< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: روایات إثبات مبدأ ولایة الفقیه /کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر الأمر بالمعروف

قد ثبت في يوم الماضي ان مقبولة عمر بن حنظلة لا اشكال في سندها و دلالتها على المطلوب واضحة كما بيناها و بما ان الامام عليه السلام استند فيها الى الآية فعلى فرض عدم حجية السند، دلالة الآية تكفينا، واليوم أودّ أن ألقي ضوءً على الآية التي استشهد بها الامام الصادق عليه السلام مقارنا بالآيات السابقة عليها واللاحقة بها. فعند ما نتأمل فيها يتضح ان مساق الآيات هو مشروع سياسي اجتماعي بامتياز:

قال تعالى في سورة النساء: ﴿(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَ إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴿58﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴿59﴾ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴿60﴾ وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ﴿61﴾﴾.[1]

الأمانات اما شامل لأمانات الخلق من الاموال والاشياء، وامانات الشرع وهي المعارف الالهية و الاحكام الشرعية وردّها الاعتناق والعمل بها. ومنها الامامة فامر كل امام ان يردها الى من بعده منهم عليهم السلام. فالفقرة الاولى من الآية الاولى ايضاً تخاطب النبي والائمة عليهم السلام ، والفقرة الثانية تعود الى الحكام هي قوله: واذا حكمتم بين الناس الآية، وهي ليست مجرد القضاء بين المتخاصمين بل يأمر الحكام بنشر العدالة في الرعية، والقضاء جانب منها. و مدلولها مدلول قوله تعالى: "يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بما اراك الله" ومن الطريف اننا نرى في القرآن دائما تأدية الحكم ب- بين- لا ب-على- اشارة الى ان حكم الله جاء لمصلحة الناس لا للاستيلاء عليهم. ثم جعلت الآية مرجع التنازع والخلاف الى الله ورسوله ولم يذكر اولي الأمر ولعل السر في ذلك ان اولي الأمر ليس عندهم الا ما جاء به النبي من الله فإنما المصدر هو الكتاب والسنة وكل ما كان عند أهل البيت عليهم السلام فهو ما أخذوه من جدهم صلوات الله عليه

و اما قوله: "اطيعوا الله واطيعوا الرسول" فالمخاطب فيها عامة الناس. و –اُولوا الأمر- هم كل من له حق الأمر والنهي وهم النبي واهل بيته صلوات الله عليهم ومن جعلوه نائباً عنهم. لا كل من يأمر وينهى ولو كان متغلباً فلا تشمل الطواغيت كما زعم بعض العامة فأوجبوا طاعة كل سلطان مستولى على رقاب الناس.

ثم بين في الآية التي تليها، أنً هؤلاء الذين يعترفون بالطاغوت و يتحاكمون في أمورهم اليه واهمون في دعواهم الاسلام فان الاسلام قائم على ركنين الايمان بالله في القلب والقول والعمل والكفر بالطاغوت، كما أن في الآية الأخيرة تنص على نفاق الرافضين للتحاكم الى ما انزل الله والى الرسول. فهذه الآيات تفيد لزوم استمرار الكفر بالطواغيت والايمان بالله في مقام العمل وولاية الفقيه هي البديل لمن كفر بالطاغوت.

و هنا نذكر نموذجاً من الروايات التي تشير الى ان الامانة هي الامامة:

روى الكليني عن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قَالَ إِيَّانَا عَنَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَوَّلُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ الْكُتُبَ وَ الْعِلْمَ وَ السِّلَاحَ وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ- يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً- أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا- فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ كَذَا نَزَلَتْ وَ كَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَ يُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ- أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.[2] ونكتفي بما قلنا حول مقبولة عمر بن حنظلة.

من الروايات التي استند اليها لإثبات مبدأ ولاية الفقيه ما رواه الشيخ بسنده عن ابي خديجة واليك نصها: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِلَى أَصْحَابِنَا- فَقَالَ قُلْ لَهُمْ إِيَّاكُمْ إِذَا وَقَعَتْ بَيْنَكُمْ خُصُومَةٌ- أَوْ تَدَارَى فِي شَيْ‌ءٍ مِنَ الْأَخْذِ وَ الْعَطَاءِ- أَنْ تَحَاكَمُوا إِلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ- اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ رَجُلًا قَدْ عَرَفَ حَلَالَنَا وَ حَرَامَنَا- فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ قَاضِياً- وَ إِيَّاكُمْ أَنْ يُخَاصِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ".[3]

ان ابي جهم في السند و هو بكير بن اعين اخو زرارة ورد في شأنه من النجاشي: ان اباعبدالله لما بلغه وفات بكير بن اعين قال: "اما والله لقد انزله الله بين رسول الله وامير المؤمنين صلوات الله عليهما"،

وقال الكشي في ابي خديجة عن محمد بن مسعود قال: سألت أبا الحسن علي بن الحسن عن اسم ابي خديجة فقال سالم بن مكرم فقلت له ثقة؟ قال صالح و كان من أهل الكوفة وكام جمالاً وذكر أنه حمل أبي عبد الله عليه السلام من مكة الى المدينة قال اخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة قال قال ابو عبد الله لا تكتني بأبي خديجة قلت فبم اكتني قال بأبي سلمة الخ).

وقال الشيخ في الفهرست سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة ومكرم يكنى أبا سلمة ضعيف له كتاب. و قال القهبائي: (لا يخفى عليك اشتباه الشيخ قدس سره في هذا المقام مرتين لصريح ما تقدم من كشي).

وقال النجاشي في ابي خديجة: (سالم بن مكرم بن عبد الله أبو خديجة و يقال ابو سلمة الكناسي، يقال صاحب الغنم مولى بني أسد الجمال، يقال كنيته كانت ابا خديجة وان ابا عبد الله عليه السلام كناه ابا سلمة ثقة ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام له كتاب يرويه عنه عدة من اصحابنا الخ). هنا ولو على حسب الصناعة اذا تعارض الجرح والتعديل فيقدم الجرح ولكن فيما نحن في يقدم توثيق النجاشي على تضعيف الشيخ لانه وقع في اشتباه كما اشار اليه القهبائي في مجمع الرجال والسند لا بأس به. فنخل في الدلالة غدا انشاء الله.


[1] سورة النساء، الآیات 58 إلی 61.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo