< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

42/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المسألة 11 / التخيير في الأماكن الأربعة/ القاطع الثالث/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

مسألة 11 :

"الأقوى [1] كون المسافر مخيرا بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة : وهي مسجد الحرام ومسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومسجد الكوفة والحائر الحسيني ( عليه السلام ) بل التمام هو الأفضل وإن كان الأحوط هو القصر وما ذكرنا هو القدر المتيقن وإلا فلا يبعد كون المدار على البلدان الأربعة [2] ، وهي مكة والمدينة والكوفة وكربلاء [3] لكن لا ينبغي ترك الاحتياط[4] خصوصا في الأخيرتين[5] ، ولا يلحق بها سائر المشاهد ، والأحوط[6] في المساجد الثلاثة الاقتصار على الأصلي منها دون الزيادات الحادثة في بعضها ، نعم لا فرق فيها بين السطوح والصحن والمواضع المنخفضة منها كما أن الأحوط[7] في الحائر[8] الاقتصار على ما حول الضريح[9] المبارك".[10]

تعرض الماتن في هذه المسألة للمواطن الأربعة للتخيير، وقد استقوى التخيير فيها، وهي مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر الحسيني (ع).

أقول: مما تفردت به الإمامية عدم جواز الإتمام للمسافر، إلا في المواطن الأربعة، وهذا مما لا خلاف فيه، بل الإجماع عليه من غير واحد. وقد ذهب الأكثر إلى التخيير، بل عن السرائر وظاهر الخلاف دعوى الإجماع عليه، وفي مفتاح الكرامة كثرة دعوى الإجماع. وقد خالف في ذلك الصدوق في الفقيه، فقال: بمساواة هذه المواضع لغيرها، ما لم ينقطع السفر بأحد القواطع، وهو المحكي عن القاضي، واحتمله الشيخ في كتاب الأخبار، وذهب إليه العلامة الطبابطائي في مصابيحه. وعن المفيد والسيد المرتضى وابن الجنيد، تعين التمام.

ومستند المسألة هو روايات الباب الخامس والعشرين من أبواب صلاة المسافر، وهي روايات كثيرة إلا أنه يمكن تقسيمها لثلاثة طوائف، طائفة آمرة بالتمام، وأخرى بالقصر، وثالثة بالتخيير.

أما الروايات الدالة على التمام:

    1. صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج "قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمام بمكة والمدينة ، فقال : أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة"[11]

    2. صحيحة مسمع بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع): " قال : قال لي : إذا دخلت مكة فأتم يوم تدخل"[12]

وتصحيح الرواية مبني على التعويض في طريق الشيخ إلى محمد بن الحسين؛ لاشتماله على إبن أبي جيد.

    3. رواية عمر بن رياح "قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : أقدم مكة أتم أو أقصر ؟ قال : أتم".[13]

    4. رواية أبي شبل "قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أزور قبر الحسين ؟ قال : نعم زر الطيب وأتم الصلاة عنده ، قلت : بعض أصحابنا يرى التقصير قال : إنما يفعل ذلك الضعفة ".[14]

    5. رواية إسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر ، عن أبي عبد الله عليه السلام "قال : تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام".[15]

    6. موثقة عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين ، فقال : أتمها ولو صلاة واحدة ".[16]

    7. رواية إبراهيم بن أبي البلاد ( و ) عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام "قال : تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، وعند قبر الحسين عليه السلام".[17]

    8. رواية حذيفة بن منصور ، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : "تتم الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه السلام".[18]

    9. رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه السلام".[19]

    10. رواية عمرو بن مرزوق قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في الحرمين وعند قبر الحسين عليه السلام ، "قال : أتم الصلاة فيهن"[20]

    11. رواية قائد الحناط عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته عن الصلاة في الحرمين ، فقال : "أتم ولو مررت به مارا".[21]

نعم هنالك روايات دلت على التمام، إلا أنه لا يُستفاد منها للأمر بالتمام، لقبولها الحمل على الاستحباب:

    1. صحيحة حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : "من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن حرم الله ، وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وحرم الحسين بن علي عليه السلام"[22]

    2. موثقة مسمع بن عبد الملك، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : "كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ، ويقول : إن الاتمام فيهما من الامر المذخور".[23]

    3. موثقة عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إن من الامر المذخور الاتمام في الحرمين"[24]

    4. مرسلة الصدوق : قال الصادق عليه السلام : "من الامر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : مكة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه السلام"[25]

وهذه الروايات دلت على ثبوت التقصير، إلا أنها غير ظاهرة في الوجوب، بل القدر المتيقن منها المشروعية، ولا تأبى من الحمل على الإستحباب، كأفضل أحد فردي التخيير. نعم النظر في هذه الروايات إلى بيان الحكم الواقعي، وآبية من الحمل على التقية، لمن تأمل في ألسنتها.

وأما رواية زياد القندي قال : قال أبو الحسن عليه السلام : "يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفس ، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه السلام"[26] . فإنها رغم أمرها بالإتمام، إلا أنه بقرينة أحب لك ما أحب لنفسي، تحمل على الاستحباب، ومما يُعزِّز هذا الفهم، بل قرينته، رواية على بن يقطين قال : "سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التقصير بمكة فقال : أتم وليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي".[27] فقد أمرت بالإتمام، ونفت عنه الوجوب، وأنه لا يحب له إلا ما يحب لنفسه.

نعم بعض الروايات الواردة في هذه الطائفة لم تكن بلسان الأمر، من قبيل: تتم الصلاة في ثلاثة مواطن وغيرها، إلا أنها إخبار في مقام الإنشاء.

وأما الروايات الآمرة بالتقصير:

    1. موثقة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه ، قال : "فليقصر الصلاة ما دام محرماً".[28] فإنها أمرت بالتقصير، نعم ظرفه مدة إحرامه، لا أنه قيد فيه.

    2. رواية محمد بن إبراهيم الحضيني قال : استأمرت أبا جعفر في الاتمام والتقصير قال : "إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة ، قلت : إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ( أيام ) قال : انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة".[29]

    3. صحيحة ابن بزيع قال : سألت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام ، فقال: "قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام"[30]

    4. رواية علي بن حديد قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر ، وبعضهم يتم ، وأنا ممن يتم على رواية قد رواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم ، فقال : "رحم الله ابن جندب ، ثم قال لي : لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام وصل النوافل ما شئت ، قال ابن حديد : وكان محبتي أن تأمرني بالاتمام"[31]

    5. صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام ، فقال : "لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام ، فقلت : إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام ، فقال : إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام"[32]

    6. صحيحة أبي ولاد التي أناطت التمام فيمن عدل عن نية الإقامة، ولم يأتِ برباعية بتمام بنية الإقامة، وإلا فإن حكمه القصر.[33]

وأما روايات التخيير:

    1. صحيحة علي بن مهزيار قال : "كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والتقصير للصلاة في الحرمين فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة ومنها أن يأمر بقصر الصلاة بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يقصر ما لم ينو عشرة أيام ، ولم أزل على الاتمام فيها إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا ، فان فقهاء أصحابنا أشاروا إلي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام ، فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب إلى عليه السلام بخطه قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة ، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا ، فقال : نعم ، فقلت : أي شئ تعني بالحرمين ؟ فقال : مكة والمدينة الحديث"[34]

    2. صحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكة قال : "من شاء أتم ومن شاء قصر"[35]

    3. رواية عن عمران بن حمران قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : أقصر في المسجد الحرام أو أتم ؟ قال : "إن قصرت فلك ، وإن أتممت فهو خير ، وزيادة الخير خير".[36]

    4. ومنها رواية زياد القندي المتقدمة[37] ، الدالة على أفضلية التمام من القصر.

    5. رواية الحسين بن المختار ، عن أبي إبراهيم عليه السلام "قال : قلت له : إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر ؟ قال : إن قصرت فذلك ، وإن أتممت فهو خير تزداد"[38]

    6. رواية إبراهيم بن شيبة "قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين فكتب إلي : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم".[39] فإنها وإن أمرت بالإتمام، إلا أنه كأفضل فردي التخيير، فهي دالة على التخيير بالالتزام، واستحباب الإتمام كأحد أفضل فرديه.

    7. رواية علي بن يقطين المتقدمة[40] ، حيث أمرت بالتمام، ونفت عنه الوجوب، وأنه (ع) يحب له ما يحب لنفسه.

    8. رواية زياد بن مروان "قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام ، عن إتمام الصلاة في الحرمين فقال : أحب لك ما أحب لنفسي أتم الصلاة".[41]

    9. رواية صالح بن عبد الله الخثعمي "قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين أقصر أم أتم ؟ فكتب عليه السلام إلى : أي ذلك فعلت فلا بأس ، قال : فسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عنها مشافهة فأجابني بمثل ما أجابني أبوه إلا أنه قال في الصلاة : قصِّر".[42]

ثم هذه الروايات التي بأيدينا، إن حملنا الأمر في الطائفة الأولى منها على وروده عقيب الحظر أو توهمه، فلا تُحمل إلا على مشروعية التمام، لا على وجوبه، فلا تكون معارضة لروايات التخيير – الطائفة الثالثة- نعم تكون معارضة لروايات الطائفة الثانية، الآمرة بالقصر تعييناً.

وكذلك الأمر لو استفدنا منها استحباب التمام، ولو بقرينة مثل ما في رواية علي بن يقطين "قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التقصير بمكة فقال : أتم وليس بواجب إلا اني أحب لك ما أحب لنفسي".[43] فإنها لا تعارض روايات الطائفة الثالثة، حيث يكون مخيراً بين التمام والقصر، وإن كان التمام أفضل ومستحب، نعم هي معارضة لروايات الطائفة الثانية الآمرة بالقصر تعييناً.

وإن حملنا روايات هذه الطائفة على ظاهرها من وجوب التمام تعييناً، فسوف يحصل لدينا معارضتان، الأولى ما بين روايات الطائفة الأولى الآمرة بالتمام تعييناً، مع روايات الطائفة الثانية، الأمرة بالقصر كذلك – أي تعييناً- والثانية ما بين روايات كل من الطائفة ا لأولى والثانية مع روايات الطائفة الثالثة التي مفادها التخيير، فمثلاً روايات الطائفة الأولى الأمرة بالتمام تعييناً، كما أنها تكذب مفاد روايات الطائفة الثانية الآمرة بالقصر تعييناً، فإنها تكذب مفاد روايات الطائفة الثالثة التي أفادت التخيير، أي أن وظيفته التمام تعييناً، لا القصر تعييناً، ولا أنه مخير بين القصر والتمام، وهكذا روايات الطائفة الثانية الآمرة بالقصر تعييناً، فالمعارضة ثلاثية الأطراف.

وقد يُدعى[44] بأنه يُجمع بين الطائفتين الأولى والثانية، بالحمل على التخيير؛ لأنه المرجع عند التعارض، وفقد المرجح، وفي موضع آخر قال: أن المرجع الثابت شرعاً عند التعارض هو التخيير، فلا وجه لرفع اليد عنه، أو لشهادة الأخبار بذلك كرواية علي بن يقطين عن التقصير بمكة، قال: "أتم، وليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي".[45]

وفيه: أن هذا الذي ذُكر من أن القاعدة هي التخيير، سواء بحسب القاعدة الأولية، أو الثانوية، ومن نظر روايات العلاج، غير تام كبروياً على ما هو محرر في بحوث التعارض، وأن الصحيح بحسب القاعدة الأولية التساقط؛ لأن صور التخيير إما غير معقولة ثبوتاً، أو غير مستساغة إثباتاً، ولا مستفادة دلالة واستظهاراً؛ ولذا فالقاعدة الأولية التساقط.

وأما بالنظر للروايات الخاصة:

    1. فما دل على التخيير بين ما هو ساقط سنداً، ظاهر الدلالة، وبين ما هو تام سنداً غير ظاهر الدلالة.

    2. مضافاً إلى أنه لا يصلح الاستشهاد بمثل رواية علي بن يقطين، لا لضعف سندها بإسماعيل بن مرار، بل لأنها من روايات التخيير، وهي بدورها داخلة في حلبة المعارضة مع روايات الطائفة الأولى والثالثة، فلا تصلح لأن تكون شاهداً.

    3. وثالثة إنما يصار إلى التخيير بحسب القاعدة الأولية، أو الثانوية فيما لو استقر التعارض، وافتقدت المرجحات، وهنا جملة وجوه للجمع العرفي، لو تم شيء منها لن تصل معها النوبة إلى التعارض المستقر، ولو كان التعارض مستقراً، إلا أنه توجد مرجحات في المقام، روايات الطائفة الثانية موافقة لعمومات القصر، فبعد التعارض، وعدم المرجح يُرجع إليها، بناءاً على ما هو الصحيح، من أن التعارض من عالم الرتب، وفي رتبة الخاصين، أعني الروايات الأمرة بالتمام في الأمكان الأربعة، والروايات الآمرة بالقصر فيها لا مجال للروايات العامة الآمرة بالقصر على كل مسافر، بما في ذلك الأماكن الأربعة، وبعد تعارض الطائفتين تكون هي المرجع، فلا تدخل في حلبة المعارضة، حتى تكون المعارضة ثلاثية الأطراف.

    1. روايات الطائفة الثانية تمتاز عن روايات الطائفة الأولى، بموافقتها للكتاب[46] ، ومخالفة تلك له؛ لذا تقدم عليها.

    2. دعوى موافقة روايات الطائفة الأولى للعامة، فتكون صادرة على وجه التقية، لا لبيان الحكم الواقعي، كما أفادت ذلك رواية معاوية بن وهب.

وهذه النكتة غير تامة، فإن العامة بين من لا يرى إلا التقصير، أو يقول بالتخيير، والأفضل التمام، لكونه الأشق.

إلا أنه قبل أن تصل النوبة إلى المرجحات المضمونية والجهتية، هناك وجوه للجمع العرفي، لو تم شيء منها لا يبقى لها موضوع؛ لعدم التعارض المستقر حيئذٍ. وهذه الوجوه هي:

    1. دعوى أن النسبة بين أخبار الطائفة الأولى والثانية هي العموم والخصوص المطلق، فإن أخبار التمام مطلقة من حيث نية الإقامة وعدمها، واختصاص روايات التقصير بعدم نية الإقامة.

وفيه: إباء أخبار الطائفة الأولى الآمرة بالتمام، عن التخصيص، فإنها لا تتم في مثل الروايات الآمرة بالتمام بمجرد المرور، أو يوم الدخول، أو ولو صلاة واحدة[47] .

    2. ما ذكره الميرزا (قده)[48] من أن الطائفة الأولى نص في التمام، ظاهرة في تعينه، والطائفة الثانية نص في القصر، ظاهرة في تعينه، فنرفع اليد عن ظهور كل منهما بالتعيين بنص الآخر في التمام أو القصر؛ ولذا ينتج التخيير. وإن شئت قلت: إنه ليس منشأ التعارض بين الطائفتين هو نصوصية كل منهما في التمام والقصر؛ لأنه يمكن أن يكون ذلك على وجه التخيير، وإنما منشأ التعارض هو ظهور كل منهما في تعين التمام أو القصر، فيتصرف في كل من الطائفتين برفع اليد عن الظهور في التعيين بنصوصية الطائفة الأخرى بالقصر أو التمام، وهذا ما ينتج التخيير.

وفيه: أنه ما هو المقصود من النصوصية في التمام، والنصوصية في القصر؟ هل بمعنى وجوب التمام ووجوب القصر؟، فمن الواضح أن الطائفتين ليستا نصاً، لا في وجوب التمام، ولا وجوب القصر، وإنما هما ظاهرتان في ذلك، والوجه في ذلك أن منشأ الظهور في الوجوب هي الصيغة، وهي مهما بالغنا في قوة ظهورها لا ترقى إلى أزيد من مستوى الظهور في الوجوب، وأما المادة وإن كانت نصاً في التمام أو القصر، إلا أن مجرد ذلك لا يكفي، بل لا بد من استعلام حال المادة، من خلال الهيئة التي تتهيأ بها، وهي هيئة الأمر في "أتم" أو " قصَّر" وهذه لا تزيد على الظهور في الوجوب، سواء كان إفاتها له على أساس الوضع، أو الإطلاق بصيغه الثلاثة المختلفة، أو بحكم العقل.

والحاصل: أننا أمام ظهورين للطائفة الأولى، الأول ظهورها في وجوب التمام، والثاني ظهورها في كونه على وجه التعيين، فلا يوجد أقوائية ظهور في كل من الطائفتين حتى يتصرف بالظهور في التعيين، الذي هو منشأ التعارض، برفع اليد عنه، ومن المعلوم أن الظهور لا يكون قرينة عامة عرفية على ظهور آخر مثله وفي رتبته.

ثم إنه أفاد (قده): أنه مما يشهد لهذا الجمع روايات الطائفة الثالثة، أعني روايات التخيير.

وفيه: أنك بعد أن عرفت دخولها في حلبة المعارضة مع روايات الطائفة الأولى والثانية، فلا تصلح لأن تكون شاهداً على مضمون هو داخل في المعارضة، ونكتة ذلك أن ظهور كل من الطائفتين الأولى والثانية في التعيين، كما أنها تحقق المعارضة فيما بين الطائفتين الأولى والثانية، كذلك تحققها فيما بين كل واحدة من الطائفتين مع الطائفة الثالثة، فمثلاً ظهور روايات الطائفة الأولى في وجوب التمام، وأنه على وجه التعيين، كما أنها تنفي الطائفة الثانية التي توجب القصر على وجه التعيين، كذلك تنفي روايات الطائفة الثالثة التي تثبت القصر على وجه التخيير كأحد فردي وظيفة المكلف في الأماكن الأربعة.

    3. قد عرفت أن المعارضة ثلاثية الأطراف، فإن الطائفة الأولى كما تُكذب الطائفة الثانية الآمرة بالقصر تعييناً، كذلك تُكذب الطائفة الثالثة التي مفادها التخيير، إلا أن الطائفتين الأولى والثانية ظاهرتان في تعيين التمام أو القصر، بخلاف الطائفة الثالثة فإنها أقوى ظهوراً من تينك الطائفتين في التخيير، فنرفع اليد عن ظهور كل من الطائفتين الأولى والثانية في تعيين التمام والقصر بأظهرية الطائفة الثالثة في التخيير. والحاصل: أنه بقرينة روايات القصر، لا سيما صحيحة أبي ولاد، أنه لا يتعين التمام إلا بنية الإقامة، فالأمر بالقصر كالأمر بالأمر بالتمام في أن كل منهما ظاهر في التعيين، وهو قابل للتصرف فيه بحمله على بيان أحد فردي التخيير، لأظهرية أخبار التخيير في التخيير من أخبار القصر والتمام في تعيين خصوص القصر أو التمام.

 


[1] لكن لو لم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات وجب قصر الصلاتين وليس له إتمام العصر وقضاء الظهر فإن التخيير الذاتي لا ينافي التعين العرضي وكذا لو لم يبق إلا قدر خمس ركعات فإن من أدرك لا يدل على جوازه عمدا . ( كاشف الغطاء ).
[2] فيه إشكال لا يترك الاحتياط. (الإمام الخميني). * لكن الأقوى خلافه. (النائيني). * عدم إلحاق البلدان الأربعة بالمساجد والحائر لا يخلو عن قوة. (الجواهري). * بل هو بعيد بالإضافة إلى كربلاء ولا يترك الاحتياط بالنسبة إلى الكوفة. (الخوئي).
[3] فيهما إشكال . ( الحكيم ).
[4] بل لا يترك . ( البروجردي، آل ياسين، الخوانساري ).
[5] بل لا يترك فيهما . ( الگلپايگاني ).
[6] بل لا يخلو من قوة . ( الجواهري ).
[7] لا يترك الاحتياط هنا وفي الاقتصار على المسجد الأصلي في الكوفة . ( الحائري ).
[8] وحده أربعة وعشرون ذراعا بذراع اليد من كل جانب من نفس القبر الشريف لا من ضريح الفضة والاحتياط يقتضي الاقتصار على ما حول القبر مرتين أو ثلاث. (كاشف الغطاء) * والأظهر التخيير في جميع الحرم الشريف. (الخوئي).
[9] وإن كان الأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر فيمتد من طرف الرأس إلى الشباك المتصلة بالرواق ومن طرف الرجل إلى الباب والشباك المتصلين بالرواق ومن الخلف إلى حد المسجد وإن كان دخول المسجد والرواق فيه أيضا لا يخلو من قوة لكن الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه . ( الإمام الخميني ) . * في عشر خطوات . ( الفيروزآبادي ) . * إلى خمسة وعشرين ذراعا بذراع اليد من كل جانب على الأقوى . ( النائيني ).
[10] العروة الوثقى - السيد اليزدي - ج3 - ص516 - 517.
[33] نفس المصدر، باب18، حديث1.
[44] مستند الشيعة، ج8، ص308و 312.
[46] وهي آية نفي الجناح عن القصر في الصلاة.
[47] كما مر في الروايات المتقدمة.
[48] كتاب الصلاة، ج3، ص386.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo