< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

42/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /شروط الجماعة

قد دخلنا في اليوم الماضي في فصل جديد قال المصنف فيه:

(يشترط في الجماعة مضافاً إلى ما مرّ في المسائل المتقدّمة أُمور:

أحدها: أن لا يكون بين الإمام و المأموم حائل يمنع عن مشاهدته، و كذا بين بعض المأمومين مع الآخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام، كمن في صفّه من طرف الإمام أو قدّامه إذا لم يكن في صفّه من يتّصل بالإمام، فلو كان حائل و لو في بعض أحوال الصلاة من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود بطلت‌ الجماعة، من غير فرق في الحائل بين كونه جداراً أو غيره و لو شخص إنسان لم يكن مأموماً، نعم إنّما يعتبر ذلك إذا كان المأموم رجلًا، أمّا المرأة فلا بأس بالحائل بينها و بين الإمام أو غيره من المأمومين مع كون الإمام رجلًا، بشرط أن تتمكّن من المتابعة بأن تكون عالمة بأحوال الإمام من القيام و الركوع و السجود و نحوها، مع أنّ الأحوط فيها أيضاً عدم الحائل هذا، و أمّا إذا كان الإمام امرأة أيضاً فالحكم كما في الرجل).

قد ذكرنا بعض التعليقات من الفقهاء المعاصرين رضوان الله عليهم حول هذه المسألة، واليوم نريد ان نقف عند تفصيلات المسألة وادلتها ونناقشها كي نصل الى ما هو الاصح في رؤيتنا القاصرة فنقول:

قد بين المصنف في هذه المسألة لزوم اتصال كل من المأمومين بالامام اما بلا واسطة او بواسطة ساير المأمومين ولابد ان يستمر هذا الاتصال من التكبير الى التسليم فوجود الحائل الذي يمنع عن المشاهدة يضر بصحة الجماعة ولو وجد في اثناء الصلاة ويستثنى من هذا الامر الحيلولة بين النساء والرجال بشيء لا يبعدهن عن الرجال اكثر من المقدار المسموح في الجماعة.

ومما استدل به على مانعية الحائل من صحة الجماعة ما رواه المحمدون الثلاثة واليك نصها:

(مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلصُّفُوفِ أَنْ تَكُونَ- تَامَّةً مُتَوَاصِلَةً بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَ- لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَا لَا يُتَخَطَّى- يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ مَسْقَطَ جَسَدِ إِنْسَانٍ إِذَا سَجَدَ.

قَالَ وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنْ صَلَّى قَوْمٌ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ- وَ أَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ بِصَلَاةٍ- وَ إِنْ كَانَ (شِبْراً وَاحِداً) إِلَى أَنْ قَالَ- أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ خَلْفَ إِمَامٍ- وَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ لَهَا تِلْكَ بِصَلَاةٍ- قَالَ قُلْتُ: فَإِنْ جَاءَ إِنْسَانٌ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ- كَيْفَ يَصْنَعُ وَ هِيَ إِلَى جَانِبِ الرَّجُلِ- قَالَ يَدْخُلُ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ تَنْحَدِرُ هِيَ شَيْئاً".[1]

قال في الوسائل باب62 من صلاة الجماعة ح1و25»ما رواه المحمدون الثلاثة واليك نصها الامر النساء فلا مانع لحيلولة شيء لا يبعدهن عن رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ حُكْمَ الْمَرْأَةِ .وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ.

السند صحيح اعلائي و قد رواها المحمدون الثلاثة.

اما وجه الاستدلال على مانعية الحائل من صحة الجماعة ثلاث مقاطع من هذه الصحيحة:

الاول: قوله عليه السلام: " إِنْ صَلَّى قَوْمٌ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ)- والثاني: قوله عليه السلام عقيب ذلك: (وَ أَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ- وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ مَا لَا يُتَخَطَّى- فَلَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ بِصَلَاةٍ- وَ إِنْ كَانَ (شِبْراً وَاحِداً) والثالث قوله: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ خَلْفَ إِمَامٍ- وَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ لَهَا تِلْكَ بِصَلَاةٍ-)

والمراد من ما لايتخطى الحائل الذي لا يمكن التجاوز عنه فيفيد المقصود.

اقول: تمامية الاستدلال بهذه الفقرات موقوف على مدلول "مالايتخطى" هل المراد هو الحاجز الذي لا يمكن العبور عنه او المراد من مالا يتخطى البُعد الذي لا يمكن تجاوزه بخطوة واحدة؟

ورد في المراد مما لا يتخطي احتمالات ثلاث:

أحدها: إنّه الجسم أو الشي‌ء المانع عن التخطّي، فتدلّ على قادحية الحائل الموجود بين المأموم و الإمام الذي لا يمكن التخطّي معه و إن كانت المسافة بينهما بما لا تزيد على الخطوة.

ثانيها: إنّ المراد هو عدم امكان التخطي، سواء كان عدم امكان التخطّي ناشئاً عن بعد زائدا عن الخطوة أو كان ناشئا عن وجود حائل مانع عن التخطي.

ثالثها:إنّ المراد به البعد، و لا نظر هنا إلى الحائل بوجه، و إنّما المقصود اعتبار أن لا تكون المسافة بين المأموم و الإمام بمقدار لا يتخطّى

اختار السيد الخوئي الوجه الثالث: (مستندا على قرينة الصدر و الذيل، فانّ هذه الكلمة ما لا يتخطّى- قد ذكرت سابقاً و لاحقاً، و لا شكّ أنّ المراد بها فيهما هو البعد و كميّة الفاصلة فكذا هنا لاتّحاد السياق.أمّا الصدر فقوله (عليه السلام): «لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى، يكون قدر ذلك مسقط جسد إنسان»، فإنّ المراد بالموصول هنا البعد و المقدار بلا إشكال، بقرينة تقديره بعد ذلك بمسقط جسد الإنسان، الذي هو بمنزلة التفسير لما لا يتخطّى.

وأمّا الذيل فهو قوله (عليه السلام): «و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى» بناءً على رواية الكافي و هي أضبط و التهذيب المشتملة على كلمة «قدر» كما مرّ، فانّ كلمة «قدر ما لا يتخطّى» كالصريح في إرادة البعد و التقدير، دون الحائل. مضافاً إلى ذكر هذه الكلمة في آخر الصحيحة أيضاً، و لا يراد بها هناك إلّا البعد قطعاً، قال (عليه السلام): «أيّما امرأة صلّت خلف إمام و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة»، إذ لا يحتمل أن يراد بها الحائل، لجوازه بين النساء و الرجال في الجماعة بلا إشكال. و هذه قرينة أُخرى على ما استظهرناه).(موسوعة الامام الخوئي

أقول هذا الكلام من السيد الخوئي كلام متين،

ان قلت: حمل المعنى على ما هو ابعد عن الخطوة لا ينسجم مع ما ورد من قوله عليه السلام وان كان شبرا واحدا قلنا: انما هذا التعبير ورد في نسخة الوسائل ولكن في نسخة المطبوعة من الفقيه وكذلك في الكافي والتهذيب بدلا من شبرا واحدا ورد (سترة او جدار) وهو مطلب مستقل في الحديث وهو مانعية الحائل فالاستدلال بمالايتخطى غير صحيح.

ومما يستدل بها لمانعية الحائل لصحة الجماعة ما ورد في هذه الصحيحة على نسخة الصدوق والكليني والشيخ ففي نسخة الفقية ورد: "وَ إِنْ كَانَ سِتْراً أَوْ جِدَاراً فَلَيْسَ تِلْكَ لَهُمْ بِصَلَاةٍ إِلَّا مَنْ كَانَ حِيَالَ الْبَابِ"[2] ) وورد في الكافي: (ان كان سترة اوجدارا)[3] ) وورد في التهذيب: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ سُتْرَةٌ أَوْ جِدَارٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ بِصَلَاةٍ إِلَّا مَنْ كَانَ بِحِيَالِ الْبَابِ[4] ففي هذه الصحيحة ذكر مانعين من موانع صحة الجماعة احدهما البعد الذي استفدناه من قوله عليه السلام "ما لا يتخطى" فكان معناه البعد الذي لا يمكن ان نتجاوزه بخطوة وقد فرغنا عن بحثه والمانع الآخر هو الستار والجدار كما في نسخة الفقيه او السترة والجدار كما في نسخة الكافي والتهذيب و انما ورد في الوسائل نقلا عن الفقيه: "وان كان شبرا واحدة" واثبتنا ان ما ذكر في الوسائل لا يمكن قبوله لعدم انسجام المعنى و لخالفته لنسخ الكتب الثلاثة. مضافا الى ان مارواه في الوسائل في باب 59 عن زرارة نقلا عن الفقيه ورد فيها "سترة او جدار" هو نفس الحديث لوحدة الراوي والمروي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo