< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

42/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: أدلة الأقوال في مسألة تحديد أماكن التخيير/ المسألة 11 / التخيير في الأماكن الأربعة/ القاطع الثالث/ قواطع السفر/

    1. ثم إن مستند القول الأول علاوة على أنه مقتضى القاعدة حيث أن عمومات القصر في كل موضع يصدق فيه عنوان السفر يشمل الأماكن الأربعة على حد شمول سائر البقاع التي يصدق فيها العنوان وإنما نرفع اليد والقدر المتيقن عبارة عن المساجد الثلاثة والحائر حيث نلتزم فيها بالتخيير ونرفع اليد عن عموم القصر على المسافر وأما ما زاد على ذلك من تمام مكة والمدينة والكوفة وكربلاء فيكون المرجع عموم القصر. وإجمال الخاص لا يسري إلى العام، فالعام قد تمت حجية ظهوره في العموم بلا مزاحم إلا بمقدار ما تمت حجية الخاص فيه وهو الأقل والزائد يكون المرجع فيه العام. ولعلّ هذا مراد الحلي من اختصاص الحكم بالمسجدين أخذاً بالمتيقن.

نعم توجد جملة روايات قد يستفاد منها الاختصاص بالمساجد الثلاثة والحائر، وهي الروايات المشتملة على ذكر المسجدين الحرام والنبوي منضماً إلى ما ذكر.

مسجد الكوفة والحائر الحسيني، وذلك من قبيل رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله (ع) قال: تتم الصلاة في أربعة مواطن، في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين(ع)، وهكذا رواية إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله(ع). قال: تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في المسجد الحرام ومسجد الرسول وعند قبر الحسين(ع) ورواية حذيفة بن منصور عمن سمع أبا عبد الله(ع) يقول: تتم الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين(ع) فقد يُقال بأنها يُخصَّص بها عموم حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين(ع). صحيح أن لا مفهوم للوصف إلا أنه يدل على أن موضوع الحكم لم يكن هو الطبيعي على عمومه وإلا لزم اللغوية من تقييده وأن وجوده وعدمه سيَّان ينزَّه عنه كلام الحكيم العارف بأساليب المحاورة.

والحاصل: أن التقييد يكشف عن عدم تعلق الحكم بكلي مكة والمدينة، وإلا لم يكن معنى للتخصيص.

وفيه: مضافاً إلى ضعف سند الروايات التي أفادت المسجد الحرام ومسجد الرسول(ص). أما رواية عبد الحميد فهي ضعيفة به وبمحمد ابن سنان وعبد الملك القمي، وهكذا رواية حذيفة بن منصور لاشتمالها على محمد بن سنان والإرسال ورواية أبي بصير أيضاً مكان محمد بن سنان وكذا رواية إبراهيم بن أبي البلاد فإنها مرسلة.

إن المطلق والمقيد إثباتيان لا تنافي بينهما حتى يقيد المطلق بالمقيد ثم إنه يشهد لعموم الحكم لتمام البلدين ما في صحيحة ابن مهزيار حيث قال فقلت: أي شيء تعني بالحرمين؟ فقال: مكة والمدينة.

فإن اختصاص الحرمين بمكة والمدينة مما لا إشكال فيه وإنما السؤال عن أن الحرم يعم البلد؟ أو يخص المسجد؟ وعليه لا يمكن حمل الحرمين فيه على خصوص المسجدين.

وقد عرفت فيما سبق ما يقتضي اختصاص حرم الرسول بمسجد الرسول لا بتمام المدينة وذلك بمقتضى صحيحة أبي ولاد، لكن تقدم ما ينفع المقام.

وأما الحرم الثالث وهو حرم أمير المؤمنين(ع) أعني الكوفة أو مسجدها تمثلاً في صحيحة حماد بن عيسى النعير بحرم أمير المؤمنين وهو مجمل يتردد أمره بين تمام الكوفة وخصوص مسجدها، وقد تقدم أن المخصص إذا أجمل وتردد أمره بين الأقل خصوص المسجد والأكثر وهو تمام الكوفة فإنه يؤخذ بالقدر المتيقن وهو الأقل ويرجع في الزائد إلى عموم ما دل على القصر على كل مسافر.

والحاصل: أنه لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو المسجد دون سائر الكوفة. نعم في رواية زياد القندي حيث ورد فيها: أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين(ع) وقد عرفت مما تقدم ضعف سندها، لا تصلح لأن نخرج بها عن عمومات وجوب القصر على المسافر بالنسبة للكوفة.

وإنما ما يصلح لرفع اليد عن عمومات القصر هي روايات ضعيفة السند قد فسرت حرم أمير المؤمنين بمسجد الكوفة وقد تقدم منها رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر وخبر حذيفة بن منصور ورواية أبي بعير والتي فيها محمد بن سنان ومرسلة حماد بن عيسى ع أبي عبد الله (ع) قال: من الأمر المنظور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر.

بقي في المقام روايتان ذكر الحر إحداهما في أبواب المزار وثانيهما في أبواب أحكام المسجد.

أما الرواية الأولى فهي صحيحة حسان بن مهران قال:

سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: قال أمير المؤمنين(ع): مكة حرم الله والمدينة حرم رسول الله (ص) والكوفة حرصي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله.

فقد يقال أنها وردت في مقام الشرح لحرم أمير المؤمنين(ع) بتمام الكوفة فبضمها إلى صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله أنه قال من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن وورد فيها: وحرم أمير المؤمنين(ع)

والحاصل: أنه بمقتضى صحيحة حماد بن عيسى ثبت جواز التمام في حرم أمير المؤمنين(ع) وبمقتضى هذه الصحيحة فسِّر بتمام الكوفة فيكون جواز التمام ثابتاً في تمام الكوفة.

وأما الرواية الثانية فهي رواية خالد القلانسي عن الصادق(ع) إلى أن قال: والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب والرواية ضعيفة السند سواء بإسناد الشيخ أو الصدوق والكليني رغم انصراف خالد القلانسي إلى ابن زياد الثقة دون ابن زياد المجهول أما طريق الصدوق والشيخ فلاشتمالهما على النضر بن شعيب الذي لم يوثق وكذا في طريق الكليني إليه محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه كل من محمد وأبيه الحسن لم يوثق رغم وجودهما في إسناد كامل الزيارات.

وأما الدلالة فيقال بانها ظاهرة الدلالة على أن الكوفة حرم أمير المؤمنين فهي في مقام الشرح والتفسير.

وفيه: أما الرواية الأولى فبقرينة لا يريدها جبار بحادثة إلا قصة الله حيث أن مرجع الضمير إما الأماكن الثلاثة أو خصوص الكوفة يكون أن لهذه الأماكن حرمتها بحرمة المضاف إليه ولذا ما أرادها جبار بحادثة إلا قصمه الله عز وجل ولا ربط للفظة الحرم في الرواية بما نحن فيه بل هي أشبه بأمثال ما لو تكرر الحد الأوسط لفظاً دون المعنى فإنه لا يصح أن نخلص إلى النتيجة من تشكيل ما ظاهره كبرى وصغرى قياس منطقي.

وإن شئت قلت تكرر لفظة الحرم لفظاً في المقامين لا تعني أنه أُريد منها في المقامين معنى واحد طالما أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز وإن كان الثاني يحتاج إلى قرنية قد اكتشفها أحد الخبرين إما خبر حماد بن عيسى أو خبر حسان بن مهران.

ومن هنا ذكر صاحب المستمسك أن مجرد التطبيق لا ينفع فيما نحن فيه ما لم يكن الخبر مشتملاً على التفسير ثم أردف قائلاً: أن التطبيق إنما ينفع في الحكم الثابت لموضوع عام لا ما إذا أريد من العام فرد مخصوص وقد أجمل نعم صاحب مستند العروة قد أصر على أن مفاد الروايتين الشرح والتفسير وليس مجرد التطبيق وهو كما ترى؟

بقي الكلام بالنسبة للرواية الثانية فإنها مضافاً إلى ضعف سندها يرد على الاستدلال بها أنها ذكرت الأحرام الثلاثة مقدمة لمعادلة الصلاة والصدقة فيها بمائة ألف أو بألف إلخ.. وأين هذا من الحرم الذي أخذ في موضوع التخيير؟.

والحاصل: أننا نرفع اليد عن عموم القصر بالنسبة لخصوص مسجد الكوفة باعتباره القدر المتيقن وفيما عدا المسجد يكون المرجع عموم وجوب القصر.

وأما الحائر الحسيني(ع) فالروايات فمنها ما ورد بلسان حرم الحسين(ع)، ومنها ما ورد بلسان الحائر، ومنها ما ورد بلسان عند قبر الحسين(ع).

أما الطائفة الأولى فهي روايات عديدة منها صحيحة حماد بن عيسى التي ورد فيها أنه من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن منها حرم الحسين بن علي(ع). ومنها رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر ورواية حذيفة بن منصور ورواية أبي بعير المشتملة على إرسال وضعف بمثل محمد بن سنان كما تقدم،

وأما الطائفة الثانية فهي مرسلتان واحدة لعماد بن عيسى وأخرى للصدوق وشيء منهما لا يُعتمد عليه.

وأما الطائفة الثالثة التي ورد في لسانها عند قبر الحسين(ع) فمنها رواية أبي شبل ورواية زياد القندي وإبراهيم بن أبي البلاد ورواية عمرو بن مرزوق وهي بتمامها ضعيفة بمثل سهل بن زياد وزياد القندي والإرسال في رواية إبراهيم بن أبي البلاد وهكذا رواية ابن مرزوق المشتملة على مجاهيل فالصحيح من الروايات ما ورد بلسان حرم الحسين(ع)، وأمره مردد بين عدة احتمالات:

    1. أن يُراد به كربلاء بتمامها بل أوسع منها وهو ما يشمل خمس فراسخ من الجهات الأربعة للقبر الشريف. أو فرسخ واحد.

    2. أن يكون عبارة عن الصحن الشريف وما حواه كما هو مذهب المجلسي قده.

    3. أن يُراد به الرواق وما حواه من الحرم الشريف.

    4. أن يُراد به ما دار عليه سور الحرم والذي هو القدر المتيقن من لفظة الحرم.

    5. أن يُراد به ما حول الضريح الملاصق للقبر الشريف مما يكون تحت القبة تعويلاً على ما من التعبير بـ: عند القبر فإن المنصرف منه ما حول الضريح مما يكون ملاصقاً له.

    6. أن يُراد به ما حول القبر الشريف بخمسة وعشرين ذراعاً من الجهات الأربعة والتي تقارب أحد عشر متراً ونصف المتر، إذا ما احتسب كل ذراع بست وأربعين سنتم، ومستند هذا الوجه هي موثقة إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن لموضع قبر الحسين(ع) حرمة معروفة من عرفها واستجار بها أجير.

قلت: صف لي موضعها. قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه.

هذه جملة وجوه بل أقوال، وليس لها مستند سوى أن صدق الحائر على بعض تلك الوجوه حقيقة مع أنك عرفت عدم تمامية ما دل على أن الموطن الرابع هو الحائر وإنما الذي ثبت بالدليل الصحيح هو الحرم، ولذا فإن الاسترسال في تحديد الحائر بأنه ما يحيط بقبور الشهداء (ع) إلا العباس لأنه تمثل على المسناة أو أنه ما دار سور المشهد والمسجد، عليه دون ما دار سور البلد عليه أو أنه مجموع الصحن المقدس أو القبة السامية أو الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات القديمة من الرواق والخزانة والمقتل غير نافع بعد أن عرفت أن مستند مرسلتا حماد بن عيسى والصدوق.

نعم الوجه السادس الذي ذهب بعض المعلقين على المتن استناداً إلى موثقة إسحاق بن عمار، غير أن هذه الموثقة لا ربط لها بما نحن فيه من ثبوت التخيير عند حرم الحسين(ع) إلا التعبير بلفظة إن لموضع قبر الحسين(ع) حرمة معروفة والاستعمال أعم فإن مجرد تكرر لفظة الحرم والحرمة في صحيحة حماد بن عيسى وموثقة إسحاق بن عمار لا يدلل على أنه أريد بإحداهما عين ما أريد بعد أن كانت جهة الاستعمال مختلفة كما أن يخفى على المتأمل!.

فالصحيح ما تقدم من أنه مع إجمال الخاص المتردد بين الأقل والأكثر يؤخذ بقدره المتيقن وبه نرفع اليد عن عموم القصر على المسافر ونرجع في ما أجمل الخاص فيه إلى عمومات القصر حيث لا يسري إجمال الخاص إليها بعد أن كان منفصلاً.

ثم إنه ذهب الإسكافي والسيد إلى إلحاق المشاهد المشرفة بأماكن التخيير وذلك لأن المستفاد من الأخبار أن المناط في التخيير وأفضلية التمام من القصر هو حرمة البقعة وشرافة المكان وهذه النكتة عامة لجميع المشاهد المشرفة.

وفيه: أن عموم وجوب القصر شامل لهذه المشاهد الشريفة لشمول عنوان المسافر لها ولا تُرفع اليد عن العموم إلا بقرينة وحجة أقوى والخاص غير شامل لذلك لفظاً ومجرد أن مناط التخيير هو حرمة البقعة لا يوجب التوسعة في لسان الخاص بما يشمل المشاهد المشرفة بحيث نرفع اليد به عن العموم.

ثم إن أماكن التخيير قد طرأ عليها زيادات، فإن كانت تلك الزيادات حادثة بعد صدور هذه الأخبار فإنه يؤخذ بها وتكون داخلة في أماكن التخيير فإن النصوص تشير فعلاً إلى ما هو مسجد الكوفة بالفعل أو حرم الحسين(ع) كذلك أو المسجد الحرام والمسجد النبوي أيضاً لكون النظر فيها إلى تلك المواضع المعلومة المحددة.

والخلاصة أن الزيادة الحادثة قبل صدور هذه الأخبار تكون مشمولة لما دل على ثبوت التخيير لشمول النصوص لها، وإنما الشأن في الزيادات الحادثة بعد صدور الروايات فإنه لا يؤخذ بتلك الزيادات، فلا تشملها المخصَّصات.

ثم إنه لا فرق في الأماكن الأربعة بين الأسطح والصحون والمواضع المنخفضة كالموضع الذي يؤخذ منه ماء زمزم في المسجد الحرام، وذلك لإطلاق الأدلة بعد صدق عنوان المسجد الحرام مثلاً عليها جميعاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo