< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته

نص ما كتبه سيّدنا الأستاذ دام ظله

وكيف كان فيشهد به وله تعالى: " ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا . . .﴾ " [1] وقوله عزوجل: " ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ " [2] وقوله تعالى: " ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ " [3] .

أما النصوص فيظهر منها المفروغية عن حرمة نكاح غير الكتابية، وأن الكلام إنما هو في الكتابية، كما ربما يأتي التعرض لبعضها. بل في غير واحد من النصوص المعتبرة الواردة في بيان حدود الإسلام أن الإسلام جرت عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء [4] وهو ظاهر في جعل معيار الأمور المذكورة هو الإسلام، وأنها تدور مداره، كما عليه العمل في حقن الدماء والمواريث.

بل في موثق حفص بن غياث قال ": كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل فسألته عن الأسير هل يتزوج في دار الحرب؟ فقال: أكره ذلك، فان فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح وأما في الترك والديلم والخزر فلا يحل له ذلك " [5] . والظاهر أن منشأ الفرق هو أن الروم نصارى أهل كتاب، بخلاف الآخرين.

قوله قدس سره: ولا انقطاعاً

لعموم ما سبق من الإجماع وغيره.

قوله قدس سره: ولا ملك يمين

كما هو مقتضى إطلاق معقد الإجماع في كلام غير واحد وصريح معقده في القواعد [6] وجامع المقاصد [7] وكشف اللثام [8] وكذا معقد نفي الخلاف في التحرير [9] . ويستفاد من الآيتين الأوليين بناء على حمل النكاح على الوطء، بل قد يستفاد منها تبعاً، بناء على حملها على الزواج، لابتناء حرمة الزواج بالمرأة على تحريمها مطلقاً بالتتبع.

نعم قد ينافيه خبر الحسن بن صالح عن أبي عبدالله عليه السلام: " قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه واله في الناس يوم أوطاس أن استبرؤا سباياكم بحيضة " [10] .

فإن الاقتصار على استبرائهن وعدم التنبيه على إسلامهن قد يستفاد منه عدم اعتباره مع أنهن غير كتابيات.

لكن لا مجال للاكتفاء بذلك في الخروج عما سبق.

ولا سيما مع قوة احتمال الاستغناء بالمفروغية عن حرمة نكاح المشركة عن التنبيه له، وأن من القريب إسلام الأسيرة بمجرد الأسر وانهيار القوة التي تحملها على الشرك، كما حصل من أكثر العرب بعد الفتح.

قوله قدس سره: قولان

أقوال الأصحاب في المقام مختلفة متداخلة متشعبة، ولا مجال لحصر كلامهم في قولين أو أكثر. وقد أطال المتأخرون خصوصاً في الجواهر [11] في المسألة نقضاً وإبراماً. ونحاول مهما أمكن الاختصار. فنقول ظاهر المقنعة [12] والانتصار [13] المنع مطلقاً وفي السرائر [14] أنه قوي، بل عده في الثاني من منفردات الامامية. واستدل له بالآيتين الشريفتين المتقدمتين، ونسبه في المبسوط [15] والخلاف [16] للمحصلين من أصحابنا.

لكن الاستدلال عليه بالآية الأولى موقوف على عموم المشركين لهم ولا حاجة إلى تكلّف إثبات ذلك بعد كفاية الثانية في المطلوب، بل الآية الثالثة أيضاً.

مضافاً إلى النصوص، كصحيح زرارة بن أعين: "سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل:والمحصنات من اللذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقال: هي منسوخة بقوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر " [17]

وصحيح محمد بن مسلم عنه عليه السلام: سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال: كان علي عليه السلام ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم وعن مناكحتهم " [18] . وغيرهما.

وأطلق الصدوق في المقنع [19] جواز الزواج باليهودية والنصرانية، وحكاه في المختلف عن رسالة والده [20] وعن ابن أبي عقيل [21] وابن الجنيد [22] وحكاه في الخلاف [23] عن قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا.

ويشهد به جملة من النصوص، كموثق حفص بن غياث المتقدم [24] .

وصحيح معاوية بن وهب وغيره جميعاً عن أبي عبدالله عليه السلام: " في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية، فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه في دينه غضاضة " [25] .

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني وطلقها هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال: لا لأن أهل الكتاب " الكتابين. يب " مماليك للإمام، . . . قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة . . . " [26]

وصحيح أبي بصير عنه عليه السلام: " سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال: إن أهل الكتاب مماليك للإمام وذلك موسع منا عليكم خاصة فلا بأس أن يتزوج، قلت: فإنه تزوج عليهما أمة قال: لا يصلح له ان يتزوج ثلاث إماء، فان تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فان لها ما أخذت من المهر فان شاءت أن تقيم بعد معه أقامت، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج، قلت: فان طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل ان تنقضي عدة المسلمة له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال: نعم " [27] .

وهو كالصريح في حلية الزواج، وأن حلية التزويج بها بإذنهم عليهم السلام لأن أهل الكتاب مماليك لا يحل تزويجهم إلا بإذن مالكهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المهذبة

تقدم الكلام في أن نكاح غير الكتابية مفروغ عنه عند الأصحاب أنه لا يجوز، وأن ما ذكره الشيخ رحمه الله من المنع مطلقاً ثم الجواز من بعض أهل الحديث لا بد أن نحمله على جواز الزواج بأهل الكتاب باعتبار أنهم هم مورد النصوص دون غيرهم .

وعلى كل حال الأدلة التي تصلح أن تكون دليلاً على الحرمة في غير الكتابية فهي مجموعة نصوص من الكتاب والسنة أما الكتاب :

فكقوله سبحانه وتعالى ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّـهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون﴾ [28] فهذه الآية واردة في المشركين الذين هم غير أهل الكتاب.

وكقوله عزوجل ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾ [29] . وهذه وردت على الظاهر بعد صلح الحديبية حيث قدم بعض النساء للمدينة وما يشبه ذلك.

وكقوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ﴾ [30] فيظهر مِنْهَا أنها في مقام تحديد المحلل، فتقييدها بالمؤمنات في مقام الترخيص يعني المرخَّص مقيَّد بالمؤمن فيكون ظاهر في الحصر وأنه غير المؤمن لا يجوز وهذا يعم حتى الكتابية لَكن الكتابية لها حساب آخر من هة ورود نصوص فيها ولي الحال كذلك في غير الكتابي من الكفار.

وأما النصوص فيظهر من بعضها المفروغية عن حرمة نكاح غير الكتابية، وأن الكلام إنما هو في الكتابية، وعلى كل حال فنحن لسنا بحاجة له بعد أن كانت الآيات الشريفة كافية في المطلوب.

بل في موثق حفص بن غياث قال: كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل فسألته عن الأسير هل يتزوج في دار الحرب؟ فقال: أكره ذلك، فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح وأما في الترك والديلم والخزر فلا يحل له ذلك. [31] .

فهذا التفصيل بين الروم والترك والديلم والخزر ليس تفصيل من حيث الهوية والأجناس والقوميات فهذا غير محتمل، وإنما هو تفصيل بلحاظ واقع هذه البلاد، فإن بلاد الروم بلاد مسيحية فحينئذٍ هم من أهل الكتاب، وبلاد الخزر والديلم والترك كانت في ذاك الوقت بلاد كافرة أي ليسوا بأهل كتاب، وربما كانوا يعبدون الأصنام وأمثال ذلك ، فهذا التفصيل وإن كان يظهر منه التفصيل بالقومية لكن لا يوجد عندنا احتمال خصوصية القومية، وإنما هو بلحاظ الواقع الخارجي لأهل تلك البلاد فيكون دليلاً على مطلبنا، والمطلب واضح كما هو تعبير السيد قدس سره، ولا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعاً.

قال الماتن قدس سره: لا دواماً ولا انقطاعاً

وهذا لعموم ما سبق من الإجماع وغيره، والزواج المنقطع لم يخرج عن كونه زواج ونكاح غايته أنه يوجد فيه تحديد أمد.

قال الماتن قدس سره: ولا ملك يمين

كما هو مقتضى إطلاق معقد الإجماع عند بعض وصريح معقده أيضاً عند بعض آخر كما في القواعد[32] وجامع المقاصد[33] وكشف اللثام[34] وكذا معقد نفي الخلاف في التحرير[35] .

وهو يستفاد من الآيتين الأوليين ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾ بناء على حمل النكاح فيها على الوطء،

ولكن نقول ظاهر الآية الأولى المراد هو الزواج وليس الوطء، والآية الثانية ليست بعيدة عن أن يكون المراد بها الكناية على الأعم،

فإما أن نبني على العموم لأن المراد بالنكاح في هذه الآيات ما يعم ملك اليمين، وإما أن نستفيد هذا الحكم بالتبع، باعتبار أننا عندنا نلاحظ نصوص التحريم في جميع الموارد في الجمع بين الأختين أو في الجمع بين العمة والخالة وهكذا نرى أن ملك اليمين ملحق بالنكاح الحقيقي في شروط الزوجين وعموم الإجماع إلى ذلك واستفادته من النصوص بالتبع، فأنه وإن كانت الأدلة واردة في النكاح إلا أنه يستفاد تبعاً التعميم إلى ملك اليمين، والآن هو ليس مورداً للحاجة من ناحية العمل الفعلي، ولَكن لا إشكال عند الجماعة في أن ملك اليمين لا يصح.

نعم في خبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس يوم أوطاس أن استبرؤا سباياكم بحيضة[36] .

فاقتصر على الحيضة وهؤلاء لم يكونوا من أهل كتاب، بل من مشركي العرب، ومع ذلك النبي صلى الله عليه واله قال استبرؤهن بحيضة، ومعنى ذلك أن الشرط هو الإستبراء بحيضة ولم يقل وأن يسلمن، فهذا يمكن الإستدلال به على أنه يجوز الوطئ في ملك اليمين، فلا يوجد في ملك اليمين شرطية الإسلام.

ولكن لا يمكن أن نجعل هذا لوحده دليلاً، باعتبار أن الرواية من جهة هي خبر وليست رواية معتبرة بالحسابات الفنية، مضافاً إلى أنه قد يكون عدم التنبيه للمفروغية بين المسلمين على ذلك، وقد لاحظنا أن الأسير بعد أن قوة الشرك تنهار يصبح مسلماً بحسب طبيعة الأمور، فعدم ذكر النبي صلى الله عليه واله لهذا الشرط قد يكون بعد المفروغية عن الإسلام المتوقع أن يدخلوا فيه، وهذا كان عندنا في نصارى العرب حتى في الرجال فإنهم بعد أن يصبحوا تحت السلطة لا يبقى عنده موجب لأن يبقى مشركاً وإنما يكون مع أهله ويسلم معهم ويصبح عبداً على هذا الوضع، فقد تكون طبيعة الأسير الإنهيار عقائدياً بمعنى انتساباً، فهو إنما ينتسب لأنه يوجد قوة تدعمه فإذا ذهبت القوة فلا يبقى عنده شيء، وإنما يريد أن يرضي صاحبه فيصبح مسلماً حتى يعيش معه عيشة طبيعية، فلا يحرز أن سكوت النبي صلى الله عليه واله عن التنبيه لذلك لعدم شرطيته بل قد يكون للمفروغية وأن الواقع الخارجي هو على ذلك،

وعلى كل حال هذه الرواية لا تصلح للخروج عما سبق، وعليه فمع الإجماع المدعى ومع ما هو المعلوم مِن أن ملك اليمين في باب المحرمات لا يفرق فيه بين أنواع النكاح كلها فإن باب المحرمات كلها على هذا، فهي تستفاد إما تبعاً أو عموماً إذا قلنا أن المراد ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ أي ما يعم ملك اليمين. والحاصل هو إما يستفاد تبعاً أو يستفاد بالإطلاق، وعليه فالقضية ليس فيها أي إشكال.

قال الماتن قدس سره :﴿وفِي الكتابية قولان﴾

الكلام في أصل تزوج اليهودية والنصرانية، فالسيد قدس سره يقول قولان، وفي الحقيقة لا نستطيع أن نقول قولان، فإن كلام الجماعة متضارب وأقوالهم متشعبة فلا نستطيع أن نحصرها في قولين، ولا نرى داعياً للدخول في التفاصيل وإذا نراجع الجواهر[37] نرى عنده كلام طويل عريض في تحديد الأقوال وأدلتها، وعليه فنحن مهما أمكن نحاول أن نقتصر في الكلام .

فنقول أصل القضية فيها قولان المنع والجواز، فظاهر المقنعة[38] – وأفاد أن بعض أصحابنا توهم الحلية الخ - والإنتصار[39] المنع مطلقاً سواء كان دواماً أو متعة أو ملك يمين وسواء لضرورة أو لا، ونسبه في المبسوط[40] والخلاف[41] للمحصّلين من أصحابنا خلافاً لبعض أهل الحديث،. ومعناه يوجد من يقول من أهل الحديث بالجواز.

هذا وقد استدل له بالآيتين الشريفتين الآية الأولى ﴿َلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ والآية الثانية ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾

والإستدلال بالآية الأولى مبني على أن النصاري واليهودي من المشركين ويوجد عندنا بعض الآيات توهم ذلك، ونحن في الحقيقة في غنى عن الحاجة لتحقيق ما هو المراد بالمشرك - وأنه هل يعم النصراني واليهودي أو ما يقابلهما، وإن كان الظاهر أن المشرك هو غير اليهودي والنصراني،- لأنه يكفينا الآية الثانية ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ﴾ فإنها واضحة في أنه لا يجوز مطلق الكافر، فإن الآية لم تقل لا تمسكوا بعصم المشرك وإنما قالت لا تمسكوا بعصم الكوافر، فإذا شكينا في أن اليهودي والنصراني يدخلان في المشرك أو لا؟ يكفينا الآية الثانية فإنها وحدها دليل في المقام فيكفينا آية واحدة، والآية الثانية مبنية على أنهما ملحقان بالمشركين فلا داعي لتحقيق ذلك فإنه بلا طائل ما دام عندنا آية واضحة الدلالة، وأيضاً الآية الثالثة تنفع في المقام قال تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ﴾ فحصرها بالمؤمنات، فهذا الحصر يفيد بأن غير المؤمن لا يجوز بما في ذلك الكتابي فإنه قطعاً غير مؤمن، فحينئذٍ الأدلة الكتابية واضحة وغير متوقفة على ما ذكر.

مضافاً للنصوص، كصحيح زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم[42] فقال: هي منسوخة بقوله: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر[43] . ومعنى ذلك أنه يحكم عموم الآية المانعة لأنه ناسخ للآية الأولى.

وصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال: كان علي عليه السلام ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم وعن مناكحتهم[44] . وغيرهما من النصوص الدالة على المنع مما يدعم قول المفيد والمرتضى والطوسي.

لكن أطلق الصدوق في المقنع[45] جواز الزواج باليهودية والنصرانية، وحكاه في المختلف عن رسالة والده علي بن بابويه[46] كما حكاه عن ابن أبي عقيل[47] وابن الجنيد[48] ، والشيخ قدس سره عبّر عن المخالف في الخلاف[49] عن قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا ، مع أنه غير معروف أن ابن أبي عقيل وابن الجنيد من أهل الحديث نعم الصدوق ووالده من أهل الحديث كيف كان يوجد قول محترم بالجواز.

ويشهد به جملة من النصوص، كموثق حفص بن غياث المتقدم[50] .

وصحيح معاوية بن وهب وغيره جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية، فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه في دينه غضاضة[51] .

ومعنى ذلك أنه يجوز، غايته يوجد مشكلة ثانوية فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، وفي الوقت الذي أحلّ له الإمام عليه السلام ذلك صرّح أن فيه نقص في الجانب الديني ففيه غضاضة أي كراهة، فبعد أن صرّح بالجواز أثبت الكراهة.

وصحيح زرارة، " عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني وطلقها هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال: لا لأن أهل الكتاب " الكتابين. يب " مماليك للإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه، قال: ومن أسلم منهم فهو حر تطرح عنه الجزية، قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة حيضتان أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم[52] .

وصحيح أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال: إن أهل الكتاب مماليك للامام وذلك موسع منا عليكم [ خاصة. كافي ] فلا بأس أن يتزوج قلت: فإنه يتزوج عليهما أمة قال: لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء، فان تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فان لها ما أخذت من المهر فان شاءت أن تقيم بعد معه أقامت، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج، قلت: فان طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال: نعم[53] .

وهذه الرواية قد تقدمت معنا في - جواز الجمع بين الحرة والأمة - ، وفي الرواية المفروغية عن أصل الجواز للزواج من النصارية واليهودية . فهاتان الرواياتان صريحتان أنه بالذات يجوز، غايته أنهم مماليك للإمام عليه السلام فلا بد أن يكون بإذنه عليه السلام، إذ لا إشكال في أن المملوك لا يجوز نكاحه إلا بإذن مالكه. وللكلام تتمة . والحمد لله رب العالمين .


[1] سورة البقرة آية 221.
[4] الكافي ج2 ص25 باب أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان ح1، 3، 5.
[5] التهذيب ج7 ص299 ح22، الوسائل ج14 ص413 باب2 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح4.
[6] ج3 ص38.
[7] ج12 ص391.
[8] ج7 ص220.
[9] ج3 ص481.
[10] التهذيب ج8 ص176 ح39، الوسائل ج14 ص515 باب17 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح1.
[11] ج30 ص27 وما بعدها.
[12] ص500.
[13] ص279.
[14] ج2 ص541.
[15] ج3 ص450ز.
[16] ج4 ص311 م 84.
[17] الكافي ج5 ص358 ح8، الوسائل ج14 ص410 باب1 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح1.
[18] الكافي ج6 ص239 ح4، الوسائل ج14 ص410 باب1 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح2.
[19] ص308.
[20] ج7 ص73.
[21] ج7 ص73.
[22] ج7 ص74.
[23] ج4 ص311 م 84.
[24] التهذيب ج7 ص299 ح9، الوسائل ج14 ص413 باب2 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح4.
[25] النوادر ص119، الكافي ج5 ص356 ح1، الوسائل ج14 ص412 باب2 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح1.
[26] الكافي ج6 ص174 ح1، الوسائل ج15 ص477 باب45 من أبواب العدد ح1.
[27] الكافي ج5 ص358 ح11، الوسائل ج14 ص420 باب8 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح1.
[28] سورة البقرة آية ٢٢١.
[29] الممتحنة آية ١٠.
[31] تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٢٩٩ حديث ٩ وصفحة ٤٥٣ حديث ٢٢، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٤١٣ باب٢ مِن أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه حديث ٤، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٥٣٧.
[32] جزء ٣ صفحة ٣٨ قال: وأما الثالث: فإنه حرام بالإجماع في أصناف الكفار الثلاثة.
[33] جزء ١٢ صفحة ٣٩١ قال: وأما الصنف الثالث فلا خلاف بين أهل الإسلام في تحريم نكاح نسائهم دواماً ومتعة وملك يمين، وقد تقدّم البحث في ذلك وذكر دلائله مستوفى.
[34] جزء ٧ صفحة ٢٢٠ قال: [ وأما ] الصنف [ الثالث ] فإنه [ حرام ] على المسلم [ بالإجماع ] من المسلمين [ في أصناف النكاح الثلاثة ].
[35] جزء ٣ صفحة ٤٨١ الأول: لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابيات من سائر أصناف الكفار، سواء كان بعقد دوام، أو متعة، أو ملك يمين، بلا خلاف.
[36] تهذيب الأحكام جزء ٨ صفحة ١٧٦ حديث ٣٩، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٥١٥ باب١٧ مِن أبواب نكاح العبيد والإماء حديث ١، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢١ صفحة ١٠٤.
[37] جزء ٣٠ صفحة ٢٧ وما بعدها، وجزء ٣١ صفحة ٥٠ وما بعدها طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.
[38] صفحة ٥٠٠ قال: ونكاح الكافرة محرّم بسبب كفرها، سواء كانت عابدة وثن، أو مجوسية، أو يهودية، أو نصرانية.
[39] صفحة ٢٧٩ قال: ومما انفردت به الإمامية: حظر نكاح الكتابيات. وباقي الفقهاء يجيزون ذلك.
[40] جزء ٣ صفحة ٤٥٠ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي قال: فأهل الكتابين اليهود والنصارى من أهل التوراة والإنجيل عند المحصّلين من أصحابنا لا يحل أكل ذبائحهم ولا تزوّج حرائرهم بل يقرّون على أديانهم إذا بذلوا الجزية، وفي خلاف بين أصحابنا.
[41] جزء ٤ صفحة ٣١١ مسألة ٨٤: المحصّلون من أصحابنا يقولون: لا يحلّ نكاح من خالف الإسلام، لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم. وقال قوم من أهل الحديث، من أصحابنا: يجوز ذلك.
[42] إشارة لقوله عز وجل في سورة المائدة - ص107 آية 4 و5 ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 5 ﴾ .فهي صريحة بالجواز لأن في صدرها قالت وأحل لكم . منه دام ظله
[43] الكافي جزء ٥ صفحة ٣٥٨ حديث ٨، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٤١٠ باب١ مِن أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه حديث ١، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٥٣٣.
[44] الكافي جزء ٦ صفحة ٢٣٩ حديث ٤، /// التهذيب جزء ٩ صفحة ٦٥ حديث ١٣، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٤١٠ باب١ مِن أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه حديث ٢، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٥٣٣.
[45] صفحة ٣٠٨ قال: ولا بأس بتزوج اليهودية والنصرانية.
[46] جزء ٧ صفحة ٧٣ قال: وقال علي بن بابويه: وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة.
[47] جزء ٧ صفحة ٧٣ قال: وقال ابن أبي عقيل: وأما المشركات فقوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنإلا ما استثني من عفائف أهل الكتاب، فقال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. ثم قال في موضع آخر: قال الله عز وجل: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن - إلى قوله: - أولئك يدعون إلى الناروذكر مشركي أهل الكتاب فقال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم - إلى قوله تعالى: - ولا متخذي أخدانفأهل الشرك عند آل الرسول - صلى الله عليه وآله - صنفان: صنف أهل الكتاب وصنف مجوس وعبدة أوثان وأصنام ونيران. فأما الصنف الذي بدأنا بذكره فقد حرم الله تعالى نكاح نسائهم حتى يسلموا. وأما أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا، ولا يجمع في نكاح الإعلان منهن إلا أربع فما دونهن، فإذا نكحهن الرجل متعة جمع بين ما شاء منهن وطلاقهن واعتدادهن كطلاق الحرائر المسلمات واعتدادهن سواء، ويجب لهن من القسمة والنفقات ما يجب للمسلمات إلا الميراث.
[48] جزء ٧ صفحة ٧٤ قال: وقال ابن الجنيد: واختار لمن وجد الغنى عن نكاح أهل الكتابين ترك مناكحتهن بالعقد في دار السلام، فأما في دار حربهم فلا يجوز ذلك، فإن دعت إلى ضرورة في دار الإسلام أن يكون بالأبكار منهن، وأن يمنعن من أكل وشرب ما هو محرم في الإسلام.
[49] جزء ٤ صفحة ٣١١.
[50] وفيه قال: كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل فسألته عن الأسير هل يتزوج في دار الحرب؟ فقال: أكره ذلك، فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح وأما في الترك والديلم والخزر فلا يحل له ذلك .. وبلاد الروم بلاد مسيحية فهو صريح بالجواز . منه دام ظله
[51] النوادر صفحة ١١٩، /// الكافي جزء ٥ صفحة ٣٥٦ حديث ١، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٤١٢ باب٢ مِن أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه حديث ١، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٥٣٦.
[52] الكافي جزء ٦ صفحة ١٧٤ حديث ١، /// تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٤٧٨ حديث ١٢٦، وسائل الشيعة جزء ١٥ صفحة ٤٧٧ باب٤٥ مِن أبواب العدد حديث ١، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٢ صفحة ٢٦٦.
[53] الكافي جزء ٥ صفحة ٣٥٨ حديث ١١، /// تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٤٤٩ حديث ٥، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٤٢٠ باب٨ مِن أبواب ما يحرم بالكفر حديث ١، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٥٤٥.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo