثالث لصلاةالجماعة حيث قال السيد صاحب العروة:

(الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة إلّا إذا كان في صفّ متّصل بعضه ببعض، حتّى ينتهي إلى القريب، أو كان في صفّ ليس بينه و بين الصفّ المتقدّم البعد المزبور، و هكذا حتّى ينتهي‌ إلى القريب، و الأحوط احتياطاً لا يترك أن لا يكون بين موقف الإمام و مسجد المأموم، أو بين موقف السابق و مسجد اللاحق، أزيد من مقدار الخطوة التي تملأ الفرج، و أحوط من ذلك مراعاة الخطوة المتعارفة و الأفضل بل الأحوط أيضاً أن لا يكون بين الموقفين أزيد من مقدار جسد الإنسان إذا سجد، بأن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل).

عرفنا ان التباعد بين المصلين في الجماعة اكثر من المعتاد يضر بصحة الجماعة وعليه اجماع فقهائنا و صاحب الجواهر بعد ذكر الاجماع على هذا الحكم يأتي بادلة له فقال: ( للأصل بل الأصول بعد توقيفية الجماعة و قصور إطلاقاتها عن تناوله مثل ذلك، لعدم معهوديته بل معهودية خلافه).[1] يمكن ان يقال ان الصناعة في الفقه في استنباط الاحكام الشرعية اولاً أن نراجع الى ادلة الاجتهادية اي الامارات فإن لم نجد ما يفيدنا في كشف الحجة على احكام الله، نتوصل الى الاصول العملية فانها دليل حيث لا دليل؟

ولكن قد يسلك الفقيه بعكس ذلك حتى يصل الى تحديد موضع النزاع في ما يبحث عنه، هل الاصل عدم الجواز؟ حتى يبحث عن دليل الجواز، او الاصل هو الجواز؟ فيبحث عن دليل عدم الجواز.

ففيما نحن فيه هل الاصل يقتضي السعة والدليل يمنع منها ويحددها، او الاصل هو الضيق والدليل يوسعها؟

أن صاحب الجواهر اراد ان يبين ان الاصل هنا يقتضي الضيق فنحتاج الى الدليل للتوسعة والسرّ فيها يكمن في أمرين: اولاً: كون صلاة الجماعة عبادة توقيفية، فلا يجوز ان نأتي بشيئ فيها الا بالدليل، وثانياً قصور اطلاقات الجماعة عن تناول ما يكون خارجا عن العادة، فدون ذلك لابد ان نتمسك بالقدر المتيقن في المشروعية، فالتباعد بمقدار المعتاد نحكم بجوازه، وما زاد عن ذلك نحكم بعدم تشريعه، الّا اذا دلّ دليل اجتهادي عليه، فالاصل في الجماعة التي تشتمل على فصل اكثر من المتيقن عدم الصحة، والاصل الآخر الذي يمكن ان نتمسك به لكشف الوظيفة شرعاً اصالة الاشتغال فهي تفيد عدم الاكتفاء بجماعة يكون فيها الفاصل بين المصلين فوق المعتاد. فنحن مثلا عند زوال الشمس نتيقن باشتغال ذمتنا على صلاة الظهر فإن أتينا بها في جماعة كان الفصل فيها اكثر من المعتاد نشك في الامتثال لامر الصلاة، والاشتغال اليقيني يستدعي امتثالا يقينياً. نعم لو كان عندنا اطلاقات تشمل هذه الجماعة لصححناها من خلال تلك الاطلاقات والمفروض عدمها لعدم معهوديتها.

كما انه يمكن ترسيم اصل ثالث: وهو انه ورد في الصحيح انه لا صلاة الا بفاتحة الكتاب، استثني منها صلاة الجماعة فعند ما صليت خلف امام مع التباعد اكثر من المعتاد تشك في سقوط فاتحة الكتاب عنك، الاصل عدم السقوط لاطلاق قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب. كذلك اذا شاركت في مثل هذه الجماعة فزعمت ان الامام قام من ركوعه فقمت فوجدت الامام مستمرا في الركوع فعدت الى الركوع، فاطلاق صحيحة لا تعاد يوجب عليك اعادة الصلاة لزيادة الركن فيها، و شمول دليل المخصص الذي يستثني الجماعة منها غير ثابت لصلاتك فالمرجع اطلاق حديث لا تعاد.

اذا عرفت هذا نعود الى كلام المصنف حيث قال: (الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام بما يكون كثيراً في العادة..الخ) كما هو معلوم ان عنوان الكثير والقليل من الامور التي يحددها متعلقاتها.

فمراده من العادة هو ما صار عرفا في صلوات الجماعة فاذا صار الفاصل بين المصلين اكثر مما تعارف في صلوات الجماعة فهو مضر لصحة الجماعة. و يمكن ان يقال ان الميزان هو صدق كون المصلي في جماعة المصلين او هو مجتمع مع الامام في الصلاة وهذا المقدار يستفاد من عنوان الجماعة.

ولكن كما احتاط المصنف، كثير من الفقهاء ايضا حددوا مقدار الفصل الجائز بما يتخطى اي امكن تجاوزه بخطوة واحدة وقد عبر المصنف عن هذا بمقدار الخطوة التي تملأ الفرج.

واستدلوا على ذلك بصحيحة زرارة التي رواها المحمدون الثلاثة عن زرارة بسند صحيح مر البحث عن سندها في المحاضرة رقم 101 فلا نعيد وانما نذكر المتن بنصها الكامل لاعادة النظر فيها حول هذه المسألة واليك اياها:

(مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلصُّفُوفِ أَنْ تَكُونَ- تَامَّةً مُتَوَاصِلَةً بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَ- لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَا لَا يُتَخَطَّى- يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ مَسْقَطَ جَسَدِ إِنْسَانٍ إِذَا سَجَدَ.

قَالَ وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنْ صَلَّى قَوْمٌ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ- وَ أَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ بِصَلَاةٍ- وَ إِنْ كَانَ (شِبْراً وَاحِداً) إِلَى أَنْ قَالَ- أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ خَلْفَ إِمَامٍ- وَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ لَهَا تِلْكَ بِصَلَاةٍ-الحديث)[2] .

استندوا بمفردة لا يتخطى في هذا الحديث بان اقصى الفصل ما يتخطى فالبعد الذي لا يتخطى الجماعة باطلة عنده.

قد اشكل البعض بان الحديث افتتح بمفردة ينبغي وهي انما تدل على الافضلية والاستحباب، فما اتت بعدها معطوف عليها و وحدة الصياغ يفيد استحباب الجميع فلا يثبت عدم الجواز. و حاول البعض الآخر معلجة المشلة بطريق آخر: وهو قول بان ينبغي اعم من المستحب والواجب اذا كان في مقام الطلب و بين الحرام والمكروه اذا كان في مفام المنع والردع، و هذا الكلام صحيح لا بأس به، و بذلك صححوا الاستدلال بها لوجوب الفصل الذي يتخطى. فالعقل يحكم بلزوم امتثال العبد لطلب المولى الا اذا وجد مرخصا فبالنسبة الى كون الصفوف تامة متواصلة ادلة التي افادت جواز الفصل بما يتخطي دلت على عدم وجوب تواصل الصفوف وتماميتها فنرفع اليد هنا عن الالزام ولكن سائر العبارات الموجودة في صحيحة زرارة تبقى على دلالتها على الوجوب فانها مطالبات لم برد لها ترخيص.

ولكن فيما نحن فيه لا حاجة الى التماس المخرج حتى نتوصل الى هذا الوجه لانهما روايتان مستقلتان مختلفتان في الموضوع والحكم ذكرهما في الفقه متواليا و فصل بينهما بقوله قال وقال ابوجعفرعليه السلام . فما يقوله السيد الخوئي: (هكذا في الفقيه، و كذا في الكافي و التهذيب، غير أنّ صدر الحديث فيهما‌ هكذا: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ...» إلخ المذكور في هذه الرواية متأخّراً، و قوله (عليه السلام): «ينبغي أن تكون الصفوف ...» إلخ المذكور في صدر هذه الرواية متأخّر فيهما عن الفقرات الثلاث المتقدّمة).[3] ليس بدقيق فليس هناك تقديم وتاخير في الذيل والصدر بل انما هما روايتان مستقلتان يختلف ترتيب ذكرهما بين الفقيه و بين الكافي والتهذيب. كما خصص في الوسائل لكل واحد منهما عدد مستقل.

ولليد الخوئي حل جميل نذكره غدا ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo