< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

41/10/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: كتاب الصلاة /صلاة الجماعة /عدول النية من الجماعة إلى الفرادى / كلام صاحب المدارك / أدلة المجوزين مطلقا والإشكالات عليها / كلام السيد الخويي (قده)

كان بحثنا حول المسألة 16من العروة الوثقى حيث قال: (يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد و لو اختياراً في جميع أحوال الصلاة على الأقوى، و إن كان ذلك من نيّته في أوّل الصلاة لكن الأحوط عدم العدول إلّا لضرورة و لو دنيويّة خصوصاً في الصورة الثانية).

ذكرنا في اليوم الماضي ادلة المجوزين عن صاحب المدارك و ردها ثم هو رضوان الله عليه تطرق الى ادلة المانعين بقوله: (احتج الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه «: بقوله تعالى ﴿لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ﴾»، و قوله عليه السلام: «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به» . و هو احتجاج ضعيف. نعم يمكن أن يحتج له بأصالة عدم سقوط القراءة، إلا مع العلم بالمسقط، و إنما يعلم مع استمرار القدوة لا مع المفارقة، فيجب قصر الحكم عليه، إلى أن يقوم على السقوط مع المفارقة دليل يعتد به. و تشهد له صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: إنه سأله عن إمام أحدث، فانصرف، و لم يقدم أحدا، ما حال القوم؟ قال: «لا صلاة لهم إلا بإمام» و المسألة محل إشكال، و الاحتياط يقتضي استمرار القدوة إلى انتهاء الصلاة).[1]

و قد استدلّ لعدم الجواز العدول مطلقاً بوجوه:

أحدها: قاعدة الاشتغال، تقريرها ان المصلي كان متيقنا بان عليه اتيان صلاة صحيحة و لا يدري بعد الخروج من الجماعة هل بقيت صلاته صحيحة اولا؟ فلا يتيقن بفراغ ذمته لان الصلاة عبادة توقيفية فعليه ان لا يكتفي بها.

ويرد عليه: أنّ ما نحن فيه موطن البراءة لان الشك في صحة صلاته ناشئ عن احتمال شرطية الاستمرار في الجماعة لصحة الصلاة فأصالة البراءة من الشرطية تصحّح صلاته. حتى على القول بحرمة نقض الجماعة، يمكن القول بصحة صلاته لان الحرمة حكم تكليفي نعم ان ثبت الشرطية فتركها موجب لبطلان الصلاة.

ثانيها: أنّ المنفرد في الأثناء تارك للقراءة عامداً، و لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب، و المتيقّن من سقوطها في صلاة الجماعة إنّما هو حال الائتمام في تمام الصلاة. و من الواضح عدم جريان حديث: «لا تعاد الصلاة ...» في مورد الترك العمدي.

و يرد عليه: أنّه إن قلنا انّ حديث لا تعاد أنّما يجري اذا ترك المصلي شيئا في صلاته ناسياً كما عليه النائيني رضوان الله عليه فلا يجري لأنه لم يكن ناسياً للقراءة وانما ترك القراءة لأنه كان في الجماعة، ولكن من يرى ان حديث لا تعاد يشمل كل من اخل بشيء من اجزاء الصلاة غير الامور الخمسة عن عذر فلا يجب عليه اعادة الصلاة اي صلاته صحيحة ومن الاعذار الجهل بالحكم و هو ترك عمدي عن عذر فلا مانع من شمول الحديث له لكونه معذوراً كما يشمل من ترك القراءة في الركعة الثانية بزعمها الثالثة وتذكر في الركوع فصلاته لا بأس بها هذا. او في صلاة الجماعة ترك القراءة بزعمها الثانية و في الركوع تنبّه انه كانت الركعة الثالثة وغيرها من موارد ترك بعض واجبات الصلاة عن عذر غير نسيان.

ثالثها: لو زاد ركوعاً سهواً متابعة عن الإمام فمقتضى إطلاق ما دلّ على البطلان بزيادة الركن الحكم بالفساد في المقام، فانّ القدر المتيقّن الخارج عنه هو الائتمام في تمام الصلاة، فالعدول إلى الانفراد في مثل هذا الفرض يجعل الصلاة باطلة بحكم الإطلاق المذكور.

و يرد عليه: أنّ الدليل الذي يخصص ادلة التي وردت في بطلان الصلاة بزيادة الركن اذا كانت الزيادة لمتابعة الامام، يشمل بإطلاقه ما اذا زاد ركنا قبل عدوله عن الجماعة ثم عدل. لأنه عند الزيادة كان في الجماعة.

رابعها: استصحاب البقاء على الجماعة، بعد صرف النية عنها لأنّه لا يدري ان مجرد صرف النية عن الجماعة يخرجه عنها او لا؟ فالاستصحاب يحكم ببقائه في الجماعة فيجب عليه الالتزام بأحكامها.

و يرد عليه أوّلًا: ان الايتمام والجماعة من العناوين القصدية فبمجرد صرف النية عنها يخرج من الجماعة انما الكلام هل هذا العدول جائز تكليفاً و لا يوجب بطلان الصلاة من اصلها او ان البقاء واجب تكليفا و شرط لصحة صلاة مصلي الجماعة فلا يبقى شك في الخروج حتى يستصحب البقاء.

و ثانياً ان الشك هنا ناشئ عن الشك في الحكم فالشبهة حكمية لا يجري فيها الاستصحاب على رأي بعض الفقهاء كالسيد الخوئي.[2]

ثم ان للسيد الخوئي و بعض الأخرين الذين يقولون بجواز تبديل النية في اثناء الصلاة من الجماعة الى الانفراد يشكلون ذلك اذا كان المصلي نوى من اول الصلاة الخروج عن الجماعة في اثناءها بان صلاته تقع فرادى لان قدر المتيقن من مشروعية نية الإيتمام هو اذا اراد المكلف متابعة الامام في جميع اعماله فيما عدا الموارد المنصوصة واليك نص كلام السيد الخوئي رضوان الله عليه:

قال السيد الخوئي: و كيف ما كان، فيقع الكلام تارة فيما إذا كان ناوياً للانفراد من ابتداء الصلاة و أُخرى فيما إذا بدا له العدول في الأثناء. فهاهنا مقامان: أمّا المقام الأوّل: فلا إشكال في الجواز بالنسبة إلى الموارد المنصوصة كما في المأموم المسبوق، و في اقتداء الحاضر بالمسافر أو العكس، و في الرباعية بالثلاثية أو الثنائية و بالعكس. و الضابط: كلّ مورد علم المأموم من الأوّل بعدم مطابقة صلاته مع صلاة الإمام في عدد الركعات، لنقص في صلاته أو في صلاة الإمام بحيث يلجأ فيه إلى الانفراد، ممّا ورد النصّ على جواز العدول في جميع ذلك بالخصوص. و أمّا في غير الموارد المنصوصة فالظاهر عدم مشروعية الجماعة و إن كان معذوراً في نيّة الانفراد، إذ لا دليل على مشروعية الائتمام في بعض الصلاة، و إنّما الثابت بأدلّة الجماعة كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة و الفضيل: «و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّها سنّة ...» هو مشروعيتها و استحبابها في تمام الصلاة، و أمّا الاقتداء في البعض فغير مشمول لهذه النصوص، و مقتضى الأصل عدم المشروعية. إذن فما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركوع لو زادها متابعة منه للإمام هو المحكّم، للشكّ في خروج هذا الائتمام من إطلاق تلكم الأدلّة زائداً على المقدار المتيقّن أعني قصد الائتمام في تمام الصلاة، فإنّه من الواضح عدم وجود إطلاق يتضمّن مشروعية الجماعة في أبعاض الصلاة).[3]

ثم انه يرد على بعض الشبهات التي يمكن ان توجه الى هذا المبنى ويقول:

(و أمّا ما ورد من ترتّب الثواب على الركعات، و أنّ الاقتداء حتّى في الركعة الواحدة له مقدار خاصّ من الثواب فهو أمر آخر لا يكاد يدلّ على مشروعية الجماعة في تلك الركعة بخصوصها، بل هو ناظر إلى المأموم المسبوق كما لا يخفى. و قد تحصّل: أنّ الأقوى بطلان الجماعة لو كان ناوياً للانفراد منذ ابتداء الصلاة، و أنّها تكون فرادى لو أتى المصلّي بوظيفة المنفرد، و إلّا بطلت أيضاً).هذا ما تفضل به السيد الخوئي رضوان الله عليه وسوف ننقح البحث في الدرس القادم انشاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo