< قائمة الدروس

الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

40/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بقية الاقوال في مسألة حدود التعليل بما غلب الله عز وجل عليه

وبإزاء مذهب المشهور أقوال اخر:

منها ما عن صاحب المدارك من إنكار البناء مطلقا ـ كما عليه المشهور ـ نظرا الى ان مورد النصوص بأجمعها الشهرين ما عدا رواية علي بن أحمد بن أشيم الضعيفة حيث قال: "كتب الحسين إلى الرضا عليه‌ السلام: جعلت فداك، رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر، أيبتدي في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب إليه: يحتسب بما مضى"[1] .

فلا بد من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة ـ كما نحن فيه ـ على مورد النص فيبقى المكلف في غيره في عهدة التكليف الى أن يتحقق الامتثال بالإتيان بالمأمور به على وجهه المقتضى لرعاية التتابع عملا بعموم أدلته.

وفيه: ان مورد النصوص وان كان مختصا بالشهرين غالبا إلا أن اطلاق التعليل[2] قرينة عرفية على التعدي الى غير مورد النصوص فيلزم تخصيص عمومات التتابع، و إلا لم يكن وجه للتعليل كما لا يخفى. فهو بحسب الفهم العرفي يقتضي التوسعة في نطاق الحكم وان كل ما كان مصداقا لغلبة اللّه فهو محكوم بالبناء لا الاستئناف.

خصوصا ان التعليل المذكور في النصوص موافق للارتكاز والفطرة.

ومنها: ما عن الدروس والمسالك وغيرها من أن كل ثلاثة يجب فيها التتابع لو أخل به ولو لعذر استأنف، إلا ثلاثة الهدي إذا صام يومين وكان الثالث العيد، فإنه يبني على ما مضى،

ونحوه عن ظاهر ابن سعيد من غير استثناء ثلاثة الهدي، ونسب للقواعد الجري على ذلك في كفارة اليمين وقضاء شهر رمضان، خلافاً للسرائر، حيث نسب اليه التصريح بالبناء على ما صام في كفارة اليمين إذا قطعها بمرض أو حيض.

وقد يستدل لوجوب الاستئناف بإطلاق ما تضمن وجوب التتابع في الصيام المذكور، ويندفع بأن الإطلاق المذكور محكوم للنصوص المتقدمة بملاحظة التعليل المتقدم فيها.

نعم قد يستدل له بصحيح عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله ع: "قال: كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين"[3]

بتقريب: أنه لا مجال لحمله على بيان جواز التفريق لا لعذر، لما هو المعلوم من عدم اختصاص الاستثناء منه بكفارة اليمين،

بل ظهور وجوب التتابع في كثير من أفراد الصوم ملزم بعدم حمله على ظاهره من جواز التفريق اختياراً، بل لابد من حمله على جواز التفريق في الجملة ولو لعذر، فيدل على عدم جواز التفريق في كفارة اليمين مطلقاً ولو مع العذر.

لكنه يشكل أولاً: بأن ذلك ليس بأولى من حمله على جواز التفريق اختياراً مع كون الحصر فيه إضافياً ـ كما في الوسائل ـ بلحاظ بعض أنواع الصوم. غايته أنه يكون مجملاً، لعدم القرينة على تعيين ذلك البعض.

وثانياً: بأنه مختص بكفارة اليمين وما ألحق بها، مما تضمن دليله أن كفارته كفارة يمين، دون غيره من موارد وجوب صوم ثلاثة أيام، كالإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان.

ومنها ما عن الشيخ (قده) في النهاية من التفصيل فيمن نذر ان يصوم شهرا متتابعا فعرض ما يفطر فيه بين بلوغ النصف وعدمه فيبني في الأول ويستأنف في الثاني.

واستظهر السيد الخوئي (ره) ان مستنده في ذلك هي رواية موسى بن بكر إما بواسطة الفضيل أو بدونه عن الصادق، أو أبي جعفر عليهما السلام على اختلاف طريق الكليني و الشيخ حسبما مر: "في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثمَّ عرض له أمر فقال: ان كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، و ان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما"[4]

فإنها وان لم يصرح فيها بنذر التتابع الا أن قوله عليه السلام في الجواب. «حتى‌ يصوم شهرا تاما» يكشف عن تعلق النذر بالمتابعة. كيف ولو لا ذلك لم يكن موقع للسؤال من أصله ضرورة وضوح عدم لزوم الاستئناف فيما لو كان مطلقا أو على سبيل التفريق كأن يصوم شهرا خلال أربعة أشهر كل شهر أسبوع مثلا كما هو ظاهر.

ويندفع بأن الرواية وان كانت معتبرة السند لوجود موسى بن بكر في اسناد تفسير علي بن إبراهيم وان لم يوثق صريحا في كتب الرجال كما تقدم.

إلا أنها قاصرة الدلالة على المطلوب إلا بالإطلاق، إذ العارض في قوله: "ثمَّ عرض له أمر" مطلق من حيث الاضطرار والاختيار، فكما انه يصدق مع العذر الذي يكون مما غلب اللّه عليه، كذلك يصدق مع عروض الضرورة العرفية المقتضية للإفطار اختيارا، كما لو دعت الحاجة الى السفر لأجل زفاف أو استقبال مسافر، أو معالجة، أو تجارة ونحو ذلك.

ومقتضى الجمع بينها وبين التعليل في صحيحة ابن خالد المتقدمة ارتكاب التقييد، فتحمل هذه على العارض الاختياري إذا تكون هذه الرواية من أدلة التفصيل في العارض الاختياري بين بلوغ النصف وعدمه في صوم الشهر المشروط فيه التتابع الذي يقع الكلام حوله في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالى، وأجنبية عن الإفطار لعذر الذي هو محل الكلام.


[2] المتقدم في معتبرة سليمان بن خالد: "هذا مما غلب الله عليه، وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شيء".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo