< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

41/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المسألة 32 ما لو أتى برباعية، ثم عدل عن الإقامة، ثم علم ببطلان الصلاة المأتي بها / القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

مسألة 32 :

"إذا صلى تماما ثم عدل[1] ولكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر وكان كمن لم يصل، نعم إذا صلى بنية التمام وبعد السلام شك في أنه سلم على الأربع أو على الاثنتين أو الثلاث بنى على أنه سلم على الأربع، ويكفيه[2] في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها.[3]

تعرض الماتن لصورتين:

    1. ما لو أتى برباعية، ثم عدل عن الإقامة، ثم علم ببطلان الصلاة المأتي بها، وقد حكم (قده) برجوعه إلى القصر فيما أتى به، وفيما يستقبله من صلوات، وكأنه لم يأتِ بالرباعية، فيكون العدول قبل الإتيان بها، فيكون مزيلاً لحكم الإقامة، ويرجع إلى القصر. ومستند ذلك قوله (ع) في صحيحة أبي ولاد: "إن كنت دخلت المدينة وحين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها"[4] .

فإن قوله (ع): وحين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام صلاة تامة وصحيحة، يُكتفى بها، وليس مطالباً بإعادتها. ومنه يُعلم أن هذا لا يفرق فيه بين أن تكون العبادات أسامي لخصوص الصحيح منها أو للأعم، أما على الأول فواضح، إذ لا تصدق على الفاسدة صلاة، حتى لا يكون العدول بعدها نافياً لأثر الإقامة، أعني وجوب التمام على المسافر، وأما على الثاني، فلأنها وإن كانت أسامي للأعم من الصحيح والفاسد، إلا أن صحيحة أبي ولاد ظاهرة في أن العدول بعد الإتيان بصلاة واحدة بتمام صحيحة، فيكون محكوماً بالبقاء على التمام إلى التلبس بسفرٍ جديد.

    2. الصورة الثانية: ما لو نوى الإقامة وأتى بالرباعية، ثم عدل عن نية الإقامة، وحصل له الشك في صحة الرباعية، فكانت الرباعية المأتي بها مشكوكة الصحة واقعاً، إلا أنها عولجت على أساس القواعد، فثبتت صحتها ظاهراً، فهل العدول بعد الإتيان برباعية صحيحة تعبداً استنادا إلى مثل قاعدة الفراغ كالرباعية المحرزة صحتها وجداناً؟، وهذا على نحوين: إذ تارة يكون الشك بنحو مفاد كان الناقصة، بأن أحرز وجداناً أنه أتى برباعية، وإنما شك في صحتها للشك في الإخلال بشرط أو ترك جزء، أو زيادة ركن، أو إيجاد مانع، وأخرى يكون الشك بنحو مفاد كان التامة، بأن حصل له الشك إبتداءاً في الإتيان برباعية، بأن علم بأنه أتى مثلاً بصلاة الظهر، لكنه يشك بعد التسليم والفراغ في أنها كانت رباعية؟ أو ثنائية؟ أو ثلاثية؟، أي أنه سلَّم على الركعتين؟ أو الثلاث؟ أو الأربع؟، فالشك في صحة الصلاة المأتي بها كان ناشئاً من الشك في أصل الإتيان بالرباعية بنحو مفاد كان التامة، وأنه أتى برباعية؟ أو ثنائية؟، وعلى الأول يكون العدول بعد الإتيان برباعية مشكوكة الصحة واقعاً بنحو مفاد كان الناقصة، غير ناقض لنية الإقامة، بل يبقى على التمام إلى أن يُنشأ سفراً جديداً، إذ لا يُشترط إحراز صحة الرباعية وجداناً؛ لكفاية إحرازها تعبداً، استنادا إلى مثل قاعة الفراغ، ويكن دليلها حاكماً على مثل صحيحة أبي ولاد.

وأما على الثاني: فقد تمسك السيد الحكيم[5] لما أفاده الماتن بإطلاق دليل قاعدة البناء على الأكثر الشامل لمثل الأثر المذكور، حيث يُحكم بصحة الصلاة المأتي بها، فيبني على الأكثر، أعني الأربع، مع ترقيع صلاته بركعة احتياط من قيام، كما لو كان الشك بين الثلاث والأربع، أو بركعتين كذلك، كما لو كان الشك بين الاثنتين والأربع، وبالتالي يصدق أن العدول بعد الإتيان برباعية صحيحة، فيُحكم بالبقاء على التمام في الصلوات الآتية.

وهذا منه (قده) غريب في محله، ولو كان الكتاب بغير قلمه لنسب الاشتباه إلى المقرر، ولعل الذي ساقه إلى التمسك بإطلاق دليل قاعدة البناء على الأكثر قول الماتن: شُك في أنه سلم على الأربع أو على الاثنتين، أو على الثلاث بنى على أنه سلم على الأربع.

وعلى كل حال فإن المستند في ذلك قاعدة الفراغ، حيث فرض فيها أنه بعد الفراغ من السلام شك في أن تسليمه كان على الأربع؟ أو على الاثنتين؟ وفي مثله لا مجال لقاعدة البناء على الأكثر، ولا لإطلاق دليلها؛ لعدم الموضوع لها، فإن موضوعها ما لو كان أثناء العمل، كالركوع والسجود والتشهد والقيام، وحصل له الشك بين الاثنتين والأربع، وأما بعد التسليم والفراغ عن العمل فلا موضوع لها، وإنما الصحيح هو التمسك بقاعدة الفراغ، حيث تجري لتصحيح العمل المأتي به حتى لو كان الشك فيه بنحو مفاد كان التامة، وأنه أساساً هل أتى بأربع ركعات؟ أو بركعتين؟ وعلى الأول يحكم بصحة العمل، رغم أن الشك في أصل وجود الأربع لا في صفتها – أعني الصحة – فتجري قاعدة الفراغ، وتثبت أن المأتي به عمل صحيح، أي أنه أتى برباعية صحيحة ظاهراً استنادا لقاعدة الفراغ، فيكون العدول قد حصل بعد ذلك، فلا يوجب الرجوع إلى القصر، بل يبقى على التمام فيما يستقبله من صلوات.

نعم استشكل الإمام الخميني (قده) في ذلك، وذكر أن الاحتياط لا يترك بالجمع ما بين القصر والتمام حتى يتلبس بسفرٍ جديد، والوجه في ذلك لعله لعدم تمامية الإطلاق في دليل القاعدة الشامل لصورة الشك في أصل الوجود بنحو مفاد كان التامة. رغم أنه بوسعنا يمكن إرجاعه إلى مفاد كان الناقصة، لأن أصل العمل محرز، وإنما يشك في صحته بنحو يساوق الشك في أصل الإتيان بالأربع.


[1] عن الإقامة . ( الفيروزآبادي ).
[2] فيه إشكال فلا يترك الاحتياط . ( الإمام الخميني ).
[5] مستمسك العروة، ابوالقاسم الخویی، ج8 ص145.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo