< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته/ الرضاع

نص الأستاذ (دام ظله)

ومثلها دعوى [1] : أن موثق زياد بن سوقة إنما يقتضي عدم كفاية العشر رضعات إذا تخللها رضعة امرأة أخرى، ولا يمنع من كفايتها إذا لم يتخلل بينها شيء آخر من وجوه الغذاء، لما ذكروه من عدم مانعية تخلل ذلك في الخمس عشرة رضعة، فتحمل نصوص الاكتفاء بالعشر على ذلك. لاندفاعها:

أولاً: بما يأتي إن شاء الله تعالى من الإشكال في الاكتفاء بالخمس عشرة رضعة مع تخلل غذاء آخر غير رضاع امرأة أخرى.

وثانياً: بأن التوالي عرفاً هو التتابع الزمني بنحو تتقارب الأجزاء حتى كأنها متصلة بعضها ببعض، في مقابل التفرق الذي هو التباعد الزمني أيضاً، واستفيد من موثق زياد أن المعيار فيه عدم الفصل برضعة أخرى أو بمطلق الغذاء، فيكون المراد من التفرق في النصوص المانعة منه في العشر ذلك بأحد معنييه من دون وجه للتفريق.

وثالثاً: بأن الجمع بذلك لو أمكن مغفول عنه، فلا يكون جمعاً عرفياً، ومجرد إمكانه عقلاً لا يكفي في رفع التعارض بين الدليلين. ولا سيما أن انحصار المشهور المعروف بين الطائفة بالقول بالخمس عشرة رضعة والقول بالعشر يكفي في وهن التفصيل المذكور المغفول عنه في مثل هذه المسألة الشائعة الابتلاء.

 

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته/ الرضاع«التقریر»

انتهى الكلام إلى أنّ في المقام طائفتين من النصوص، طائفة تقرّب العشرة، وطائفة تمنع مِن العشرة، إمّا صريحاً مثل صحيح عليّ بن رئاب، أو بتبع التأكيد على الخمسة عشر، لأنّ تأكيد موثّق زياد بن سوقة على الخمسة عشر، معناه أنّ ما دونها لا يؤثّر، وتقدّم عندنا أنّ العشر مع التفرّق لا تنفع، ولا تصلح لأن تكون شاهداً، لأنّ موثّق زياد بن سوقة تضمّن اعتبار التوالي في الخمسة عشر، ومعنى ذلك أنّ عدم التفرّق في العشرة لا يفيد، لأنّه لا بدّ من التوالي في كلّ الخمس عشرة رضعة لا في بعضها.

ومثلها دعوى: أنّ موثّق زياد بن سوقة " قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة مِن لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها "، فمعناه أنّ المانع هو فصل رضعة، والروايات المتضمّنة أنّه العشر مع التفرّق لا تنفع، لأنّها تشمل ما إذا كان التفرّق بغذاء غير الرضاع أو برضاع، فيكون عندنا ثلاث صور، خمسة عشر لا رضاع بينها، وعشرة لا ينفع معها أيّ غذاء، وخمسة عشر يفصل بينها غذاء غير الرضاع، فيكون هذا هو التفصيل في المقام، فيكون عندنا أنّ العشر رضعات إذا كان يوجد فاصل بينها غذاءً أو رضاعاً لا يفيد، والخمسة عشر إذا كان بينها رضاع أيضاً لا تفيد، يبقى إذا كان بينها غذاء فإنّها تفيد، ففي العشر يعتبر عدم الفاصل بأيّ غذاء كان، وفي الخمسة عشر يعتبر عدم الفاصل بالرضاع من دون أن ينافي أن يضر الفاصل بغذاء آخر، فيكون الفرق بين العشرة والخمسة عشر أنّه في العشرة لا يمتنع مع عدم الفاصل من غذاء أبداً، ومع الخمسة عشر إنّما يمنع الفاصل بالرضاع دون الفاصل بغذاء آخر، فهذا يكون وجه جمع بين النصوص .

وبعبارة أخرى، الفاصل قسمان: فاصل بالرضاع، وفاصل بالغذاء، الروايات التي تقول العشر المتفرّقات لا تنفع إذا فَصَل بينها بأيّ فاصل كان، ورواية زياد بن سوقة والتي تقول خمسة عشر تقول لا يمكن أن يكون الفاصل بينها رضعة، فيكون عندنا أنّه في العشرة يجب عدم الفاصل أصلاً وفي الخمسة عشر يجب عدم الفاصل بالرضاع لكن لو فَصَل بغذاء لم يمنع.

وهذا مطلب منفرد لا قائل به، وإنّما نذكره كمطلب علميّ قيل في المقام فنتأمّل به، فالعشرة مانعة إذا لم يكن بينها فاصل أصلاً، والخمسة عشر مانعة إذا لم يفصل بينها رضاع، أما إذا فَصَل بينها غذاء فلا بأس.

مدفوعة:

أولاً: بأنّه يأتينا الإشكال في جواز الفاصل بالغذاء حتى في الخمسة عشر.

وثانياً: أنّ النصوص في المقام تعرّضت لعنواني التوالي والتفرّق، وليس لعنوان الفصل بغذاء، فإنّ صدر موثّق زياد بن سوقة، قال: " لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة مِن لبن فحل واحد " ثم بعد ذلك ذكر " لم يفصل بينها رضعة " فذكر في صدر الرواية التوالي، وأيضاً تلك الروايات ذكرت التوالي، والتوالي عرفاً لَيس عدم الفصل بغذاء ولا عدم الفصل برضاع ولا عدم الفصل بشرب الماء ولا عدم الفصل بالنوم، فإنّ التوالي بحسب المعنى العرفي البدوي هو التتابع الزمني، فكما نستفيد في باب الوضوء من وجود حالة تتابع بحيث لا يكون عندنا حالة فاصل زمني، نعم تارة الرواية تقول العشر مع عدم الأكل أو مع عدم الغذاء، وتارة تقول عشر متفرّقات، فإنّ التفرّق مقابل التوالي، والتوالي والتفرّق بحسب المعنى الأصلي هو عبارة عن حالة التتابع حتى كأنّ بعضها متصلٌ ببعض، في مقابل ما إذا كان يوجد حالة تفرّق بحيث بعضها ليس متصلاً بالآخر وهذا لا يرتبط بالرضاع، لكنّ هذا التوالي أمرٌ عرفي فإنه لا يوجد عندنا توالٍ مأخوذٌ باللحظات هنا، وإنّما المأخوذٌ به أشبه بأمر مشكّك يسمّونه التوالي وله حدود، وفِي الوضوء حدّد الشارع بأنّ معنى التتابع أن لا يجفّ، وفي الغسل لا يعتبر التتابع، فعندما يقول: جاء القوم متتابعين، يعني واحداً بعد الآخر، وجاء القوم متفرّقين، يعني بينهم فواصل زمنية معتدّ بها، فالتوالي عبارة عن هذا المعنى العرفي الأصلي، ولكن فهمنا من موثّق زياد بن سوقة أنّ المراد بالتوالي هو أنّ لا يفصل بينها رضعة، ومقابله التفرّق، وهو أن يفصل بينها رضعة.

يبقى الكلام في المراد بالرضعة، هل المراد خصوصية الرضعة أو مطلق الغذاء؟

فإذا قلنا مطلق الغذاء، ففي الكلّ – أي العشرة والخمسة عشر – وإذا قلنا خصوص الرضعات فأيضاً في العشر رضعات وفي الخمسة عشر رضعة، وعليه فالتفريق ما هو معناه؟

فإنه تارة يقول لا يفيد العشر بينها غذاء ولا يفيد خمسة عشر بينها رضعات، فهنا فهمنا أنّ المعيار على نوع الغذاء هل هو الرضاع أو الغذاء، وتارة عنوان التوالي، والذي هو عرفاً وبدواً عبارة عن تتابع، وعليه فالرواية هنا قالت التوالي، ولكن إذا بقينا مع المعنى اللغوي والعرفي يعني واحدة تلو الأخرى، مقابل وحدة متفرّقة فإن هذا معناه، وليس معناه عدم الغذاء، لكن فهمنا من موثّق زياد بن سوقة أنّ المراد بالتوالي عدم الغذاء مطلقاً كما هو غير بعيد، أو عدم الرضعة، فإنّه مَا هُو الفرق؟ فإنّ التفرّق مقابل التوالي وهذا التفصيل بلا فاصل، وهم كأنّهم فرضوا أنّها متفرّقات يعني بينها غذاء، ولكن ليس هذا معنى التوالي، فإذا دخل رجلٌ إلى المجلس وشرب الماء، ثم بعد ذلك دخل رجل آخر إلى المجلس، فعرفاً هذا توالٍ، وإذا كان يوجد فاصل زمني طويل فلا توالي، فهذا مفاد " ثم " " والفاء " ومفادهما لا يرتبط بوجود فاصل وما هي حدوده، ففي مقامنا روايات المنع عبّرت بالتفرّق ورواية زياد قالت المانع عدم الرضعة – سواء جمدنا على الرضعة أو عدم الرضعة بمعنى عدم الغذاء المعتدّ به –

وعليه ففي هذا المقام روايات التفرّق لا يوجد فيها أن لا يفصل بينها غذاء حتى رواية زياد بن سوقة عبّرت " أن لا يفصل بينها رضعة " فتكون أعمّ من جانب، وإنّما فيها تفرّق وتوالٍ، يبقى نحن فهمنا من رواية زياد أنّ التوالي هو عدم فَصل الرضعة بخصوصيّتها ومطلق الغذاء على ما نفهمه منه، وعليه فالفاصل المذكور بلا وجه، ففي العشر تقول لا يوجد غذاء أصلاً فهل يوجد عندنا هكذا شيء في الرواية وإنما قالت عشر رضعات متفرّقات يعني خمس رضعات ثلاث رضعات بينهم ثم بعد ذلك ترضعه فحينئذ يصدق متفرّقات، يبقى حدود التفرّق مَا هي؟ فإنّ مفهوم التفرّق أمرٌ مشكّك، وفي باب الوضوء لا يوجد عندنا عنوان تتابع، وإنّما الشارع قال بأن لا يجفّ ونحن عبّرنا عنه بالتتابع.

ففي مقامنا المراد هو التتابع عرفاً بحيث يكون شيء بأثر بشيء، ولا بدّ من التفكير في مقدار حدود القرائن، هل بعد ربع ساعة أو اقلّ أو أكثر أو ربع نهار أو نصف نهار، فهذا تابع لإدراكه، ونحن فهمنا من قوله عليه السلام متواليات أولاً ثم بعد ذلك قال لم يفصل بينها رضعة امرأة أخرى ففهمنا أنّ المراد بالتوالي عدم الفصل بالرضعة، وإما أن نجمد على الرضعة فلا بد في الاثنتين أن نجمد على الرضعة أو مطلق الغذاء أيضاً في الاثنتين، وعليه فالجمع بالوجه المذكور لا مجال له.

بعبارة أخرى: لو قالت الروايات عشر لا يفصل بينهم غذاء، ورواية أخرى تقول عشر لا يفصل بينها رضعة، حينئذٍ يكون عندنا مجال للإشكال، وهو أنّه يوجد فرقٌ بينهما، ولكن لم تقل الروايات يفصل بينها بغذاء، وإنّما ذكرت " متواليات " والتوالي يعني متتابع، فحينئذٍ هذا التفصيل بلا فاصل، فإنّ الذي فسّر لنا التتابع هو موثّق زياد بن سوقة، فإذا فهمنا من التفسير مطلق الغذاء فمعناه أنّ مطلق الغذاء في الاثنتين يمنع، وإذا فهمنا منه الرضعة فأيضاً في الاثنتين، وكأنّ الجماعة فرغوا عن أنّ المراد بعدم التفرّق يعني ولو بغذاء، ولكن هذه بلا غذاء من أين؟ فإنّ الرواية ليس فيها غذاء، ونحن فهمنا التوالي إمّا من الإجماع إذا كان يوجد إجماع واعتبار التوالي في الجملة لا إشكال فيه، أو من موثّق زياد بن سوقة الذي قال " لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها " وإما نجمد على الرضعة أو نفهم العموم، وعلى كلّ حال الكلام في المقامين واحد وعليه فهذا التفصيل من أين جاء؟

وثالثاً : أنّه ليس كلّ شيء ممكن عقلاً يكون جمعاً عرفيّاً بين النصوص، فإنّ هذا الجمع مغفولٌ عنه، ولمّا كان مغفولاً عنه فلا يصحّ أن نجمع بشيء مغفول عنه، وإنّما لا بدّ أن يكون الجمع جمعاً عرفيّاً بحيث الإنسان يفهم من مجموع النصوص من قبيل رضعة من جارية ورضعة مِن حرّة، ففهمنا معناهما، أمّا أن يكون هناك شيءٌ مغفولٌ عنه في مقام الجمع، والأصحاب متّفقون على أنّه إمّا العشرة أو الخمس عشرة رضعة، ولا يوجد عندهم التفصيل المتقدّم، لأنّ قضيّة التفرّق لا يقبلون بها، فانّ موثق زياد فيه اشتراط التوالي، فأصلاً لا يوجد عندنا إلّا القول بعشر رضعات والقول بخمس عشرة رضعة، ففي هذه المدّة كلّها مغفولٌ عن هذا التفصيل، والآن نحن التفتنا إليه، فبالتأمّل والتروّي والعمل بالحسابات الرياضية استخرجنا وجهاً آخر لا أحد يعلم به، ونحن الآن التفتنا إليه، فإنّ هذا الكلام غير مقبول، خصوصاً مع كون المسألة شائعة الابتلاء، ويوجد تعارض بين العلماء بحيث قسمٌ يقول بالعشر وقسمٌ يقول بالخمس عشرة رضعة، وعليه فهذا الجمع ليس جمعاً عرفيّاً، والجمع بين النصوص إنّما يُقبل إذا كان جمعاً عرفيّاً مقبولاً، مثل أكرم العلماء العدول، ولا تكرم العلماء، فهمنا أنّه يُشترط العدالة في المُكرَم، وهذا شيءٌ عرفيّ بحيث يُقسم العلماء قسمان، قسم علماء سوء وقسم علماء عدول، أمّا أن نستخرج صورة جديدة بعد طول هذه المدة، فإنّ هذا ليس جمعاً عرفيّاً، فإنّ الجمع العرفيّ عبارة عن أن تكون القرينة قرينة عرفيّة بحيث يُفهم بضميمتها التفصيل، ومقامنا من هذا القبيل.

وعليه فهذه الشبهة لا مجال للبناء عليها والتوقّف من أجلها.

وعليه فالنصوص متعارضة واستحكام التعارض واضح، وعليه لا بدّ من التأمل حتى نرى أيّ من الروايات عليها العمل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo