< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

37/01/05

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر المحقق (رض) في الركن الأول من بحث مسألة وجوب الجهاد ثلاثة من الفروع، وكذا بحث فيها مسألة الهجرة وقد الحق بها عدة لواحق.

قال: ومن لواحق هذا الركن المرابطة و هي الإرصاد لحفظ الثغر و هي مستحبة و لو كان الإمام مفقودا لأنها لا تتضمن قتالا، بل حفظا و إعلاما[1] .

أولا: في هذه العبارة بين وفسر معنى المرابطة وهي الأرصاد لحفظ الثغر، فعلى ذلك نبحث لماذا ذكر المرابطة وكما هو معلوم انها ليست جهاداً، ولكن للتناسب بينها وبين الجهاد ذكرها استطرادا وهي تشبه الدفاع، والفرار منها كمن فر من الجهاد.

ثانياً: نبحث في تعريفها كما ذكره وهي (الأرصاد لحفظ الثغر) وفي كتاب العين قال الرباط ملازمة ثغر العدو، وكذا قال الرباط المداومة على الشيء، والظاهر ان الرباط هو شد الشيء، فعلى ذلك شد الشيء بشيء يكون ربطه به، ومرابط يقولونه لمن هو مشدود الى الشيء، فترى هذه المعاني في كتب اللغة كلها تصب في معنى واحد وبمناسبة القرب من المعنى يستعمل في موارد مختلفة.

فعلى ذلك الظاهر من كلمة الرباط المداومة على الشيء كذلك ملازمة الثغر بحد من الحدود ويلتزم على المكان، ففي الصحاح قال الراصد للشيء هو المراقب له، وفي معجم المقاييس قال الرصد هو التهيئة لمراقبة شيء على مسلكه، يعني يكون الانسان متهيئ لعبور الطريق وهو مراقب، وفي المحيط قال الثغرة الناحية من الأرض وثغر العدو ما يلي دار الحق وكذلك يستعمل في الحدود، والفاضل المقداد يقول الثغر هو الحد الفاصل بين دار الشرك ودار الإسلام.

ثم بعد بيان معنى المرابطة ذكر المحقق انها مستحبة ودليله:

أولا: المرابطة من الأمور التي هي اصالتها معها لأنها لحفظ ثغر المسلمين، فعلى ذلك كونها امر جميل ومهم لا ينكر فاذا اردنا ان نعتني بحكومة إسلامية وحفظ أموال ودماء المسلمين فلابد من المرابطة.

ثانيا: بالنسبة الى استحبابه ان صاحب الجواهر يقول لا اجد خلافا بين الفقهاء في تلك المسألة فكل من تكلم فيها حكم بالاستحباب مضافا الى ذلك كثرة النصوص التي وردت في أهمية المرابطة وشأن المرابط، واكثر النصوص التي وردة من طرق اهل السنة ولعل السر في ذلك ان المرابطة في زمن ائمتنا المعصومون عليهم السلام كانوا في حكومات جائرة كبني امية وبين العباس والعمل تحت لوائهم امرا شائن وقبيح غير مرغوب فيه واكثر الرباط لم يكن لحفظ الناس بل اكثره كان لحفظ قوة الجائر وكثيرا ما كان الرباط بين المسلمين، فعلى ذلك لم يكن داعي من اهل البيت ان يرسلوا اصحابهم الى نصرة الظلمة.

والعلامة الحلي في المنتهى قال الرباط فيه فضل كثير وثواب جزيل ومعناه الإقامة عند الثغر لحفظ المسلمين واصله من رباط الخيل لان هؤلاء يربطون خيولهم عند الحدود والمراصد فسمي المقام بالثغر رباطا وان لم يكن خيل وفضله متفق عليه.

وقد روى في النبوي ان سلمان رضوان الله عليه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول (رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه فان مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل واجري عليه رزقه وامن الفتان)[2] -والفتان هو الذي يؤذي الانسان في القبر- وكذا يروي رواية أخرى عن فضل بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله (كل ميت يختم على عمله الا المرابط في سبيل الله فانه ينمو له عمله الى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر)[3] وهذه الروايات في المنتهى من دون سند ولم نجدها في موسوعات الشيعة ولكنها وردة في كتب اهل السنة.

ثم ذكر العلامة رضوان الله عليه وانما تستحب المرابطة استحباباً مؤكدا في حال ظهور الامام عليه السلام اما في حال غيبته فانها مستحبة ايضاً استحباباً غير مؤكد، لأنها لا تتضمن قتالا، وهذا التعبير (انها ليس قتالا) بل حفظا واعلاماً وهي مشروعة حال الغيبة لان الجهاد الابتدائي لابد ان يكون بأذن الامام عليه السلام، ولكن المرابطة لا يشترط فيها اذن الامام لأنها ليست قتالاً.

وفي التذكرة ذكر ان الرباط حال حضور الامام اشد استحبابا وفي حال الغيبة لا يتأكد استحبابها وان كانت مستحبة لأنها لا تتضمن قتالا، ثم يقول وافضل الرباط المقام في اشد الثغور خوفا لشدة الحاجة هناك.

ثم قال: ويستحب الحراسة في سبيل الله ويروي رواية وهي عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول (عينان لا تمساهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله)[4] ، ولكن ذكرها من دون سند وهو مروي في كتب اهل السنة.

فعلى ذلك ان هذه الروايات تدل على الاستحباب وهي تفيدنا في باب التسامح في ادلة السنن اذا قلنا احاديث من بلغ لا تدل على التسامح في السند، ومما يدل على استحباب المرابطة دعاء الامام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية دعاء اهل الثغور، ولكن كما قلنا ان عامة الفقهاء يقولون باستحبابه، فقد ذكر الفاضل المقداد في كتاب التنقيح ذلك الحفظ واجب على المسلمين على الكفاية مطلقاً من غير شرط ظهور الامام، والظاهر ان المراد من هذا الكلام انه اذا لم يكن الرباط يكون خطر على المسلمين لأنه لو لم يكن لهجم الكفار على المسلمين فيكون الدفاع واجب، فعلى ذلك الرباط قد لا يكون خطر او خطر قليل فلا يكون واجب والا ان كان خطر فلابد من الدفاع كما تقدم تفصيله.

ومما استدل به على استحباب المرابطة اصالة البراءة عن الوجوب لأننا لا ندري هل هي واجبة فالأصل عدم الوجوب، والآيات والروايات التي وردت ليس فيها ما يدل على وجوب المرابطة لكي نستطيع التمسك بها والآية التي تدل على ذلك هي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[5] وهذا التعبير ليس للوجوب بل هو للتحريض على العمل وهو اعم من الايجاب فلا يدل على وجوب المرابطة، وكذا الروايات ليس فيها ما يدل ذلك كما تقدم من انها ضعاف سندا بل وردت روايات منعت منه، منها ما عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ مَوَالِيكَ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يُعْطِي السَّيْفَ وَ الْفَرَسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَتَاهُ فَأَخَذَهُمَا مِنْهُ وَ هُوَ جَاهِلٌ بِوَجْهِ السَّبِيلِ ثُمَّ لَقِيَهُ أَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ السَّبِيلَ مَعَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ وَ أَمَرُوهُ بِرَدِّهِمَا فَقَالَ فَلْيَفْعَلْ قَالَ قَدْ طَلَبَ الرَّجُلَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَ قِيلَ لَهُ قَدْ شَخَصَ الرَّجُلُ قَالَ فَلْيُرَابِطْ وَ لَا يُقَاتِلْ قَالَ فَفِي مِثْلِ قَزْوِينَ وَ الدَّيْلَمِ وَ عَسْقَلَانَ‌ وَ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الثُّغُورَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ يُجَاهِدُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ [فَقَالَ‌] أَ رَأَيْتَكَ لَوْ أَنَّ الرُّومَ دَخَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ‌ قَالَ يُرَابِطُ وَ لَا يُقَاتِلُ وَ إِنْ خَافَ عَلَى بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَ الْمُسْلِمِينَ قَاتَلَ فَيَكُونُ قِتَالُهُ لِنَفْسِهِ وَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ قَالَ قُلْتُ فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُرَابِطٌ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ فِي دُرُوسِ الْإِسْلَامِ دُرُوسَ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه واله)[6] هذا الحديث اسناده صحيح.

ومنها عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله (عينان لا يمسهما النار) كما تقدم.

وهناك روايات ظاهرها المنع عن الرباط نذكرها ان شاء الله تعالى.

 


[1] شرائع الإسلام: المحقق الحلي، ج1، ص280.
[2] صحيح مسلم: ج3، ح1520.
[3] سنن ابن ابي داود: ج3، ص9، ح2500.
[4] تذكرة الفقهاء: ج9، ص451.
[5] سورة: ال عمران، اية200.
[6] الكافي: الكليني، ج5، ص21.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo