< قائمة الدروس

الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

37/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة مبحث ما لو زاد ما اشتراه وادخره للمؤنة عن مؤنة سنة الربح.

وعلى ايٍ فقد أشرنا في مطاوي كلامنا الى ان التمون بالأعيان "تارة" يقوم بزوال نفس العين واتلافها كما هو الغالب في مثل الفحم والحنطة وغيرهما، "واخرى" يقوم بالانتفاع بالأعيان مع بقائها، كما هو الغالب في مثل الفرش، والأواني والدور وغيرها، والثاني قد يستغنى عنه وقد لا يستغنى عنه، وما يستغنى عنه قد يكون الاستغناء عنه في سنة الربح، وقد يكون في سنين لاحقة. فللمسألة صور أربع:

الصورة الاولى: ان يكون المشترى مما تصرف عينه في المؤنة بحيث تتلف العين وتزول مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها.

الصورة الثانية: ان يكون المشترى مبناه على بقاء عينه والانتفاع به، مثل الفرش، والأواني، والألبسة والعبد، والفرس، والكتب، ونحوها مع افتراض عدم الاستغناء عنه.

الصورة الثالثة: ان يكون المشترى مبناه على بقاء عينه والانتفاع بها، ولكن مع افتراض الاستغناء عنها في السنين اللاحقة.

الصورة الرابعة: ان يكون المشترى مبناه على بقاء عينه والانتفاع بها، ولكن مع افتراض الاستغناء عنها اثناء سنة الربح نفسها.

اما الصورة الاولى: فلو زاد شيئا مما اشتراه للمؤنة، فلا اشكال في وجوب إخراج خمس الزائد عند تمام الحول، لعدم كونه من مؤنة سنة الربح وان احتيج اليه في السنة اللاحقة. وفي المستمسك "بلا خلاف ظاهر. لعدم كونه من المؤنة"[1] .

لكنك عرفت ان الامر كذلك في غير ما يحتاج الى شراء المجموع صفقة واحدة واما لو اضطر لذلك لكان المجموع مؤنة لان المؤنة لغة وعرفا هي الصرف عن حاجة لا الانتفاع بالمصروف محضا. وبالتالي لا يجب فيها الخمس، اللهم الا ان يقوم الاجماع الحجة على الوجوب. وهو محل تأمل ظاهر، لان وجوبه مغفول عنه عرفا، ولم ينص عليه الا المتأخرون، مع كون المسألة ابتلائية جدا.

واما الصورة الثانية: فقد اختلفوا فيها ففي العروة الوثقى "الأقوى عدم الخمس فيها. نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس منها. وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها"[2] .

وفي المستند استظهار عدم الخمس في هذه الصورة فقد قال: "لو بقيت عين من أعيان مؤنته حتى تم الحول ... فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول، أو لا؟ الظاهر: لا، كما صرح به بعض فضلاء معاصرينا أيضا، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا، فيستصحب"[3] .

وفي الجواهر الميل إلى وجوب تخميسها "لإطلاق أدلة الخمس، المقتصر في تقييدها على المتيقن، وهو مئونة السنة"[4] .

وقبل التعرض للأدلة لا باس من التنبيه على ان المؤنة لا تزول بانتهاء السنة. وذلك لما عرفت ـ من كلام اللغويين ومن اقوال العلماء التي نقلناها عن المستند ـ من ان المؤنة هي الصرف والانفاق فيما يحتاج اليه الرجل في حياته اليومية. وهذا المقدار يحصل بمجرد شراء المصروف فيه وعده لذلك سواء انتفع به فعلا ام لا. وعليه يكون المال المصروف مستثنى بأدلة الاستثناء. ومن الظاهر انه لا يحتمل مع ذلك ان تكون العين المشتراة موردا لوجوب الخمس والا لوجبت حتى اثناء السنة.

وان ابيت عن كون نفس الصرف وحده مؤنة ـ كما هو ليس ببعيد في عرف المتشرعة ـ فلا اقل من ان مجرد الانتفاع بالعين المصروف فيها ـ كسكنى الدار مثلا ـ تتحقق بها المؤنة المستثناة، مع قطع النظر عن ان يكون المصروف فيه ينتفع به في باقي السنة، او بعد انقضاءها، اولا، ففي جميع هذه الاحوال يصدق على المصروف فيه عرفا مؤنة سنة الربح، ومن هنا لا يتصور ولا يصدق على المصروف فيه ـ كالدار مثلا ـ الخروج عن مؤنة سنة الربح بدخول السنة الثانية او عند الاستغناء عنها في اثناء سنة الربح او في السنيين اللاحقة لها. ولعله لهذا قال في المستند: "إنّا لا نسلّم عدم كونها عن مئونة السنة، فإنّها مئونة السنة عرفا، ولا يشترط في صدق المؤنة تلف العين"[5] .

وحيث كانت مؤنة السنة مستثناة فلا تشمله ادلة وجوب الخمس في سائر السنيين اللاحقة سواء انتفع به ام لا.

وكيف كان فقد يستدل للقول بعدم الوجوب في هذه الصورة بوجوه.

الأول: الاستصحاب، كما عن المستند. بتقريب ان الخمس قبل تمام السنة غير واجب فيستصحب عدم الوجوب الى ما بعدها.

وغير خفي ان الاصول العملية لا يصار اليها الا بعد فقد الدليل الاجتهادي فيلزم ابتداءً البحث والنظر في وجود دليل اجتهادي في المقام او لا.

الثاني: ما ذكره سيدنا الجد (ره) من أنها كانت من مئونة السنة فهي مستثناة من ادلة وجوب الخمس، وبعد خروجها عن أدلة وجوب الخمس لا دليل على دخولها فيها.

وان شئت قلت: "دليل استثناء المؤنة ظاهر في استثنائها مطلقاً، لا ما دام كونها مئونة فلاحظ‌ قولهم (ع): "الخمس بعد المؤنة"‌ فإنه ظاهر في تخصيص عموم دليل الخمس الأفرادي، لا مقيد لإطلاقه الأحوالي. فاذا كان الشيء مئونة كان مستثنى من الدليل، ومقتضى إطلاقه [أي إطلاق دليل الاستثناء] نفي الخمس فيه ولو خرج عن كونه مئونة السنة"[6] .

لكن من الظاهر ان المستفاد من اخذ عنوان ما، في موضوع حكم، هو دوران الحكم مدار ذلك العنوان المأخوذ فيه وجودا وعدما، وحيث اخذ في موضوع الخمس مئونة السنة فعدم وجوب الخمس فيما كان مؤنة يدور مدار المؤنة وجودا وعدما، فاذا أقررنا بخروج الاعيان المذكورة عن كونها مئونة السنة فسوف لا تكون مشمولة لدليل الاستثناء فيشملها دليل الخمس، ويكون دليل الاستثناء مقيدا لإطلاق دليل الخمس الأحوالي لا مخصصاً لعموم دليله الافرادي.

فالأولى في الجواب ما ذكرنا من ان اعيان المؤن لا تخرج عن كونها مؤنا بانتهاء سنة الربح. بل تبقى مشمولة لأدلة استثناء المؤنة، فلا تشملها ادلة وجوب الخمس.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo