< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته

 

قوله قدس سره: ولو كان بعده يقف على انقضاء العدة

يعني: إذا أسلم الزوج فيها ثبت نكاحها، وإلا خرجت عن عصمته، كما صرحوا بذلك من دون ظهور خلاف فيه، وفي الجواهر [1] " بلا خلاف فيه ولا إشكال نصاً وفتوى، بل لعل الإتفاق نصاً وتحصيلاً عليه ".

ويقتضيه معتبر منصور بن حازم الثاني وخبر محمد بن مسلم المتقدمان وما ورد في المجوسية بناء على إلحاقها بالمشركة دون أهل الكتاب. مضافاً إلى ما هو الظاهر من السيرة في عصر النبي صلى الله عليه وآله من حصول الفصل الزماني بين إسلام الزوجين ولو قليلاً وعدم الالتزام بتجديد العقد بينهما في الجملة.

هذا والحاجة للاستدلال بذلك إنما هو في استقرار نكاحهما لو أسلم الثاني في العدة.

أما الحرمة في غير ذلك فهو مقتضى عموم مانعية الكفر المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع.

تقدم عندنا كلام الشيخ في النهاية، وفي المبسوط سار على رأي المشهور ولَكن أشار إلى من يقول بِه في النهاية إلى أنه إذا أسلمت الزوجة فالزوج يدخل لها نهارًا دون الليل، وهذا تضمنه خبر جميل وخبر محمّد بن مسلم وخبر يونس بناء على أنه رواية عن الإمام عليه السلام.

ولكن تقدم عندنا أن الروايتان ليس فيهما دلالة على عدم الخلوة وليس فيهما دلالة على عدم الوطء، وإنما فيهما دلالة على أنه لا يأتيها ليلاً، ورواية محمّد بن مسلم تتضمن أنه يأتيها نهاراً ورواية جميل لا يخرجها إلى دار الكفر فقط، وهذا وحده لا يدل على أنه لا يجوز الخلوة فعدم جواز الخلوة من أين أتى به الشيخ قدس سره، وهو بنى على نفوذ النكاح، ولكن هذا منافي للنصوص السابقة التي تصرّح أنه بعد خروج العدة لا يبقى النكاح.

وبناء عليه الجماعة أصبحوا في مقام الجمع بين النصوص، والجمع الأول أن النصوص الدالة على التوقف على العدة تحمل على غير الذمية وهذه النصوص تحمل على الذمية، لقوله عليه السلام في خبر يونس " الذي تكون عنده المرأة الذمية فتسلم قال يكون عندها بالنهار ولا يكون عندها بالليل " وخبر محمّد بن مسلم " جميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما وليس له أن يخرجها من دار ألإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها ولكن يأتيها نهاراً " فتفصل بين مشركي العرب أنه إلى العدة وبين غير مشركي العرب وهم أهل الذمة أنه يأتيها نهاراً، فمعنى ذلك أن تحمل النصوص الأخرى الواردة في المجوسية أو النصرانية واليهودية من الإنتظار الى انتهاء العدة أو إطلاق بطلان النكاح كما تقدم في صحيح البزنطي " عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم هل يحل أن تقيم معه قال إذا أسلمت لم تحل له، فإن أسلم الزوج بعد ذلك أيكونان على النكاح قال: بتزوج جديد " وهذا معناه أن النكاح يبطل، وكذلك صحيح عبدالله بن سنان " إذا أسلمت الزوجة وزوجها على غير الإسلام فرق بينهما " وغير الإسلام مطلقاً وذاك اليوم الشائع من غير الإسلام يعني اليهودي والنصراني، وعليه فنحمل هذه النصوص على من لا ذمة له.

وهذا الكلام من أبعد البعيد، لأن هذه النصوص وردت في عصر شيوع أهل الذمة فإنه في عصور الأئمة عليهم السلام لم يكن شائعاً وجود أهل الشرك، فحملها على غير أهل الذمة لا يمكن فإنه خروج عن الفرد الشائع في تلك العصور، فإطلاقات هذه النصوص نحملها على غير الذمي هذه حمل على الفرد الغير الشائع.

نعم قد يدعى أن هؤلاء الذميين الذين كانوا في عصور الأئمة عليهم السلام خرجوا عن الذمة وأن ذمتهم باطلة، لصحيح زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الأخت فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة الله وذمة رسوله وقال: ليست لهم اليوم ذمة[2] . [3] [4]

وعليه فهؤلاء ليس لهم ذمة لأنهم لم يقوموا بشرائط الذمة، والذمة في عصر النبي صلى الله عليه وآله كانوا لا بد أن يلتزموا بالشرائط وفي بعض النصوص يوجد شرط أخر وهو أن لا يهودوا أولادهم ولا ينصرونهم وهذهرتقدمت عندنا في بحث الغصب، والجماعة يقولون بأن هؤلاء لَيس لهم ذمة وعليه فنحمل الروايات التي تقول تبقى على الذميين، والروايات التي تقول لا تبقى على غير الذميين.

وهذه النصوص تعرضنا لها في باب الغصب[5] ، فإنه سبق عندنا في كتاب الغصب التعرّض لهذه النصوص، وذكرنا هنام أن هذه النصوص لا بد أن نحملها على أن الذمة الأصلية الحقيقية هي التي تضمنتها النصوص بهذه الشرائط ومخالفتها خروج عن الذمة في عهد النبي صلى الله عليه وآله، ولَكن لَيس معنى ذلك أن احكام الذمة لا تترتب هنا، وإنما أحكام الذمة تترتب بمقتضى الهدنة بيننا وبين حكام الجور، فإن الهدنة تقتضي الجري على ذمتهم، وعليه فما دام يوجد بين أهل الحق وأهل الباطل هدنة وصار البناء على إمضاء أحكامهم فحينئذٍ وإن كانت ذمتهم مخالفة لشروط الذمة عند النبي صلى الله عليه وآله إلا أنه نحن نتعامل معهم تعامل الذميين مؤقتاً إلى أن يخرج الحجة عجل الله تعالى فرجه، وإلا فإن النصوص الواردة في عصور الأئمة عليهم السلام في الذمي دالة على هؤلاء الذميين ولا يوجد ذميين أصليين على الشروط، وخلفاء المسلمين كانوا يشربون الخمر فهل أهل الذمة لا يشربون الخمر، وعليه فهذه الذمة وَإِنْ لم تكن ذمة صحيحة لا بد أن نمضيها وإلا لبقت هذه النصوص الواردة في أحكام الذميين مطلقاً بلا مورد ومنها هذه النصوص التي نحن بصددها.

ورواية جميل " اليهودي والنصراني والمجوسي إذا اسلمت امرأته ولم يسلم قال هما على نكاحهما ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى دار الكفر " وهذا نحمله على الذمي وهل كان يوجد أهل الذمة الأصليين في وقت صدور الرواية، وإلا لبقي هذا النص بلا مورد.

وعليه فالحمل على غير الذمي لا يمكن البناء عليه لأن الشائع هُم أهل الذمة، وكذلك البناء على أن هؤلاء لا ذمة لهم لا يمكن البناء عليه لأنه لا يبقى حتى لصحيح جميل مورد، ومن هنا فلا بد أن نحمله على ما ذكرناه، وهو أن هؤلاء وَإِنْ كانوا بحسب الموازين الحقيقية لا ذمة لهم لكن تجرى عليهم أحكام الذمة لأنه نحن فعلاً في دولة سلطان الجور وسلطان الجور الذمة التي يغطيها على هذا الأساس ونحن نسير على هذا، فإن المخالفات التي قام بها حكام الجور فيما يتعلق بالخراج والذمة وغيرها جداً كثيرة، ولَكن إذا صار البناء على إلغاء الذمة في هذا المقام فإن معنى ذلك أنه لم يبقى لموضوع النصوص الواردة في الذمة أي مورد ولا بد من إلغائها كلها وهذا لا يمكن البناء عليه، وعليه لا بد أن نبني على ما ذكرناه من أنهم أهل ذمة، فيكون الجمع بين رواية زرارة وهذه الروايات أن الذمة الأصلية هكذا وأما الذمة العملية والتي عليها العمل والجري هي التي ذكرناه والأصحاب على هذا.

وعليه فنصوص المنع بعد العدة أو المطلقات معارضة لخبر جميل وخبر محمّد بن مسلم وخبر يونس بناء على كونها رواية عن المعصوم، وهذا معناه أنه عندنا معارضة ومصادمة ولا يمكن الجمع، وعليه لا بد من الرجوع للقواعد العامة في الترجيح بين النصوص، والنصوص الأولى صحيحة معتبرة، وهذه النصوص ضعيفة بالذات، مضافاً إلى أنها مخالفة للكتاب لعموم ما دل على أن الكفر محرم للنكاح وأن الإسلام هو المعيار في النكاح، والأصل هو بطلان كل علقة بين غير مسلمين سواء بالزوج أو الزوجة وهذا مقتضى الإطلاق لأنه على الإسلام تدور المناكح، في العدة مسلّم فإن النصوص لَيس فيها أي إشكال، أما بعد العدة فإن هذه النصوص مقتضى إطلاقها أو عمومها أن النكاح يبقى غايته لا يخرجها إلى دار الحرب والنصوص الأخرى تمنع فإنها تقول بعد العدة لا يصح، فحينئذ هذه موافقة لعموم الكتاب فيتعين ترجيحها ويكون العمل عليها وهي أصح سنداً.

قال الماتن قدس سره: ولو كان الزوجين حربيين وأسلم أحدهما قبل الدخول إنفسخ النكاح في الحال، ولو كان بعده يقف على انقضاء العدة

هذا في الحربي سواء كان مشرك أو غيره. فإذا أسلم الزوج ثبت نكاحها وإلا خرجت عن عصمته كما صرّحوا بذلك من دون ظهور خلاف فيه، وفي الجواهر[6] [7] : " بلا خلاف فيه ولا إشكال نصاً وفتوى، بل لعل الاتفاق نصاً وتحصيلاً عليه ".

ويقتضيه معتبر منصور بن حازم الثانيالذي يتضمن مشركي العرب " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت قال: ينتظر بذلك انقضاء عدتها فان هو أسلم أو أسلمت قبيل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول، وإن هي لم تسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه [8] [9] [10]

وخبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الاسلام إلى غيرها، ولا يبيت معها ولكنه يأتيها بالنهار، وأما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة، فان أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته وإن لم يسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها [11] [12] [13]

هذا في مشركي العرب، وكذلك ما ورد في المجوسي بناء على أنه مشرك وليس ملحقاً بأهل الكتاب، وإن كان القول أنه ملحق بأهل الكتاب، وعليه فهذه النصوص لا بد من العمل بها.

مضافاً إلى ما هو الظاهر أنه في عصر النبي صلى الله عليه اله كان يحصل إسلام وغالباً كان يختلف وقت إسلام الزوجين، والتاريخ يذكر إسلام أبو سفيان فإنه أسلم عند النبي صلى الله عليه وآله قبل دخول مكة وعندما رجع هند ما زالت على عصبيتها بحيث رمت التراب بوجهه وبقيت معارضة ومعاندة ومصرة على العدم الى بعد ذلك، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال بأن العلقة انفصلت، وأيضاً صفوان ابن أمية أسلم وحده فإن النبي صلى الله عليه وآله دفع له قطيعاً من الغنم فأسلم إلى أن رجع وغير معروف متى أسلمت زوجته ومع ذلك لم يرد أنه لا بد من إعادة النكاح.


[2] الفقيه، ج٢، ص٢٧، ح٣، باب١٠ الخراج والجزية.
[5] مصباح المنهاج، كتاب الغصب، ج1، ص٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٨.
[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص94، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo