< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

37/01/04

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرجيم

كان بحثنا بعدما ثبت وجوب المهاجرة من بلاد الشرك والكفر هل هذا الحكم يشمل بلاد العامة او لا؟ وهل ان مرافقتهم تضعف دينه ويحرفه او بالنسبة الى اهله يجب والدليل على ذلك قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[1] وكذلك قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾[2]

فعلى ذلك اذا كان وجودهم في تلك البلاد سبب للانحراف، فتجب المهاجرة أيضا وليس فقط الخروج عن بلاد الكفر او بلاد العامة، بل بلاد الشيعة أيضا اذا كثر فيها الفساق والفجار يشمله الحكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ فحفظ النفس والاهل واجب اذا كان متوقف على المهاجرة.

وكذا بالنسبة الى من يتزوج منهم او تتزوج اذا كان هذا الزواج ينتهي الى خروجهم من الدين او فساد اخلاقهم فلا يجوز أيضا كما اذا كان الزواج من فاجر او فاسق اذ تأثيره سلبيا حتى وان كان يعتقد بعدم التأثر اما اذا كان واثق من نفسه انه لا يتأثر، بل هو يؤثر او تؤثر فلا اشكال.

واما بحثنا بالنسبة الى اظهار شعائر المذهب اذا كان في بلاد المخالفين فاذا كان لا يستطيع اظهارها وكذا لا يمكنه إقامة الشعائر فهل يجب عليه المهاجرة؟

قال جمع من الفقهاء بعدم وجوب المهاجرة واستدلوا ببحث التقية وكذا في ما ورد في معاشرتهم والعيش معهم بالمعروف الا اذا كان بقائه يوجب قتله فلابد من الهجرة، وان مسألة التقية لها جانبان من البحث:

الجانب الأول: البحث في من يتقي هل تترتب عليه الاثار الوضعية وهي على اقسام فمن يتوضأ وضوء اهل السنة تقية هل يكون رافع للحدث، واذا عممنا البحث اذا هو يرتب سائر الأشياء على مذهبهم كإزالة النجاسة وكذا احكام الزواج والطلاق وكذا احكام التجارة والمواقف في الحج وما شاكل ذلك.

الجانب الثاني: في الاحكام التكليفية متى تكون التقية واجبة ومتى تكون غير واجبة.

ففي هذا البحث ذكر الشهيد (رض) في قواعده تنبيهات:

التنبيه الأول: التقية تنقسم بانقسام الاحكام الخمسة:

فالواجب: إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به، أو ببعض المؤمنين.

و المستحب: إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا، و يتوهم ضررا آجلا، أو ضررا سهلا، أو كان تقية في المستحب، كالترتيب في تسبيح الزهراء عليها السلام، و ترك بعض فصول الأذان.

و المكروه: التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا و لا آجلا، و يخاف منه الالتباس على عوام المذهب.

و الحرام: التقية حيث يأمن الضرر عاجلا و آجلا، أو في قتل مسلم. قال أبو جعفر عليه السلام: (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية)

و المباح: التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة، (و لا يحصل بتركها) ضرر.

التنبيه الثاني: التقية تبيح كل شيء حتى إظهار كلمة الكفر،

و لو تركها حينئذ أثم إلا في هذا المقام، و مقام التبري من أهل البيت عليهم السلام، فإنه لا يأثم بتركها، بل صبره حينئذ إما مباح أو مستحب، و خصوصا إذا كان ممن يقتدى به.[3]

 

والشيخ (رض) قال: أن التقية تنقسم إلى الاحكام الخمسة:

فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، وأمثلته كثيرة.

والمستحب: ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر: بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم، فإنه ينجر غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.

والمباح: ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع، كالتقية في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الاصحاب، ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)

والمكروه: ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر، وأن الاولى تركها ممن يقتدي به الناس، إعلاء لكلمة الاسلام، والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل.

والمحرم منه: ما كان في الدماء.[4]

واذكر بعض الروايات التي تفي هذه المعاني وهي:

منها: وبالأسناد عن هشام بن سالم، عن أبي عمر الأعجمي قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له)[5]

منها: بأسناد الصدوق عن الاعمش في حديث شرائع الدين قال: (ولا يحل قتل أحد من الكفار والنصاب في التقية إلا قاتل أو ساع في فساد وذلك إذا لم تخف على نفسك ولا على أصحابك، واستعمال التقية في دار التقية واجب ولا حنث ولا كفارة على من حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه)[6]

منها: سعد بن عبد الله في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن المعلى ابن خنيس قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا معلى اكتم أمرنا ولا تذعه فإنه من كتم أمرنا ولا يذيعه أعزه الله في الدنيا، وجعله نورا بين عينيه يقوده إلى الجنة، يا معلى إن التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى إن الله يحب ان يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، والمذيع لأمرنا كالجاحد له)[7]

منها: وبهذا الاسناد قال: قال سيدنا الصادق عليه السلام:

(عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره)[8]

منها: ما ر واه أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في (الاحتجاج) عن أبي محمد الحسن ابن علي العسكري عليهما السلام في حديث ان الرضا عليه السلام جفا جماعة من الشيعة وحجبهم فقالوا: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما هذا الجفا العظيم والاستخفاف بعد الحجاب الصعب؟
قال: لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأنتم في أكثر أعمالكم مخالفون، ومقصرون في كثير من الفرائض، وتتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا تجب التقية، وتتركون التقية حيث لا بد من التقية)[9]

منها: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إياكم أن تعملوا عملا نعير به، فإن ولد السوء يعير والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا، ولا تكونوا عليه شينا، صلوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم، والله ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخباء، قلت: وما الخباء؟ قال التقية)[10] هي المعاشرة الجميلة

منها: وقال الحسن بن علي عليهما السلام: إن التقية يصلح الله بها أمة لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، فان تركها أهلك أمة تاركها شريك من أهلكهم، وإن معرفة حقوق الاخوان يحبب إلى الرحمن، ويعظم الزلفى لدى الملك الديان، وإن ترك قضائها يمقت إلى الرحمن ويصغر الرتبة عند الكريم المنان)[11]

منها: في (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين عليه السلام في احتجاجه على بعض اليونان قال: وآمرك أن تصون دينك، وعلمنا الذي أودعناك، فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد ولا تفش سرنا إلى من يشنع علينا وآمرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله يقول: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة " وقد أذنت لكم في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه وفي إظهار البراءة إن حملك الوجل عليه وفي ترك الصلوات (*) المكتوبات ان خشيت على حشاشة نفسك الآفات والعاهات، فان تفضيلك أعداءنا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا ولئن تبرء منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقى على نفسك روحها التي بها قوامها، ومالها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تمسكها، وتصون من عرف بذلك أولياءنا وإخواننا، فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين، وصلاح إخوانك المؤمنين، وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودماء إخوانك معرض لنعمتك ونعمتهم للزوال، ومذل لهم في أيدي أعداء دين الله، وقد أمرك الله بإعزازهم فإنك ان خالفت وصيتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا)[12]


[1] سورة التحريم: اية6.
[2] سورة النساء: اية 97.
[3] القواعد والفوائد، الشهيد الأول، ج2، ص158.
[4] التقية: الشيخ مرتضى الانصاري، ج1، ص39.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب24، أبواب وجوب التقية، ج11، ص459، ح2.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب24، أبواب وجوب التقية، ج11، ص465، ح21.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب24، أبواب وجوب التقية، ج11، ص465، ح23.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب24، أبواب وجوب التقية، ج11، ص465، ح28.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب25، أبواب وجوب التقية، ج11، ص470، ح9.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب26، أبواب وجوب التقية، ج11، ص471، ح2.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب28، أبواب وجوب التقية، ج11، ص473، ح4.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ب28، أبواب وجوب التقية، ج11، ص479، ح11.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo