< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

38/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الجهاد/الأراضي المفتوحة

كان بحثنا حول حكم الأراضي الموات وهي للإمام عليه السلام، ولكنهم اجازوا في احيائها إجازة عامة الا ما خرج بالدليل، وكما قلنا ان هذا الامر كان في القديم بما ان الأراضي كانت متوفرة والايادي العاملة قليلة ولذلك لم يكن هناك داعي للدولة هي التي تجعل اليد على الأراضي وكذا في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وعهد امير المؤمنين وسائر الائمة عليهم السلام ولذلك سمحوا بأحياء الأرض وقالوا من احيى ارض فهي له وقد تقدمت روايات كثيرة في ذلك الشأن.

ولكن عند حضور الامام عليه السلام يجوز له ان يمنع كما يره من المصلحة، فلو اردنا مقارنة الحكومات الغير الاهي بحكومة الإسلام ففي القديم لم يكن تدخل بالأراضي فكل من كان يحي الأرض لا احد يمنعه فمن احيى ارضا فهي له ولكن الان في اكثر البلاد لابد من الرخصة في احيائها سواء في البناء او الزراعة وغيرها وهذا ما مضى.

وهناك كلام ذكره صاحب المسالك (ره) بالنسبة للموات كيف يمكن تشخيص الأرض التي نريد الاستفادة منها هل هي موات او مفتوحة عنوة هل هي ملك للمسلمين او ملك للأمام.

قال ره: ويعلم الموات بوجوده الآن مواتا، مع عدم سبق أثر العمارة القديمة عليه، و عدم القرائن الدالة على كونه عامرا قبل ذلك، كسواد العراق، فإن أكثره كان معمورا وقت الفتح، و بسببه سميت أرض السواد وما يوجد منها عامرا الان يرجع فيه الى قرائن الأحوال كما مر قبل، ومنها ضرب الخراج واخذ المقاسمة من ارتفاعه فان انتفى الجميع فالأصل يقتضي عدم تقدم الامارة فيكون ملكا لمن في يده. [1]

فقد ذكر رضوان الله عليه ثلاثة شروط لكي نحكم على الأرض انها مواتا:

أولا لابد ان تكون فعلا انها موات ولذا قال ويعلم الموات بوجوده الان مواتا

وثانيا مع عدم سبق اثر الامارة القديمة عليه أي ان لا يكون اثر الامارة عليه فقد تكون ارض مواتا، ولكن اثر العمارة موجودة عليها.

ثالثا عدم القرائن الدالة على كونه عامرا قبل ذلك فقد لا يكون اثر البناء او العمارة عليها، ولكن هناك قرائن من خلالها نعرف انها كانت عامرة كما لو كانت قرب الأرض مدينة والان انقرضت او وجود بعض الظروف التي يستفيد منها الانسان لمعيشته فلا يحكم على الأرض بأنها مواتا.

ثم مثل لذلك بأراضي العراق فقال ان اكثره كان معمورا وقت الفتح والدليل عليه بسببه سميت ارض السواد وما يوجد منها عامر الان يرجع فيه الى قرائن الأحوال، مثلا الأمور العامرة الموجودة اذا كانت عامرة قديما فيكتشف انها وقت الفتح كانت عامرة اما اذا كان شيئا جديدا فيكشف انها لم تكن سابقا عامرة.

ثم يذكر عنوان (القبل) مما يثبت كون الأرض مواتا لا يكون ضرب الخراج عليها او المقاسمة من منافعه فاذا وجد فيكشف انها كانت عامرة سابقا، ثم يقول فأن انتفى الجميع مما تقدم ذكره بما يستدل على عمارتها عند ذلك يحكم بأنها مواتا فالأصل يقتضي عدم تقدم العمارة فتكون ملكا للأمام وتكون لمن في يده.

وقد اشكل على هذا الكلام صاحب الجواهر ره فقال: ان اثر العمارة القديمة لا يجدي حتى يعلم كونه وقت الفتح مع ان الأصل تأخره[2] . يعني ان وجود الاثار على الأرض لا يستدعي الحكم بأنها كانت عامرة انما يفيد اذا كانت الاثار كانت كاشفة بأن هذه الأراضي كانت في زمن الفتح عامرة.

وبعبارة أخرى اذا اردنا التدقيق في كلامه ره انه يقول اننا نستصحب الأصل الذي يقتضي عدم تقدم الامارة على الفتح قطعا حصل الفتح ولا ندري هل تقدمت الامارة على الفتح فالأصل عدمه.

ونحن عندما نواجه هذه المسألة نرى ان مثل هذه الأرض وقع عليها حادثان أولا صار عليها فتح وثانيا انها لم تكن عامرة قبل ذلك ونشك الان هل كانت عامرة عند الفتح فعند ذلك امامنا استصحابان اصالة عدم تقدم الفتح على العمران واصالة عدم تقدم العمران على الفتح فالأول وهو اصالة عدم تقدم الفتح على العمران يفيدنا ان الفتح لم يكن بعد العمران والثاني وهو اصالة عدم تقدم العمران على الفتح يفيدنا انه عند الفتح لم تكن عامرة فالنتيجة ان الاستصحابان يتعارضان في ما بينهما.

ولتوضيح ذلك من كان يعلم انه صدر منه حدث ويعلم انه توضأ، ولكن لا يدري هل كان الحدث سابق والوضوء لاحق او بالعكس فعلى ذلك لابد له ان يستصحب انه لم يتوضأ قبل ان يقع الحدث فمعناه ان الوضوء متأخر عن الحدث والاستصحاب الاخر يقول الحدث لم يتقدم على الوضوء فيستصحب عدم تقدم الحدث على الوضوء فهو لا يدري هل هو متوضأ او محدث ولا يمكن له التمسك بأحد من الاستصحابين.

وفي ما نحن فيه يكون نظير ذلك فعندنا عمران وعندنا فتح فاذا كان الفتح سبق العمران فهذه الأراضي كانت ميتة عند الفتح فهي للأمام فمن احياها فهي له ومن ناحية أخرى استصحاب عدم الفتح قبل العمران يفيد انها كانت معمورة ثم جاء الفتح فعلى ذلك يثبت انها للمسلين وليست للإمام فلا يستطيع تملكها لأنها ارض معمورة عند الفتح ومفتوحة عنوة فيتعارض الاستصحابان

ولكن في ما نحن فيه نرى ان الشهيد رض يقول في اخر كلامه والاصل يقتضي عدم تقدم الامارة فيكون ملك في يده يعني ملك للأمام فمن احياها فهو مالك لها لانه يذكر اصالة عدم تقدم الامارة على الفتح فاذا كان هكذا فهي ارض ميتة وتكون من الانفال فمن تملكها واحياها فهي له.

وهنا نقول: أولا الاشكال المتقدم غير صحيح فهو مبنائي وليس بنائي بما ان الاستصحاب قهقرائي وبحسب ادلة الاستصحاب لا يمكن الاعتماد عليه لان ادلة الاستصحاب تفيدنا في ما اذا كان اليقين سابقا والشك لاحقا مثلا في حديث زرارة (اذا كنت على يقين وشككت فشكك ليس بشك) يعني المستصحب امر واحد ولكن طرئ عليه حالة جديدة فاستصحاب البقاء يفيدنا بأن لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين اخر وعلى ذلك لابد في الاستصحاب ان يكون متعلق اليقين سابقا ومتعلق الشك لاحقا وفيما نحن فيه وهو الاستصحاب القهقرائي يكون بالعكس اليقين لاحقا والشك سابقا فليس موردا للاستصحاب ولم يكن استصحاب وان كان استصحابا فلابد ان نستصحب انه لم تكن معمورة في زمن الفتح فاستصحاب عدم الامارة

وثانيا اذا اردنا ان نستصحب استصحاب الاثار لا تفيدنا انها كانت معمورة عند الفتح لان اقصاه يثبت ان هذه الاثار كانت موجودة ووجود الاثار لا يجعل الأرض معمورة، بل العمارة عبارة عن ارض يستفاد منها اما بالبناء او بالزراعة وما شاكله.

فهذا الاستصحاب لا يمكن ان نستفيد منه لانه من ناحية المبنى غلط وغير مقبول ومن ناحية البناء أيضا فيه اشكال لان الاستصحاب ولو قبلنا وسلمنا بالاستصحاب القهقرائي فهو يفيد في كون الاثار لا كون البناء والعمارة والحال اننا نحتاج الى العمارة قبل الفتح لا مجرد الاثار.

وعلى ذلك فالقرائن التي ذكرها الشهيد رض لا يمكن ان تمنعنا عن ان التعبد بكون الأرض كانت ميتة فاذا راينا ارض سواء كانت عامرة او ميتة فيجوز لنا ان نقول عند الفتح كانت ميتة الا اذا ثبت بالاطمئنان او بدليل شرعي والمفروض ان هذه القرائن لا توجب الاطمئنان وهي ليست من الظنون التي يعتمد عليها.

ثم قال الشهيد ره كسواد العراق فان اكثره كان معمورا وقت الفتح وبسببه سميت ارض السواد وهي دليل على اخضرار الأرض، ولكن هل كان نتيجة فعل البشر او الطبيعة والظاهر ان اكثر السواد هو لطبيعة المنطقة لكثرة المياه كالغابات قرب البحار او في مناطق يكثر مطرها فيكون حولها من الأرض خضراء وهذا سبب تسمية العراق بارض السواد وموضوع انها مفتوحة عنوة يعني كانت عامرة بفعل البشر وليس بالطبيعة فعلى ذلك لا نستطيع ان نستدل على كون ارض العراق ارض معمورة بفعل البشر لتسميتها بأرض السواد.

واما بالنسبة الى الخراج والمقاسمة فقد اشرنا اليها بأنهما لا يكشفان شيئا نعم لو كان الامام المعصوم اخذ الخراج فنعلم انه لا يخطأ لا عمدا ولا سهوا ولكن اذا كان الملوك يأخذون فلا يكشف انه واقعا كان مستحقا على من يشتغل في الأرض لانهم في العادة انهم حريصون على كسب الأموال كما في حكومات بني العباس وبني امية في ذلك، فوجود ضرب الخراج او المقاسمة على الأراضي لا تكشف انها كانت مفتوحة عنوة حتى لا نتمسك بكونها مواتا والاصل في الأراضي ان تكون مواتا الا اذا ثبت خلاف ذلك اما بالثبوت الشرعي وهو امر غير حاصل الا اذا ورد دليل يؤكد على ذلك، فكذلك هذا الكلام منه رض غير تام وانه لم يعتمد عليه ولذلك ذكره تحت عنوان (القيل).

وبذلك نستفيد ان كل ارض شككنا فيها انها ارض خراج او انها مفتوحة عنوة فهي محكومة بأنها للأمام عليه السلام سواء كانت فعلا معمورة او غير معمورة وهذا ما يسهل الامر في الاستفادة من الأراضي ونحن نعلم ان أئمتنا احلوا لنا في الاستفادة من الأرض والنتاج منها.


[1] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج3، ص56.
[2] جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج21، ص170.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo