< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: هل كل فقيه توفّر عنده الفقه والتقوى والتدبير فهو ولي فعلاً؟ /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

بعد ما تحدثنا عن نقطتين في مبحث ولاية الفقيه، الأولى: هو امكان التبعيض في الولاية بحسب الامكنة و جواز تخصيص كل منطقة بولاية فقيه فيجوز ان يكون هناك عدة من الفقهاء الولاة ولكن في منا طق مختلفة اذا اقتضت المصلحة ذلك .

الثانية: التجزئة فيما يقع تحت الولاية من الموضوعات فقد لا يرى الفقيه ظروفاً متأتية للتصدي لجميع شؤون الحكومة الاسلامية فيقوم بما تيسر له من الموضوعات كما تم هذا الامر لكثير من الفقهاء حيث تولوا بعض امور المؤمنين كوضع القيم على الصغار والقصّر او تعيين المتولي على بعض الموقوفات او التصرف في الاخماس و الزكوات باستلامها عن المؤدين و صرفها في مواردها وغير ذلك من الامور. او الفقيه الذي له الولاية العامة فعلا يرى من المصلحة ترك بعض المجالات لسائر الفقهاء كما هو محقق في هذا العصر حيث ان الامام الخامنئي دام ظله ترك مجال استلام الحقوق لكل فقيه مجتهد ورع، ليستلمها عن الناس ويصرفها في شؤون التربية والتعليم او مساعدة المحتاجين.

النقطة الثالثة التي ينبغي الوقوف عندها: انه هل كل فقيه توفّر عنده الفقه والتقوى والتدبير فهو ولي فعلاً و يجوز له أن يجبر الناس على الخضوع لسلطته وان يفرض نفسه على المجتمع من دون رضاهم اي أن الفقهاء هم المنصوبون لمقام الولاية فعلاً؟.

او ان فعلية الولاية متوقفة على ان يبايعه الناس و يختارونه كي تصبح ولايته فعلية؟

هناك موقف للعامة في مسألة الحاكم الاسلامي و قد يعبر عنها بالخلافة الاسلامية و قد يعبر عنها بالإمامة او والي المسلمين. وآرائهم في هذه المسألة مختلفة جداً ويظهر من كلمات كثير منهم انهم بنوا على شرعية ما حصل في زمن الخلافة الاولى بل عمموا الحكم لعصر بني امية وبني العباس فاستخرجوا حكم الاسلام مما جرى في القرن الاولى والثانية اي عصر الصحابة والتابعين وقد ذكرنا بعض كلماتهم قبل عطلة الرمضانية و هنا نعيد النظر مرة ثانية في كلماتهم:

قال القاضي أبو يعلى في الاحكام السلطانية: «و الإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل و العقد. و الثاني بعهد الإمام من قبل ... و روي عنه (أي عن أحمد) ما دل على أنها تثبت بالقهر و الغلبة‌ و لا تفتقر الى العقد، فقال- في رواية عبدوس بن مالك العطّار- (القطّان خ. ل): «و من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة و سمّي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماما، برّا كان أو فاجرا.» و قال أيضا- في رواية أبي الحرث- في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم و مع هذا قوم: «تكون الجمعة مع من غلب.» و احتج بأن ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة و قال: «نحن مع من غلب.»[1]

و للماوردي قريب من هذا المضمون فذكر الوجهين ثم فصل الكلام في المراد من اهل الحل والعقد فقال: «أمّا انعقادها باختيار أهل الحل و العقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى: فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد و الحلّ من كل بلد، ليكون الرضا به عاما و التسليم لإمامته اجماعا. و هذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها و لم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها. و قالت طائفة أخرى: أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالا بأمرين: أحدهما أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها. و هم عمر بن الخطاب، و أبو عبيدة بن الجرّاح، و أسيد بن حضير، و بشير بن سعد، و سالم مولى أبي حذيفة. و الثاني أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة و هذا قول أكثر الفقهاء و المتكلمين من أهل البصرة. و قال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولّاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما و شاهدين، كما يصحّ عقد النكاح بوليّ و شاهدين. و قالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي «ع»: امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عمّ رسول اللّه «ص» بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، و لأنه حكم، و حكم واحد نافذ.»[2]

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: «و جملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته و بيعته ثبتت إمامته و وجبت معونته، لما ذكرنا من الحديث و الإجماع. و في معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي «ص» أو بعهد إمام قبله إليه. فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، و عمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، و أجمع الصحابة على قبوله و لو خرج رجل على الإمام فقهره و غلب الناس بسيفه حتى أقرّوا له و أذعنوا بطاعته و تابعوه صار إماما يحرم قتاله و الخروج عليه، فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله و استولى على البلاد و أهلها حتى بايعوه طوعا و كرها فصار إماما يحرم الخروج عليه.»[3]

وقال النووي الشافعي‌: «تنعقد الإمامة بالبيعة. و الأصح بيعة أهل الحل و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه الناس الذين يتيسّر اجتماعهم. و شرطهم صفة الشهود. و باستخلاف الإمام. فلو جعل الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف، فيرتضون أحدهم. و باستيلاء جامع الشروط، و كذا فاسق و جاهل في الأصح.»[4]

وقال وهبة الزحيلي و هو من كبار فقهاء العامة المعاصرين: «رأى فقهاء المذاهب الأربعة و غيرهم أن الإمامة تنعقد بالتغلب و القهر. إذ يصير المتغلّب إماما دون مبايعة أو استخلاف من الإمام السابق، و إنما بالاستيلاء. و قد يكون مع التغلب المبايعة أيضا فيما بعد.»[5]

ولكنه ابدى رأيه الخاص قبل صفحات من كتابه فقال: «ذكر فقهاء الإسلام طرقا أربعة في كيفية تعيين الحاكم الأعلى للدولة و هي النص، و البيعة، و ولاية العهد، و القهر و الغلبة. و سنتبيّن أن طريقة الإسلام الصحيحة عملا بمبدإ الشورى و فكرة الفروض الكفائية هي طريقة واحدة. و هي بيعة أهل الحل و العقد و انضمام رضا الأمة باختياره. و أما ما عدا ذلك فمستنده ضعيف.»[6]

و من المتأخرين غير المتعصبين من يناقش الرأي المشهور و يعترف بعدم شرعية حكومة ابي بكر وعمر وعثمان. قال عبد الكريم الخطيب من علماء السنة : «و قد عرفنا أن الذين بايعوا أول خليفة للمسلمين- أبي بكر- لم يتجاوزوا أهل المدينة، و ربما كان بعض أهل مكّة، أما المسلمون جميعا في الجزيرة كلها فلم يشاركوا في هذه البيعة، و لم يشهدوها، و لم يروا رأيهم فيها؛ و إنما ورد عليهم الخبر بموت النبي «ص» مع الخبر باستخلاف أبي بكر. فهل هذه البيعة أو هذا الأسلوب في اختيار الحاكم يعتبر معبّرا عن إرادة الأمة حقا؟! و هل يرتفع هذا الاسلوب إلى أنظمة الأساليب الديموقراطية في اختيار الحكام؟! لقد فتح هذا الأسلوب الفريد الذي عرف في المجتمع الاسلامي لاختيار الحاكم- فتح أبوابا للجدل فيه و الخلاف عليه.»[7]

و عن الشيخ علي عبد الرازق من علماء الجامع الأزهر أنه قال في كتابه: (الإسلام و أصول الحكم): «إذا أنت رأيت كيف تمّت البيعة لأبي بكر، و استقام له الأمر تبيّن لك أنها كانت بيعة سياسية ملكية عليها طابع الدولة المحدثة، و أنها قامت كما تقوم الحكومات على أساس القوة و السيف.»[8]

لكن رأي فقهاء العامة مبتني على حجية قول و فعل الصحابة والتابعين ولكن نحن لا نعترف بعصمتهم ولا نتعبد بقولهم الا اذا كان ثقة واخبر عن قول النبي او احد المعصومين من عترته عليهم السلام وغدا سوف نبين رأينا في المسألة مبتنيا على كتاب الله و سنة نبيه واهل بيته انشاء الله


[4] المنهاج، نووی، 518، كتاب البغاة.
[7] الخلافة و الإمامة، الخطیب، ص272.
[8] الإسلام و أصول الحكم، الشیخ عبدالرزاق، ص183.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo