< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته/ الرضاع

نص ما كتبه سيّدنا الأستاذ دام ظله

ومثله ما احتج به له في المختلف [1] من عموم قولهم صلوات الله عليهم: " لا رضاع بعد فطام " لما سبق من تقريب اختصاصه بالمرتضع. فلا مخرج عن إطلاق ما تضمن محرمية كميات الرضاع السابقة.

ودعوى: أن لازم ذلك تأثير الرضاع وإن طالت المدة. قال في الجواهر[2] : " وهو – مع إشكاله في نفسه، لأنه حينئذ كالدر – مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك ".

مدفوعة: بأنه إن استند عرفاً للفحل والولادة، لكون ذلك مقتضى مزاجها عند الولادة، تعين محرميته، وإن لم يحرز استناده لهما لأن مزاجها يقتضي فرز اللبن ولو مع عدم الولادة فلا مجال للبناء على محرميته. وعدم تعرض الأصحاب له لندرته وقلة الابتلاء به في نفسه، ولمعرفة حكمه بلحاظ ما تقدم من الضابط. فلاحظ.

هذا وقد روى الشيخ بسنده عن علي بن أسباط قال: سأل ابن فضال ابن بكير في المسجد فقال: ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين، ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنه رضاع بعد فطام، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا رضاع بعد فطام. أي: أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن ولا يفسد بينه وبين من شرب " يشرب منه " لبنه قال: وأصحابنا يقولون أنه لا يفسد إلا أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة. [3] [4]

ويظهر من المختلف [5] أنه موافق لأبي الصلاح مخالف للمشهور. وكأنه بلحاظ مورد السؤال فيه، وهو الرضاع بعد الحولين لصبية دون الحولين.

لكن التأمل فيه يشهد بأنه ليس خلافاً للمشهور في محرمية اللبن بعد السنتين، لأنه فسر قوله صلى الله عليه وآله " لا رضاع بعد فطام " بخروج الصبيين عن حد الرضاع ببلوغهما سنتين، دون خروج اللبن عن حد التحريم بذلك. وإنما لا يثبت التحريم في مورد السؤال بين الرضيعين لما نسبه لأصحابنا من أنه يعتبر التحريم بينهما لتقارنهما في الرضاع المحرم، بحيث يتعاقبان عليه، فيشرب هذا ويشرب هذا، نظير ما يأتي من اعتبار وحدة الفحل في التحريم بينهما. ولا ينافي ذلك محرمية اللبن بعد الحولين بين الرضيع والمرضعة، وبينه وبين صاحب اللبن، وبينه وبين أولادها النسبيين.

نعم ما نسبه لأصحابنا لم نجد له مستنداً في كلماتهم ولا في النصوص. والأمر سهل بعد كونه فتوى من ابن بكير، لا رواية عن معصوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((التقرير))

إنتهى الكلام إلى قضية اعتبار عدم مرور حولين على صاحبة اللبن وذكرنا بأن الأدلة لا تناسبه، وتقدم من الغنية الإستدلال بالإجماع والآية ، وأما الإجماع فتقدم عندنا أنه إجماع على اعتبار الحولين لكن المتيقن منه هو الحولين في المرتضع وليس الحولين في المرتضع وابن المرضعة، وكذلك الآية الكريمة فإنه لو فرضنا أن الآية واردة لبيان تحديد الرضاع المحرم، يعني أن الرضاع المحرم للرضيع حولين لأن سن الرضاع في الطفل حولين وليس معناه المرتضع وليس معناه غير المرتضع الذي هو خارج .

وفي المختلف إستدل عليه بقوله " لا رضاع بعد فطام" ، ونحن ذكرنا أن من " لا رضاع بعد فطام " يعني فطام المرتضع وليس فطام الأجنبي، فهذا الإستدلال غير صحيح، وتقدم عندنا أنه تارة مرادهم مرادهم مطلق الفطام فهذا لا يمكن، وإرادة الفطام بالقدر المشترك بينهما فإنه لا يوجد عندنا قدر مشترك عرفي هو الذي يمكن إرادته، فلا بد أن يكون فطام ولد والقدر المتيقن هو المرتضع، أما إبن المرضعة فإنه لا دخل له في هذا الموضوع، وعليه فأيضاً كلام المختلف غير واضح، فإن العمدة هو ما بيناه من أن " لا رضاع بعد فطام " بعد أن لم يمكن الحمل على الكلي بما هو كلي إذ لا إشكال في أن فطام الأجانب ليس له دخل فلا بد أن يكون المراد فطام شخص والشخص المتيقن هو المرتضع أما إبن المرضعة فما هو الدليل عليه بعد هذا .

الشيخ صاحب الجواهر قدس سره عنده بعض التوجيهات .

ودعوى : أن لازم ذلك تأثير الرضاع وإن طالت المدة بحيث لبنها يدر أكثر من سنتين قال في الجواهر ( [6] [7] : وهو – مع إشكاله في نفسه لأنه حينئذ كالدر – مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك . فمن أطلق من الأصحاب لم ينبّه إلى أنه لا يضر مضي سنتين وإن طالت المدة في إبن المرضعة، فلم ينصوا على التعميم بلحاظ مدة اللبن، فمن أهمل وقال " لا رضاع بعد فطام " أو قال " لا بد من مضي الحولين " لم يقل لا يهم إستمرار اللبن أكثر من حولين، فعدم التنبيه كأنه يدل على أنهم يبنون على ذلك .

ولكن هذا المطلب ما دخله، أما أنه كالدر فإن هذا تابع لواقعها، فإذا عرف أن هذا اللبن لفحل لأن عادتها أن يستمر لبنها فمعنى ذلك أن هذا اللبن للفحل وإذا لا يوجد عندها ولادة فلا لبن لكن إذا عندها ولادة فاللبن يستمر، وتارة مزاجها أنها تدر بلا ولادة فإذا أحرزنا بأن هذا ليس لبن فحل فلا يحرم، فإن القاعدة تقتضي أن نبني على أن يكون اللبن لبن فحل فإذا استمر – ونحن تقدم عندنا التنبيه لهذا في قضية الدر وذكرنا أنه لا بد أن يحرز بأن هذا اللبن لبن فحل – وأحرز بأنه لبن فحل إما لأن المرأة بنفسها من عادتها بالولادة أن يستمر اللبن فحينئذ معنى ذلك أن هذا لبن فحل، وتارك بلا ولادة أيضاً يدر لبنها، فإذا ترددنا من قبيل ما إذا كان يوجد علامة كما لو تغير اللبن فإن معنى ذلك أننا أحرزنا بأن هذا لبن الفحل، وإذا لم يتغير فمعنى ذلك – وإن كان قبل السنتين – أننا لم نحرز كونه لبن فحل - فالقضية تابعة للإحراز فلا بد أن نحرز بأن هذا لبن فحل والإستمرار ليس له أثر .

وأما ما ذكره من أن الجماعة لم ينبهوا لهذا، فإن هذه القضية أيضاً غريبة .

فإن هذه القضية نادرة وهي أن المرأة يستمر لبنها لهذه المدة الطويلة وترضع، فإنه لا داعي للتعرض لكل فرع محتمل خصوصاً القدماء فإنه ليس مبناهم على التفريعات التي إلتفت لها المتأخرون، والقدماء ممن لم يصرّح بالتعميم فإنه عندهم شرط واحد وهو " لا رضاع بعد فطام " والذي صرح بالإختصاص كالسرائر كلامه واضح، ونحن فهمنا من قوله " لا رضاع بعد فطام " أن المرتضع هو الذي يُفطم وليس غيره فإن غيره ما هو دخله، وهذا ليس فرعاً واسع الإنتشار فإن المرأة بحسب الوضع المتعارف غالباً لبنها يخف إلى أن ينقطع بالحولين وفي الأثناء بعضهن يكون عندهن كثرة لبن بلا إشكال ولكن هذا تابع للواقع، فهذا الكلام منه قدس سره وجعله شبه دليل جداً صعب فإنه كالدر أو لأنهم لم يذكروه فإنه يوجد الكثير من الفروع لم يذكروها، فهذه كلها ليست أدلة ولا تصلح لأن يعتمد عليها في المقام .

وفي الأثناء العلامة رحمه الله في المختلف[8] أراد أن يكثر الأقوال، فذكر قضية تاريخية، وقد روى الشيخ بسنده عن علي بن أسباط قال سأل ابن فضال ابن بكير في المسجد فقال : ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنه رضاع بعد فطام، وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: لا رضاع بعد فطام، أي إنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن، فلا يفسد بينه وبين من شرب " يشرب منه " لبنه، قال: وأصحابنا يقولون: إنه لا يفسد إلا أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة .[9] [10] [11] [12]

فهذه محاورة بين إبن بكير وبين ابن فضال، باعتبار أن ابن بكير كان من الفقهاء المعروفين الذين كان يرجع عليهم وابن فضال متأخر عنه في الطبقة فيسأله في المسجد، وهذا يعطينا فائدة كخبر تاريخي بحيث يكشف لنا عن أن الفقهاء كانوا يتصدون للفتوى في المسجد بحيث يوجد حالة إستفتاء ومذاكرات علمية في مسجد الكوفة .

في المختلف في مساقه كأنه يريد أن يبين أن ابن بكير موافق لأبي الصلاح، لأن السؤال " هو ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان أيفسد ذلك بينهما "، فمعناه سنتان للولد والصبية لها أقل من سنتين ومعنى ذلك أنه بعد السنتان .

والسؤال كما يقول، لكن ابن بكير فسّر لا رضاع بعد فطام بأن الصبي إذا تجاوز مدة الرضاع فرضاعه ليس له أثر " وإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: لا رضاع بعد فطام، أي إنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن، فلا يفسد بينه وبين من شرب " يشرب منه " لبنه " فالذي يتجاوز السنتان يخرج عن حد اللبن فلا يؤثر به، ولكن عنده قضية ذكرها وهي، أن الرضاع المحرم هو حصول التناوب بين المرتضعين " وأصحابنا يقولون: إنه لا يفسد إلا أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة . " فإنه أضاف شرطاً وهو أن التحريم بين المرتضعين يجب أن يكون رضاعهما على نحو التناوب بحيث كلاهما عند المرأة ويرتضعان منها بحيث هذا يرضع ثم هذا يرضع، وهذا شرط أخر لا يرتبط بما نحن فيه وإنما هو شرط أخر وهو قضية التناوب بين المرتضعين، " قال : وأصحابنا يقولون إنه لا يفسد إلا أن يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة " وهذا شيء آخر فإن ابن بكير ينسب للأصحاب أنه يعتبر تناوب الصبيين في الرضاع حتى تحدث الأخوة بينهما، أما مطلبنا فإنه فسره على خلاف تفسير المختلف، فإنه فسره بأن الصبي إذا خرج عن حد الرضاع فرضاعه ليس له أثر فالمرتضع ينبغي أن لا يخرج عن حد الرضاع، لكن ذكر مطلباً أخر وهو أنه يجب في المرتضعين الذين يحصل بينهما أخوة وعلاقة أن يكون الرضاع بنحو التناوب فكما يشترط ان يكون مِن لبن فحل واحد فأيضاً يشترط أن يكون بنحو التناوب بحيث هذا يرضع ثم هذا يرضع ولا يكون يوجد حالة انفصال، وهذا مطلب ثاني وهو ينسبه للأصحاب وهذا إذا تم فهو شرط أخر ولا يرتبط بمطلبنا، فإذا طفل لم يشرب اللبن كما يحصل مع كثير من الأطفال بحيث لا يستقبل الثدي لكن يبقى عندها لبن ولكن هذا لا يفيد لأنه لا يوجد حالة تناوب فهذا شرط، ومعنى ذلك أن ابن بكير ليس موافقاً لأبي الصلاح وإنما إبن بكير عنده قضية أخرى، نعم هو في تفسير الرواية موافق للمشهور وهو أن الصبي إذا خرج عن حد الرضاع فرضاعه لا يؤثر وهذا هو قول المشهور وأيضاً عنده مطلب ثاني وهو أنه لا بد من التناوب فإن أصحابنا يقولون لا بد من التناوب، وعلى تقدير تماميته فإنه غير ذاك المطلب، فلو فرضنا خرجت المرأة عن حد الرضاع بحيث بقي عندها لبن بعد السنتان ثم جيء لها بولدين لترضعهما فأرضعتهما بنحو التناوب فمقتضى ذلك أن تقع العلقة بينهما لأن التناوب متحقق وهما لا زالا دون السن .

ولكن هذا من أين أتى به ابن بكير بحيث ينسبه لأصحابنا، فإن ما نسبه لأصحابنا لم نجد له مستنداً في كلماتهم ولا في النصوص، فإنه لا يوجد شاهد في كلماتهم على اعتبار التناوب حتى نرى ما هو دليلهم ولا يوجد عندنا نص أيضاً شاهد بالتناوب حتى نتمسك به، فابن بكير عنده مطلب ونسبه للأصحاب ولكن لا يخلو عن كونه حداً مجهول المنشأ والدليل، وعلى كل حال فلا تخرج عن كونها فتوى من ابن بكير فإنه لا يرويها عن الإمام عليه السلام حتى نبحث في أن روايته عن المعصوم حجة في المقام، وعليه فهي فتوى منه ويستند إلى دعوى أن الأصحاب يعتبرن التناوب، وفتواه ليست بحجة وهو غير موافق لأبي الصلاح لأن مطلبه مطلباً اخر وهو أنه يشترط التناوب ولا يرتبط بما نحن فيه، وعلى كل حال أولاً ابن بكير غير موافق لأبي الصلاح لأنه يقول بأن المرتضعين لا يخرجان عن حد الرضاع ففسّر الرواية بهذا، وعليه فكيف جعله في المختلف مؤيداً لأبي الصلاح، ومن هنا فالمسألة لا ينبغي التوقف فيها في أنه لا يعتبر مضي مدة الرضاع في نفس اللبن، وإنما يعتبر بقاء مدة الرضاع في المرتضع لا غير . وفي الأثناء قد يكون شخص عنده إحتياطات فليحتاط فإن الإحتياط ليس فيه ضرر لكن كمطلب علمي فإن العمدة هي رواية " لا رضاع بعد فطام " بعد أن كان لا يراد بالفطام مطلق الفطام وإنما المراد فطام شخص ومقتضى وجود رضاع يعني المرتضع لا يفطم أي لا يمر عليه حولان .


[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج30، ص454، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo