< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

37/01/03

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

كان بحثنا في وجوب الهجرة وقلنا انه لا خلاف في اصل الوجوب وانما تجب الهجرة على من يكون دينه في خطر لحفظ الدين والتمكن من أداة الواجبات وترك المحرمات كما جاء من التعبير انه اذا ضعف عن اظهار شعائر الإسلام لابد ان نحمل على هذا المعنى، وهنا نذكر بعض كلمات الفقهاء كنموذج لمن قال بذلك.

الشيخ (ره) في المبسوط عندما يأتي الى هذه المسألة يقول لما نزل قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾[1] فأوجب الهجرة وكان الناس على ثلاثة اضرب منهم من يستحب له ولا يجب عليه ومنهم من لا يستحب له ولا يجب عليه ومنهم من يجب عليه.

فالذي يستحب له ولا يجب عليه هو الذي اسلم بين ظهراني المشركين وله قوة بأهله وعشيرته ويقدر على اظهار دينه ويكون امن على نفسه مثل العباس ابن عبد المطلب كان يستحب له ان يهاجر لكي لا يكثر سواد المشركين ولا يلزمه لأنه قادر على اظهار دينه وليس فيه خطر، ومع ذلك يستحب له الخروج لكي لا يكون مكثر السواد للمشركين.

وبعبارة أخرى انه في صدر الإسلام من كان في مكة محسوب على دولة هؤلاء الظالمين، ولكن اذا خرج الى المدينة دخل تحت ظل دولة رسول الله صلى الله عليه واله.

ولذلك الشيخ (رض) يمثل انه من لا يجب عليه الهجرة مثل العباس وعثمان بما انه لهم عوائل يدافعون عنهم ولا خوف عليهم، ولكن وجودهم في مكة محسوب على اهل مكة فيكون الخروج مستحب لهم.

واما الذي لا يجب ولا يستحب هو الذي يكون ضعيف لا يقدر على الهجرة فيقيم الى ان يتمكن ويقدر على الخروج، ويمكن ان يناقش في هذا الامر، وهو ان الايجاب بغير المقدور فيكون قبيحاً، ولكن لعل الاستحباب يكون ليس قبيح، بما ان الايجاب تكليف وهو لا يكون الا لمن هو قادر، ولكن الاستحباب ليس فيه كلفة فهو حكم لمن يستطيع القيام به.

واما الذي تلزمه الهجرة وتجب عليه: من كان قادرا على الهجرة ولا يأمن على نفسه من المقام بين الكفار ولا يتمكن من اظهار دينه بينهم فيلزمه ان يهاجر لقوله تعالى ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾ بهذه الآية المباركة الشيخ (رض) يستدل به على كلا الامرين:

أولا: انه لا يجب على من يقدر على القيام بواجباته ان يهاجر.

ثانيا: يجب على من لا يقدر على الاتيان بواجباته.

وبعد ان يذكر الآية المباركة يستدل بها على وجوب الهجرة على المستضعف الذي لا يقدر على اظهار دينه، ودليله انه من لم يكن مستضعف لا تلزمه، ثم استثنى من لم يقدر ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾[2] فان الشيخ يقول معناه اذا لم يكونوا مستضعفين في الأرض وكانوا يستطيعون ان يدافعوا عن انفسهم ويقوموا بشعائرهم، لم يكن يجب عليهم، وهذا يدل على ان غير المستضعف ممن يستطيع في بلاد الشرك أي يقوم بواجبه ويحفظ دينه ويقوم بما يجب عليه ويتجنب ما هو محرم عليه فلا يجب عليه الهجرة، وانما تجب على من لا يستطيع ان يقوم بواجبه -يعني المستضعف في الدين- هذا المسلم يجب عليه المهاجرة، ولكن اذا كان مستضعف في الدين من الناحية المادية كذلك كقول الله تبارك وتعالى ﴿فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾[3] فاستدل بهذه الآية المباركة في ذكر الأقسام الثلاثة.[4]

ومثل هذا الكلام تراه في المنتهى[5] ، العلامة (رض) قال: فوجوب المهاجرة ثلاثة لمن لا يقدر على حفظ دينه او لا يقدر على إقامة الواجبات وترك المحرمات.

ولكن مع ذلك لابد ان لا نستهين بالوقوف في بلاد الكفر، بعض الناس تراه بأدنى حجة يترك بلاد الإسلام ويذهب ويسكن في بلاد الكفر مثلا، وهذا امر خطر جدا خصوصا بالنسبة الى عوام الناس فأنه يشكل خطر عليه وعلى اهله فأنهم يتأثرون من الكفار والقران ينهى ويأمر بحفظ النفس والاهل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[6] فعلى ذلك من يهاجر الى بلاد الكفر وهو يرى او يتوقع ان يكون سببا لضعف دينهم لا ينبغي له ان يذهب الى بلاد الكفر لأنه المال اكثر عندهم، عليه ان يتكل على الله ويسترزق الله تبارك وتعالى والله يرزقه وهو في بلاده.

ثم يقول المحقق (رض) والهجرة باقية ما دام الكفر باقياً، يمكن ان يتراءى الى الذهن انما جاء في وجوب الهجرة كان في صدر الإسلام عندما لم يكن الإسلام قويا، فأمر رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يهاجر اهل مكة الى المدينة المنورة فلعله بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) لا موضوع للهجرة.

ولكن مع ذلك فقهانا تقريباً لا خلاف بينهم في ذلك، طبعا -فقهانا كما قلنا في هذه المسألة قل من ذكر هذه المسألة يعني لم يتطرقوا الى الهجرة ولكن من تكلم عن هذا الامر قال بوجوب الهجرة- وقالوا هذا لا ينحصر في عصر رسول الله (صلى الله عليه واله) بل هذا الامر باق متى ما يكون كفر ومتى ما يكون هناك شرك.

كما قال المحقق: والهجرة باقيه ما دام الكفر باقي فلا خلاف فيه، ولكن في المسالك قال ان بعض العامة يرون عدم الوجوب، ويستندون الى النبوي الذي هو مذكور عند الفريقين كما ذكره حسن ابن محمد الطوسي ذكره في اماليه عن ابيه عن المفيد عن أبن بابويه عن محمد ابن الحسن عن الحسين ابن الحسن ابن ابان عن الحسين ابن سعيد عن ابن ابي عمير ومحمد ابن إسماعيل جميعا عن منصور وعلي ابن إسماعيل الميثمي جميعا عن منصور ابن حازم عن ابي عبد الله الصادق عن ابيه عن ابائه (عليهم السلام) عن رسول الله قال رسول الله (صلى الله عليه واله) (ولا تعرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح)[7] واستدلوا بهذا الحديث بعدم وجوب الهجرة بعد فتح مكة في سائر الاعصار بعد زمن رسول الله.

وصاحب الجواهر (رض) عندما يذكر هذا الحديث يقول: انه غير ثابت عندنا

وفي الكلام مناقشة رجالية في ما يتعلق بمنصور بن حازم، والمختار تقديم كلام النجاشي (رض) لأنه اخبر عن عدالته بنقل الرواية.

مضافا الى الكلام في نص الحديث وما المراد من "بعد الفتح" هل يقصد به فتح مكة واذا كان هو، هل المراد انه لا هجرة هل المراد عدم الهجرة من مكة يعني بعد فتحها صار اظهار الإسلام امر ميسور فلا يجب بعده الهجرة.

ثم انه لا بئس من ذكر روايتين في مسألة الهجرة لتكملة هذا البحث، بالنسبة الى البقاء في بلاد الكفر كما قلنا انه امر غير مرغوب فيه واذا رأى الانسان نفسه في خطر لا ينبغي ان يبقى في تلك البلاد، ولكن مع ذلك هناك روايات واردة ناهية عن ذلك:

منها ما ورد عن محمد بن سنان ان أبا الحسن الرضا ع كتب اليه في ما كتب في جواب مسائله (وحرم الله التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين وترك الموازرة)[8] معناه ان يذهب الى بلاد الكفر وقيل انها الخروج من الدين.

ومنها: عن حماد السمندي "قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام إني ادخل بلاد الشرك وإن من عندنا يقولون: إن مت ثم حشرت معهم، قال: فقال لي: يا حماد إذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا كنت في هذه المدن مدن الاسلام تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال: قلت: لا، فقال لي: انك إن تمت ثم تحشر أمة وحدك ويسعى نورك بين يديك"[9] فعلى ذلك مسألة الدعوى الى الدين امر مهم، ولكن ان يذهب الانسان الى بلاد الكفر وهو يتأثر منهم سلباً فلا ينبغي له ان يذهب.


[1] سورة النساء: اية 97.
[2] سورة النساء: اية 98.
[3] سورة النساء: اية 99.
[4] المبسوط، الشيخ الطوسي، ج2، ص3و4.
[5] المنتهى، العلامة الحلي، ج14، ص19.
[6] سورة التحريم: اية6.
[7] وسائل الشيعة: ج11، ص77، ب36، ح7.
[8] وسائل الشيعة: ج11، ص75، ب36، ح2.
[9] وسائل الشيعة: ج11، ص77، ب36، ح6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo