< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

39/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تحدید الموضوع/کتاب الامر بالمعروف و النهی عن المنکر

قد فرغا في ما مضى عن بيان ما اراد المصنف في تحديد الموضوع بقوله: (‌المعروف هو كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه إذا عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه) وبما ان المصنف استعمل الحسن بمعنى مطلق الجائز الذي هو في مقابل القبيح فيشمل ماوراء الحرام من الواجب والمستحب والمباح والمكروه ثم زاد في تعريف المعروف (اختص بوصف زائد على حسنه) فجعل الحسن بمنزلة الجنس والوصف الزائد بمنزلة الفصل في تعريفه للمعروف.

فلم يبق للمنكر الا الحرام، فعرّفه بقوله: (و المنكر كل فعل قبيح عرف فاعله قبحَه أو دلّ عليه). فالمعروف انّما يشمل الواجب والمستحب، والمنكر لا يشمل إلّا الحرام لانّه القبيح والاحكام الأربعة دون الحرام وقعت في اطار الحسَن، فالمباح و المكروه وكذلك ترك المندوب ليست من المعروف و لا من المنكر، فلا يؤمر بها و لا ينهى عنها. هذا ما يستنتج من تعريف المصنف والعلامة الحلي في كتبه.

هنا لابد ان نلفت انتباهكم بان كثير من فقهائنا العظام عمموا الامر بالمعروف على المستحبات والنهي عن المنكر على المكروهات. قال ابن حمزة في الوسيلة: ( و الأمر بالمعروف يتبع المعروف في الوجوب و الندب و النهي عن المنكر يتبع المنكر فإن كان المنكر محظورا كان النهي عنه واجبا و إن كان مكروها كان النهي عنه مندوبا) [1]

وقال ابو الصلاح الحلبي: (الفرض الثاني هو الأمر و النهى ‌و كل منهما على ضربين: واجب و ندب.فما وجب فعله عقلا أو سمعا، الأمر به واجب، و ما ندب إليه، الأمر به مندوب و ما قبح عقلا أو سمعا، النهى عنه واجب، و ما كره منهما، النهى عنه مندوب.)[2]

وعلى تعريف المحقق شمول المعروف للمستحبات لابأس به، ولكن شمول المنكر للمكروهات لا ينسجم مع تعريفه للمنكر، حيث عرّفه بكل فعل قبيح وهو جعل الحسن شاملاً لكل ما يجوز فعله. هناك نرى محاولات من بعض فقهائنا لتبرير شمول المعروف للمستحبات والمنكر للمكروهات، اما المستحبات فأمرها سهل بعد ما شرط المحقق في تعريفه: (بانه كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه) نعم ناقش البعض في هذا التعريف بالطرد والعكس، بمناقشات واردة عليه، ولكن نحن لا نخوض تلك المناقشات لانها مناقشات لفظية لا يرى على ما اراده المصنف في تعبيره لان مراده يتضح من سياق كلامه رضوان الله عليه.

مما يحل المشكلة في ادخال المستحب والمكروه في عنواني المعروف والمنكر بان نعرِّف المعروف بكل فعل يستحق فاعله المدح، والمنكر بكل فعل يستحق فاعله الذم. لاختلاف مراتب المدح والذم بحيث يشملان المستحب والمكروه.

والشهيد الثاني في المسالك تفصّيا عن اشكال عدم دخول النهي عن المكروه في الامر بالمعروف ولا في النهي عن المنكر قال: ( و يمكن دخوله في المندوب باعتبار استحباب تركه، فاذا كان تركه مندوباً تعلّق الأمر به. و هذا هو الأولى). ولكن القول باستحباب ترك المكروه ثم جعل استحباب الامر بترك المكروه مصداقاً للامر بالمعروف تعسف بيّن، لان كل ما كان في فعله مصلحة فان كانت المصلحة بدرجة لا يرضى الشارع بتركها من دون عذر ففعله واجب، وان كانت بدرجة رخّص الشارع في تركها ففعله مستحب، فالواجب والمستحب انّما يتعلقان بالفعل، كما ان كل فعل فيه ضرر و مفسدة فان كانت المفسدة الى درجة لا يرضى الشارع بفعله ففعله حرام وان كانت المفسدة بدرجة رخص الشارع في فعله فهو مكروه فالأمر والنهي كلاهما يتعلقان بالفعل ولا يعقل تعلق حكم في الشريعة بالعدم. فقولنا ترك المكروه مستحب او ترك الحرام واجب لا يصح الا بالمسامحة في التعبير. ثم انه لو التزمنا بان ترك المكروهات مستحب وترك المحرمات واجب فلابد ان نلتزم بان كل مكلف مشتغل بمستحبات كثيرة و واجبات كثيرة لا نهاية لها. نعم من الافعال الجوانحية هو كف النفس عن فعل الحرام وفاعله يستحق المدح والتقدير بل الأجر والجائزة وهو اما يكون في ظروف سنحت للعبد فرصة لفعل محرم تشتاق اليه نفسه فكف نفسه عن اتيانه واجتنب عنه فهو مشكور عند الله و ممدوح ومحمود عند العقلاء فإنما مجال المكروهات مجال النهي عن المنكر، لا الأمر بالمعروف في مصداقه الغير الالزامي.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo